العدد 259 - الخميس 22 مايو 2003م الموافق 20 ربيع الاول 1424هـ

الجمعيات والإزعاج والضوضاء السياسية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

بدأت الجمعيات السياسية نشاطها مع التصويت على الميثاق في فبراير/شباط 2001 حتى قبل ان تتشكل رسميا وقبل ان تسمح لها الحكومة بالنشاط السياسي. والذين حضروا الاجتماعات الكبرى التي كانت تدعو إليها وتديرها الجمعيات السياسية لابد أنهم تصوروا أن الجمعيات السياسية أصبحت حقيقة ثابتة في العمل الوطني.

غير ان ما وصلنا اليه حاليا يمكن ان نطلق عليه «ازعاجا» سياسيا بدلا من عمل سياسي. وهذا الإزعاج بدأ يزعج القائمين على الجمعيات السياسية بعد أن أزعج الحكومة وبعض الجهات. النشاط السياسي لم يعد مهما لأن الناس يبحثون عن حلول لمشكلاتهم، والحكومة استطاعت تجاهل الجمعيات التي نأت بنفسها عن الدخول في اللعبة السياسية. وحتى البلديات المنتخبة أصبحت كأنها غير موجودة بعد ان خلقت الحكومة عدة منافسين للمجالس البلدية وأصبحت الأجهزة التنفيذية هي الأساس، بينما تحولت البلديات الى مجالس للصراخ والإزعاج الذي لم يعد يزعج حتى وزارة البلديات والزراعة. فوزير البلدية محمد علي الستري اعلن مسئوليته عن الشئون البلدية وأن البلدية تحت رقابته بدلا من العكس.

المجالس البلدية كان بالامكان ان تطرح لنا أنموذجا أفضل لأن الاتجاهات السياسية التي قاطعت الانتخابات البرلمانية موجودة داخلها. الا ان الواضح الآن انها أبعد ما تكون عن القيام بدورها بسبب استضعافها من قبل الحكومة من جانب، وبسبب غياب العمل السياسي المنظم. فأعضاء البلديات الذين انتخبهم أبناء الشعب على أساس انتمائهم إلى هذه الجمعية أو تلك يتحركون بشكل أفراد أكثر من تحركهم بشكل تنظيمات سياسية، ولا يجمع بينهم سوى الاحساس بالتهميش، وهذا يشملهم جميعهم سواء كان الواحد منهم من هذه الجمعية أو تلك.

الجمعيات السياسية ايضا ليست في حال نفسها، ومشغولة بالضوضاء أكثر من انشغالها بترتيب أوضاعها الداخلية أو طرح رؤيتها الواقعية، وهذا ساعد على تهميشها. فعدد من الجمعيات يتحدث عن العراق وفلسطين وكل شيء يدور في العالم، ولكن ما يدور في البحرين من نقاش وحوار وتضارب أفكار عن البطالة والأحوال الشخصية والتنمية الاقتصادية وتطوير مشروعات تنويرية باتجاه تعزيز الشفافية والديمقراطية في المجتمع، فإنهم آخر من يتشاور فيها سواء كان الذي يبحث الاستشارة والدعم هو الحكومة أو الشعب.

والغريب في الأمر ان الجمعيات مازالت غير ملتفتة لهذا الامر وتعتقد ان كل شيء على ما يرام وانها تقوم بدورها الذي خصصته لنفسها. وهذا يفسر عدم اكتراثها بدعم بعض النواب الذين باشروا طرح القضايا التي تنادي بها الجمعيات والتي وضعتها ضمن اهدافها الرئيسية.

الجمعيات السياسية ربما انهكت كثيرا لعدة اسباب، ودفعها الانهاك الى التركيز على قضايا أسهل، كالخروج في مظاهرات هنا أو هناك أو اصدار بيان بهذه المناسبة العالمية أو تلك. وتبع ذلك الجمعيات الحقوقية التي بدأت تركز على الجوانب الاحتفالية واصدار بيانات في بعض المناسبات وبعضها اختفى حتى عن هذه الانشطة ولم يعد يوجد شيء سوى الاسم المدرج ضمن قائمة الجمعيات الأهلية. وقد ساعد على انهاك الجمعيات ان كثيرا من الامور تبدو صعبة أو مستحيلة وخصوصا مع عدم تحقيق مطالب ملموسة، ومع توسع البيروقراطية التي استطاعت امتصاص «الازعاج» الصادر عن الجمعيات. ولعل هذا ما شجع بعض الجهات التنفيذية على العودة الى بعض الممارسات التي لا تتناسب والانفتاح السياسي.

عدم فاعلية الجمعيات السياسية على مستوى البرامج السياسية للأسباب المختلفة المذكور بعضها أعلاه، دفع عددا من الجمعيات الى تبني شعارات واصدار بيانات قد لا تناسب وضع البحرين ما قد يؤثر على أمور كثيرة من بينها برامج التنمية والاستثمارات. ولعل هذا ما أشار إليه رئيس غرفة تجارة وصناعة البحرين الذي ابدى ألما واضحا من الكلام الذي سمعه والكتابات التي قرأها عنه وعن الغرفة عندما التقت السفيرين الأميركي والبريطاني. فهذا يذكر بما كانت تقوم به الجامعة العربية التي كانت تعاقب هذه الدولة الافريقية الفقيرة أو تلك الدولة النائية عندما تقوم بالاتصال بالعدو الصهيوني بينما تغض الطرف عن بعض الدول العربية التي اقامت علاقات مباشرة أو تلك التي لها اتصال مستمر مع العدو الصهيوني. وهذا الاختلال في التوازن لا يخدم الغرض الأسمى الذي ترفعه شعارات الجمعيات، فالعراق مثلا، وضعه معقد جدا وهذا ما بدأت الاحزاب والحركات السياسية العراقية استيعابه والتعامل معه بصورة براغماتية. فالاحزاب التي وقفت ضد أي تدخل أجنبي في العراق مثل المجلس الأعلى للثورة الاسلامية وحزب الدعوة الاسلامية يشتركان الآن في حوارات مع الاحزاب الاخرى التي دخلت في حوارات مع الاميركان والبريطانيين لتشكيل حكومة انتقالية، واذا كان ذلك هو الشأن السياسي فان الشأن التجاري أهون. وذكر هذا المثال القريب من الاذهان غايته توضيح ان ما تطرحه الجمعيات السياسية ليس مزعجا للحكومة التي احتوت ذلك الازعاج وانما لغير الحكومة ولأنفسهم اكثر من اي شيء آخر.

الجمعيات السياسية بحاجة إلى مراجعة ما حققته خلال الفترة الماضية وعدم الاستمرار في وضعها الحالي الذي يبدو انه يعتمد على «الشعبوية» بدلا من البرامج الاستراتيجية البعيدة المدى. فالجمعيات السياسية معنية بالبطالة وبكل ملف وطني مطروح على الساحة وهي مدعوة - سواء كانت قد قاطعت او شاركت في الانتخابات النيابية - إلى ان تتعاطى مع بعض النواب الذين بدأوا يحركون الاوضاع بصورة أكثر ايجابية.

وبغض النظر عن كل السلبيات وعن بعض الممارسات غير اللائقة من بعض النواب، فان مساءلة الوزراء في الفترة الأخيرة ومناقشة سياسات الوزارات وطرح الاسئلة الحرجة التي وعدت المعارضة بطرحها أمور تستحق ان تهتم بها الجمعيات السياسية والحقوقية ايضا

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 259 - الخميس 22 مايو 2003م الموافق 20 ربيع الاول 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً