العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ

غزو العراق... دروس وعبر

حسن عبدالهادي بوخمسين comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

يبدو من طبيعة سير الحوادث التي جرت منذ غزو العراق وليومنا هذا وتتابع التطورات وايقاعها السريع المذهل أن الولايات المتحدة الأميركية في عجلة كبيرة من أمرها في تحقيق أهدافها وتنفيذ مشروعاتها في المنطقة أو بحسب مصطلحها الذي اخذ شهرة واسعة «إعادة ترتيب خريطة الشرق الأوسط»، فبمجرد انتهائها من المرحلة الأولى لتحقيق مخططها الخاص بالعراق وهي اسقاط النظام الحاكم شرعت فورا ومن دون أدنى تردد أو تأخير في توجيه التهديدات والانذارات المباشرة والمتتالية إلى القيادة السورية وإفهامها بأن المصير الذي لاقاه صدام وزمرته سيتكرر لرموز السلطة في سورية إن لم تستجب فورا للمطالب الآنية الأميركية المعروفة والتي تم تداولها كثيرا في الاعلام العالمي، وهذا ما يبدو أنه قد تحقق ولو بنسبة ما في الأيام الأخيرة وخصوصا ما يرتبط منه بالوجود السياسي والاعلامي في دمشق لبعض الحركات التحريرية والجهادية الفلسطينية، إذ تم الإعلان عن اغلاق مكاتبها وإيقاف نشاطاتها هناك.

وهي الآن - أي آلة الحرب الإعلامية الاميركية - في صدد الانتقال إلى الجبهة الإيرانية، فقد شرعت في ارسال نذر الدمار والزوال للنظام الاسلامي الحاكم في ايران إن لم تتخلى عن سياستها المخالفة للسياسة الاميركية، وبالذات في الجانب المتعلق بعملية التطبيع العربي الاسرائيلي ووقف دعمها لحركة حزب الله اللبناني بل والعمل على تصفيتها وانهائها.

العرب والمبادرة المفقودة

ولكن على رغم هذا الاستعجال الأميركي، فإننا لم نجد في المقابل مثل هذه السرعة والمبادرة في ردة الفعل العربية وخصوصا من قبل الانظمة العربية في اتخاذها وتطبيقها لكل الخطوات والقرارات اللازمة بها والكفيلة بازالة الحجج والمبررات التي تسوقها الحكومة الأميركية وتتعلل بها لتبرير اعتداءاتها على هذه الأنظمة ومن ثم على شعوبها وخيراتها.

وما يزيد الأمر تعجبا واستغرابا من هذا التباطؤ الرسمي في اتخاذ الفعل والقرار الصائب لهذه المرحلة ومن هذه اللامبالاة اتجاه خطر التدخل والعدوان عند الكثير من المسئولين العرب هو ما شهدناه من سيناريو حزين بل ومفجع في تطورات الحرب الأنجلو - أميركية على بلاد الرافدين إذ رأينا نكوص الشعب والجمهور العراقي و تخليه عن دعم وحماية نظامه السياسي ما سهل على الغزاة مهمتهم وسرع في احتلال جميع المدن العراقية في أقل من ثلاثة أسابيع، بل رأينا العكس وهو مظاهر الفرحة الغامرة التي بدت عند شرائح كثيرة من هذا الشعب لسقوط هذا الحكم والتخلص من سيطرته وبطشه ودكتاتوريته الشمولية.

ولا أعتقد أن الوضع بما هو عليه الآن في طبيعة العلاقة القائمة ما بين الكثير من الحكومات العربية وشعوبها يتناقض كليا عما كان عليه الوضع السائد ما بين الحاكم والمحكوم في العراق.

نعم هو يختلف عنها، وهذا ما لا شك فيه، فالنظام العراقي كان فريدا في درجة قمعه وإرهابه لشعبه، لكن أيضا لا نستطيع القول إن الجماهير العراقية قانعة بوضعها الحياتي والمعيشي وبمستوى الكرامة والحرية الممنوحة لها في معظم الأقطار العربية ممن هم في موقع السلطة والمسئولية وبالتالي تهبهم ما يشاءون من الرضا والطاعة والولاء لهم.

من العيب علينا جميعا - حكاما وشعوبا - أن يمر علينا الحدث العراقي وهو تاريخي بكل المقاييس مرور الكرام أي من دون أن نستوعبه ونعيه جيدا، فليس من المستبعد والمستغرب - لا سمح الله - وبالنظر إلى ما يعيشه الانسان العربي في أسوأ مراحل تاريخه من حقوق ضائعة وكرامة له مهدورة أن نشهد تكرارا لنموذج المقاومة السلبية المعروفة على غرار ما حدث في وطن النهرين في أي قطر عربي أو اسلامي آخر يتعرض للاعتداء الخارجي عليه.

الإصلاح أو الهيمنة

ما يكفل لنا عدم الوصول إلى هذه المرحلة السلبية والخطيرة ومن ثم صون بلادنا وحفظها من كل ما يتهدد وجودها والسيطرة على ثرواتها هو الاسراع في مسيرة الاصلاحات وتحقيق الانفراجات الكبرى المطلوبة على الصعد السياسية والاجتماعية والأمنية الملموسة وذلك يتمثل في:

- إشاعة اجواء الحرية والانفتاح السياسي عبر السماح لمختلف التيارات والجهات الفاعلة سياسيا في المجتمع بالبروز والظهور العلني عبر مختلف العناوين والمسميات ضمن الحدود والأطر القانونية والدستورية، ومن ثم تهيئتها لمرحلة المشاركة في صنع القرار السياسي عبر اقرار وتطبيق نظام الانتخابات الحرة والنزيهة البعيدة عن أي تلاعب وتزوير فيها.

- إرساء قانون الإعلام الحر والمفتوح من أجل تحقيق الحرية الصحافية والإعلامية، ومن ثم القبول بنظرية الرأي والرأي الآخر من خلال استصدار وانتشار الصحف والمجلات التي تحمل في طياتها وجهات نظر المعارضة من دون الخدش والتجريح الشخصي، بل حتى السماح لها باستخدام وسائل الاعلام المرئية والمسموعة لتكريس مظاهر الانفتاح والانفراج.

- إصلاح النظام الاقتصادي المعمول به وإعادة هيكلة وتقويم لكل الادارات والمراكز الاقتصادية من خلال الغاء نظام المحسوبية والارتشاء المعشعش في أوساطها وسن القوانين الادارية الحازمة التي تطول بموجبها المتورط أيا كان منصبه ورتبته في موقع المسئولية لمساءلته ومحاسبته عند تقصيره أو في حال وجود شكاوى أو شبهات تثار حوله بل وحتى معاقبته وابعاده واقصاؤه عن منصبه في حال ثبوت التهمة عليه وبالخصوص فيما يرتبط بالجوانب المالية والحق العام في هذه المراكز، وهذا ما يضمن وقف نزيف الهدر المالي والنهب اللامحدود لأموالنا وثرواتنا ومن أجل التوزيع العادل والسليم للثروة الوطنية سواسية لكل أبناء المجتمع.

- وأخيرا إلغاء قانون الطوارئ والأمن العام المعمول به منذ عشرات السنين في بعض الدول العربية وحل كل أجهزة القمع البوليسية التي تم إنشاؤها في الأساس لتكميم الأفواه ومصادرة الحريات وهدر الكرامة الانسانية، واستبدال كل ذلك بتطبيق حكم القانون والدستور الذي يضمن لكل فرد العيش الكريم والحر بعيدا عن أجواء الرعب والخوف التي طالما كبلت عقولنا وهمشت من طاقاتنا وامكاناتنا الذاتية التي لو تم استغلالها والاستفادة منها لانعكست بالخير الوفير وبالتقدم والرقي لأوطاننا العزيزة.

هذه الاجراءات العملية هي التي تنشئ وتوجد ذلك التلاحم الرائع ما بين الجماهير وقياداتها السياسية، ومن ثم تدفع بذلك المواطن البسيط وتحثه على تقديم نفسه العزيزة عليه رخيصة وسفك دمه الغالي فداء لربه ودينه ووطنه العزيز عند حدوث أي خطر يتهدد هذه المقدرات

العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً