العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ

عودة بن لادن بضربة مزدوجة

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

قبل أيام قليلة احتفلت وسائل الإعلام الغربية بنبأ ذكر أن خبيرة فرنسية متخصصة بشئون الشرق الأوسط صرحت بأن أسامة بن لادن زعيم تنظيم (القاعدة) قد يكون فارق الحياة أو أنه على الأقل فقد إحدى ذراعيه. إذا صح هذا النبأ فإن بن لادن لايزال يشكل خطرا كبيرا على الولايات المتحدة حتى بذراع واحدة وقد اختار لضربته الجديدة أرض البلد الذي ولد وترعرع فيه، وفي التوقيت المناسب لتبليغ الرسالة للولايات المتحدة مع وصول وزير خارجيتها كولن باول إلى الرياض لإجراء مباحثات سياسية مع كبار المسئولين السعوديين.

باول في نظر(القاعدة) ممثل لدولة إمبريالية لا تتأخر في استخدام القوة العسكرية لضرب دول إسلامية وفرض هيمنتها عليها مثلما حصل في أفغانستان ثم عززت حرب العراق هذا الاعتقاد. غير أن تفجيرات الرياض تعتبر في نظر الكثير من المحللين السياسيين ضربة مزدوجة استهدفت النيل من الأميركيين وكذلك القيادة السعودية.

وحين انفجرت العبوات في حي خاص بمواطنين أجانب، كان واضحا أن التحذيرات وإجراءات الحماية التي اتخذت حديثا لوقاية أهداف أميركية في الأراضي السعودية، لم تحل دون صدور رد منتظر من خصوم الولايات المتحدة في المنطقة، ردا على غزوها للعراق على رغم عدم وجود صلة بين الحكومة العراقية السابقة و(القاعدة). ويرى المحللون أن تفجيرات الرياض صفعة للولايات المتحدة ليس بسبب غزو العراق فقط وإنما أيضا لأنها لا تعمل بإخلاص في إيجاد حل عادل للمشكلة الفلسطينية ونتيجة لتحيزها الأعمى لـ «إسرائيل» الذي دفعها إلى تغيير النظام في العراق خدمة لمصالح «إسرائيل» أيضا. كما يرى المحللون أن مشكلات القيادة السعودية زادت ونشأت عراقيل جديدة على مسار العلاقات السعودية الأميركية.

هدف المسئولين عن تفجيرات الرياض واضح لا يكتنفه غموض: انهم يريدون جلاء الأميركيين عن الأراضي المقدسة وفي الوقت نفسه تدمير العلاقات بين القيادة السعودية والولايات المتحدة وإضعاف نفوذ الأسرة السعودية الحاكمة. مازال هناك خمسة آلاف جندي أميركي في أراضي السعودية منذ نهاية حرب الخليج العام 1991 حين استخدمت الولايات المتحدة أراضي المملكة قاعدة لها. وكان العسكريون الأميركيون فترة من الزمن بعيدين عن أنظار الرأي العام لكن وقوع سلسلة من الهجمات ضد أهداف عسكرية أميركية وأعمال العنف التي تشنها «إسرائيل» ضد الشعب الفلسطيني وصمت الإدارة الأميركية عن الممارسات الإسرائيلية، شجعت على أن يصبح الأميركيون هدفا بصورة خاصة لتنظيم (القاعدة) والمتعاطفين معه.

غير أن الهجمات التي استهدفت أهداف أميركية في السعودية العامين 1995 و1996 التي نتج عنها مقتل نحو 24 جنديا أميركيا، لم تشجع الأميركيين على الرحيل عن السعودية. لكن حرب العراق ونجاح واشنطن في تغيير النظام في بغداد منح خصوم واشنطن في المنطقة وقودا جديدا كما غيَّر الموازين.

وحين زار وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الرياض في نهاية شهر نيسان/أبريل الماضي أعلن في مؤتمر صحافي عقده مع نظيره السعودي الأمير سلطان، قرار سحب عدد كبير من الجنود الأميركيين من أراضي المملكة بعد أن كان قد تم زيادة عددهم ووصل إلى عشرة آلاف جندي. غير أن هذا الإعلان لم يكن كافيا بالنسبة إلى خصوم القوة العظمى والقيادة السعودية. وسارعت السعودية إلى تلطيف الأجواء مع القوة العظمى خشية تصدع العلاقات بصورة أكبر وذلك سرعان ما تبين أن واشنطن عازمة على احتلال منابع النفط في العراق بغية أن تستقل في المستقبل عن النفط السعودي. بعد الحرب زاد تمسك السعودية بالعلاقات مع الحليف الأميركي التي يعود عهدها إلى أكثر من 60 عاما لكنها تمر في توتر مستمر نتيجة الشكوك التي نشأت داخل الولايات المتحدة بعد هجوم 11 سبتمبر/أيلول العام 2001 وتبين أن 15 من اصل 19 شخصا نفذوا الهجوم بتحريض من قيادة (القاعدة) كانوا يحملون جوازات سفر سعودية وأن الأميركيين لن ينسوا ذلك بسهولة.

مع سيطرة الولايات المتحدة على العراق نشأت بعد نهاية الحرب معطيات جديدة. إذ سيصبح بوسع الأميركيين الاعتماد بصورة أقل بكثير من السابق على النفط السعودي ذلك أن العراق ثاني أكبر دولة نفطية في منطقة الخليج، كما بوسعهم البحث بسهولة عن أماكن أخرى يقيمون فيها قواعد عسكرية تعزيزا لنفوذهم في منطقة الخليج. هذه التطورات مجتمعة أفرزت علاقات فاترة بين السعودية والولايات المتحدة الأمر الذي عكس تراجع حركة المبادلات التجارية والعلاقات الاقتصادية، إذ تشكو الشركات الأميركية في المملكة البالغ عددها 120 شركة بينها «بوينج» ومصرف سيتي من تراجع قيمة الأرباح وذلك منذ أن نشأت مرحلة جديدة لعلاقات البلدين بعد هجوم 11 سبتمبر.

وتتحدث شائعات بين فينة وأخرى بين المحللين الاقتصاديين في وول ستريت تقول ان السعوديين سيسحبون ودائع مالية ضخمة من الولايات المتحدة للإضرار باقتصاد الولايات المتحدة. ومازالت الولايات المتحدة أكبر شريك تجاري للمملكة بنصيب 19 في المئة وذلك قبل اليابان (عشرة في المئة) وألمانيا (8 في المئة). وخلال العام 2002 الماضي بلغت قيمة واردات السعودية من الولايات المتحدة 7,4 مليارات دولار وهي قيمة مماثلة للعام 1991. وانخفض حجم الصادرات الأميركية للمملكة بعد هجوم 11 سبتمبر بنسبة خمسين في المئة بينما عاد هذا التطور بالنفع على دول مجاورة وخصوصا الأردن. ومن أبرز مسببات تراجع حجم الواردات من الولايات المتحدة إلى جانب عدم شراء أسلحة جديدة، الدعوات المتكررة إلى مقاطعة البضائع الأميركية، هذه الدعوات التي أدت بصورة خاصة إلى إغلاق مئة فرع لشبكة مطاعم الهامبورغر (ماكدونالدز) في السعودية، كما تراجع عدد السياح السعوديين للولايات المتحدة بنسبة 40 في المئة في العام الماضي ومعنى ذلك خسارة اقتصاد السياحة الأميركي 200 مليون دولار. وفقا لتقديرات مراجع مالية غربية قام السعوديون منذ هجوم 11 سبتمبر بسحب أموال من مصارف بالولايات المتحدة قيمتها أكثر من مئة مليار دولار تم توظيف الجزء الأكبر منها في أوروبا وخصوصا في شراء عقارات.

تجد القيادة السعودية نفسها على ضوء التطورات الأخيرة في المنطقة، غزو العراق وتفجيرات الرياض، بحاجة بصورة ملحة إلى الشراكة الأميركية وقد أيقنت ضرورة أهمية تحالفها الذي كلفها كثيرا، فسعت إلى إظهار حسن نواياها بأنها تعمل جديا على محاربة الإرهاب. وتم وضع السعودية في قفص الاتهام بعد الكشف عن هوية منفذي الهجوم على نيويورك وواشنطن ونفت القيادة السعودية وجود صلة لها من قريب أو بعيد بهذا الهجوم وأعلنت أكثر من مرة أنها أسقطت الجنسية السعودية عن زعيم (القاعدة) منذ سنوات. وكثفت أجهزة الأمن السعودية جهودها لمكافحة خلايا (القاعدة) في الداخل وبدأت وسائل الإعلام السعودية تدعو علنا إلى مكافحة (القاعدة) مشيرة إلى أنها حركة إرهابية. لم يسبق وأن تحدث الإعلام السعودي المسير بانفتاح من دون مثيل عن مداهمة مخابئ لخلايا (القاعدة) بتاريخ 6 مايو/ أيار الجاري إذ تمت مصادرة أسلحة وذخائر وبدأ البحث عن 19 سعوديا فارا.

تواجه الحكومة السعودية صعوبة في الحصول على تأييد شعبي في المعركة ضد(القاعدة) ذلك أن نسبة 90 في المئة من المواطنين هم من الشباب الذين على رغم تحالف بلدهم مع الغرب ينظرون إلى أسامة بن لادن على أنه شيخ وهب حياته للدفاع عن حقوق المسلمين ضد الغرب الظالم، أي بصورة الشخصية الإنجليزية الأسطورية روبن هود. في الوقت نفسه أصبحت سمعة الولايات المتحدة عند السعوديين في الحضيض فهي الدولة الحامية للمعتدية «إسرائيل» وتقود حربا صليبية ضد المسلمين في أفغانستان والعراق كما أن مناهضة السياسة الأميركية وصلت أطرافا تابعة للأسرة الحاكمة

العدد 255 - الأحد 18 مايو 2003م الموافق 16 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً