العدد 2306 - الأحد 28 ديسمبر 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1429هـ

مَمَرُّ القَاهِرَةِ إِلَى طَهْرَانَ مُقْفَل... عَاوِدْ المُحَاوَلَة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في حروب الدول تتنوّع اللكمات بين الخصوم. وحين تكون الحرب مفتوحة تُصبح الضربات مفتوحة أيضا إلاّ ما رحم ربي. في الغالب تتصارع الدول على المصالح. وتتصارع المصالح على المصالح كلما زاد دَسَمُها.

وكلما تعقّدت جبهة الصراع، أصبح الاعتماد على الوسائل والوسائط أنشط وأكثر. صحف رسمية أو شبه رسمية. أحزاب موالية. وقد تَجنح كلها إلى التطرف بما لا يقلّ إيلاما عن فِعْلِ السلاح وقعقعته.

في أزمة القطاع الغزّاوي الجريح امتد الخلاف الحمساوي الفتحاوي إلى دعائم التحالفات القائمة لطرفيه. السعودية مع سورية. مصر مع إيران. وقد بات الاعتماد في ذلك الخلاف (من أجل الأطراف) على تلك الوسائل جليا، في حرب ليست مفتوحة لكنها مثقوبة.

في أمر العِداء (أو الاستعداء) لطهران سَكَبَت الصحافة المصرية مؤخرا صديدا غير مألوف. فقد وضعت مجلة «روز اليوسف» على غلاف أحد أعدادها صورة المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله الخامنئي وعنونتها بالتالي «من عرش الطاووس إلى عرش أنصاف الآلهة .. جرائم الحاكم بأمره في إيران».

ثم صورة أخرى للحضرة الحسينية الشريفة في مدينة كربلاء المقدّسة متبوعة بنصّ افتتاحي يقول «بأي دين يدينون؟ ولأي قبلة يتوجّهون؟ وهل حقا الفرس في إيران هم من المسلمين؟... شيعة إيران وما يعتقدون من إمام منتظر وعتبات مقدسة وبشر أنصاف آلهة، يأتمرون بهم من دون الله ورسوله، يطيعونهم طاعة عمياء خرجوا عن صحيح الدين».

ثم أضافت «رفعوا آل البيت إلى مرتبة أعلى من الرسول الكريم... كل ذلك ويدّعون أنهم جمهورية إسلامية ويتصوّرون أنهم فوق كل المسلمين، فبأي دين يدينون وعن أي إسلام يدافعون».

يبدو أن هذا الخطاب لا يُغذّي خلافا سياسيا أبدا. إنه خطاب شوفيني يستفزّ الفضاء الخاص للشعوب. هنا يكمن السؤال: بأي لغة يُمكن الردّ على هذا الخطاب؟ تجريم شعب كامل بمعتقداته وعقيدته، والتهكّم من حضارة لا يقلّ امتدادها عن ألفي عام! ثم يمتدّ التساؤل: ما دَخْلُ خطاب علماني بإسلام الناس وصحيحه وبالخالق ورسله وأوليائه؟ إنه خلْطٌ غير مفهوم!

هل من المعقول أن تكون تظاهرة رمزية أمام مكتب رعاية المصالح المصريّة في طهران ضد إغلاق القاهرة لمعبر رفح أمام الفلسطينيين أغلى من زيارة رئيس البرلمان (السابق) حداد عادل ورئيس البرلمان (الحالي) علي لاريجاني، ومبعوث المرشد الأعلى الخاص الشيخ ناطق نوري والمبعوث الشخصي لوزير الخارجية متّقي لمصر؟!

كان بإمكان القاهرة أن تشتري القمح الإيراني بأسعار تفضيلية. وكان الأجدى لها أن تعبر صوب شبه القارة الهندية عبر الأراضي الإيرانية. وأن تصل إلى منطقة القوقاز وحوض قزوين من خلالها أيضا.

لماذا تستفيد دول كفنزويلا ونيكاراغوا والبرازيل وسويسرا وبلجيكا والنمسا من علاقتها بإيران ولا تستفيد مصر؟ كثير من الدول والحركات لا تتفق مع طهران في العديد من الملفات لكنها لا تتمنّع من أن تتصالح معها في ملفات أوسع من أجل قضايا أكثر إلحاحا.

دولة الإمارات العربية المتحدة لديها خلاف مع طهران بشأن الجزر الثلاث لكنها لا تتضيّر من أن تتحوّل إلى وعاء تجاري ضخم للتجارة الإيرانية. حركة حماس لديها خلاف مع السياسة الإيرانية بشأن العراق لكنها لا تجد غضاضة في أن تتنفّس عبر الرئة الإيرانية عسكريا وماليا.

مِصر كغيرها من الدول التي تتحكّم علاقاتها بمناطق نفوذها. تتمدّد وتنكمش نتيجة التحالفات والتفاهمات الثنائية أو الجماعية، وبالتالي فهي ليست نشازا عن تلك القاعدة، وخصوصا أن المنطقة العربية حبلى بمشكلات الحدود والنفوذ والاصطفافات.

الفرنسيون والأميركيون صدّروا قرارات دولية وتشريعية ضد سورية، لكنهم قلّلوا من اعتمادهم على سياسة الصِدَام لصالح التسوية في لبنان. وإذا كان المصريون يرون في حكومة حركة حماس في قطاع غزّة تهديدا لأمنهم القومي بشكل مباشر فمن الغريب أن لا يتفاهموا حول ذلك مع الإيرانيين.

لماذا لا نرى خطّا بيانيا لعلاقات القاهرة من طهران؟ بل لماذا لا نرى تنعيما للخطاب المصري حتى على مستوى الجهات المدنية الموالية للحكومة، واستدراكا للعديد من المواقف التي يُمكن أن لا تُشكّل قيمة تُذكر في علاقات مصرية أخرى (غير إيران) حتى مع دول أجنبية حَجَبَت عنها مساعدات في مَواطِنَ كثيرة؟!

لماذا نسمع رئيس لجنة الشئون العربية في مجلس النواب المصري اللواء سعد الجمَّال يقول بأن «هجوم إيران على مصر دولة ورموزا (عبر المظاهرة الرمزيّة!) محاولة مشبوهة لمغازلة الإدارة الأميركية الجديدة لا تصب إلا في خدمة المصالح الإسرائيلية» أو لسان آخر يُشبّه الجيش الإيراني بالـ «الحشرة الضعيفة التي سيدهسها الأميركيون».

لكننا نسمع بأن برلمانيا بوليفيا في أقصى الغرب يتحدّث بأن العلاقة مع إيران تُشكّل «إحدى ملامح التصدي الجديد للهيمنة الأميركية في العالم، كما أنها سوق جيدة تُوفّر للاباز العديد من الفرص الاقتصادية». إن الموضوع يحمل من الغرابة الكثير.

إذا كان المصريون يحملون على إيران بسبب موقفها من كامب ديفيد فعليهم أولا أن يحملوا على عشرين دولة عربية وقفت ضد الاتفاقية. بل إن بعضهم دخل في مناجزة شبه قاسية معها (مباشرة أو بالنيابة) أضعاف ما وقفه الإيرانيون.

بل وفي جوانب مُحدّدة كان على المصريين أن يُراجعوا العديد من سياساتهم السابقة التي تمثّلت باستقبال الشاه محمد رضا بهلوي حيا وميتا، وإقامة مراسم جنازة رسمية له قبل دفنه. في الوقت الذي رفضه حلفاؤه الأميركيون. لكن كلّ ذلك كان يُمكن تخريجه من باب المناكفات التي كانت قائمة، وهو ما تمّ فعلا.

أما الالتفاتة بحدّة إلى تظاهرة هنا وفيلم سينمائي هناك فلا أعتقد أنها قادرة على استيعاب المجال الحقيقي للعلاقات المفترضة بين الدول. فالصعوبات الدبلوماسية تنتج عن خلاف في المصالح وليس من أي شيء آخر.

الجميع يتمنّى أن تتحوّل ظروف المرحلة المقبلة إلى فضاء تُصحّح فيه العلاقات المصرية الإيرانية. فمشكلات الطاقة والأزمة الاقتصادية وظروف الأراضي الفلسطينية المحتلّة لا تفرض على الجميع إلاّ أن تكون هناك علاقات أكثر هدوءا.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2306 - الأحد 28 ديسمبر 2008م الموافق 29 ذي الحجة 1429هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً