العدد 2554 - الأربعاء 02 سبتمبر 2009م الموافق 12 رمضان 1430هـ

قانون المصالح

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

لن نقول أكثر مما قِيْل. أُفْرِجَ عن عبدالباسط محمد المقراحي من سجنه في اسكتلندا. المُبرّرات هي أن طبيبا فَحَصَ المقراحي وقرّر التالي: إن هذا الرجل لن يعيش أكثر من ثلاثة أشهر، بسبب وصول نسبة سرطان البروستاتا إلى درجات متقدّمة في جسمه.

وزير العدل الاسكتلندي كيني ماك اسكيل وبناء على ذلك المُسوّغ الطبّي (الشَّكلي) قرّر الإفراج عن المقراحي وقال إن «القانون الاسكتلندي ينصّ على تطبيق العدالة وكذلك إظهار الرأفة التي تسمح بإطلاق أي سجين يتّضح أنه مُعرّض للوفاة في غضون ثلاثة أشهر».

كلام الوزير الاسكتلندي جيّد ولكنه لا يعكس الحقيقة. فالذي جرى هو أن شركة بي.بي البريطانية النفطية الضخمة قد حصلت على عقد نفطي ضخم بقيمة 900 مليون دولار للتنقيب عن النفط والغاز داخل الأراضي الليبية.

وأن ستة وعشرين اجتماعا قد تمّت بين مسئولين في شركة (شل) البريطانية وكلّ من ولي العهد الأمير تشارلز، ووزير الخارجية البريطاني ديفيد ميليباند، والزعيم الأسبق لحزب العمال اللورد كينوك لترتيب نفوذ الشركة في ليبيا والشمال الإفريقي، بحسب تقرير صحيفة «الجارديان».

كانت تلك هي الأسباب الحقيقية وليس شيئا آخر. فَهِمَ الليبيون كيف يُسيّر الغرب سياساته وحقوقه للإنسان. لا شيء يمنعه من فِعل أي شيء ما دام ذلك الفعل خادما لمصالحه ونفوذه، حتى ولو كان ذلك على حساب مواثيقه الداخلية والدولية.

لقد أحرَج الليبيون بريطانيا وسفّهوا من موقفها عندما شكروا أمير ويلز ورئيس الوزراء البريطاني على جهودهما في إطلاق سراح المقراحي. بل زادوا بأن كلّ المفاوضات التجارية التي كانت تُعقد بين الطرفين كان موضوع المقراحي يُوضع على الطاولة.

وعندما اعترض البريطانيون على الاحتفالات الليبية التي أقيمت لاستقبال المقراحي ردّ الليبيون عليهم بأن الغرب أيضا احتفى بالمُمرضات البلغاريات اللواتي حقنّ 300 طفل ليبي بدم مُلوّث بفيروس الإيدز! ألَيس لليبيين مشاعر أيضا؟!

الغريب في الأمر أن الأميركيين اعترضوا على قرار الإفراج على اعتبار أنهم فقدوا 189 راكبا كانوا ضمن الطائرة المنكوبة! فالخارجية الأميركية اعتبرت إطلاق سراح المقراحي «لا يخدم العدالة» والبيت الأبيض قال «في هذا اليوم نود أن نعرب عن تعاطفنا الشديد مع العائلات التي تعيش يوميا معاناة فقدان أحبائها»!

بطبيعة الحال فإن هذا الموقف الأميركي أكثر من مُستغرَب، لأنه يصدر عن دولة مُتورّطة في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. يصدر عن دولة دخلت 131 حربا ضد دول وشعوب وقتلت ما قتلت من دون أن يُحاسبها أحد، فقط لأن موازين القوى تقف لصالحها.

في الرابع من يوليو/ تموز من العام 1988حطّمت المُدمّرة الأميركية فنسنز طائرة ركّاب إيرانية مدنية من نوع إيرباص رحلة رقم 655 كانت تُحلّق في المجال الدولي بين دبي وبندر عبّاس فقُتِلَ 290 راكبا.

فما الذي فعلته المحاكم الأميركية حيال تلك القضية؟ فرغم أن قبطان المُدمّرة ارتكب كارثة إلاّ أنه مُنِحَ وسام الاستحقاق العسكري وأقيم له احتفال هائل في سان دييغو! وهو الأمر ذاته حصل لجزّار ماي لاي بفيتنام.

من السخافة أن يتحدّث الأميركيون اليوم عن مشاعر للضحايا. كلّ شيء بات مُسيّسا. حتى القضاء والقانون وحقوق الناس. وما جرى لأفراد الجيش الأميركي العاملين في العراق من حصانة، ولقضايا التجسّس الصينية دليل واضح على ذلك.

أَلَم يُصرّح القاضي الذي حَكَمَ على المهندس الأميركي من أصل صيني تشي ماك بأن عقوبة السجن المُغلّظة التي قرّرها بحقّه (وهي 24 عاما) هي لـ «ردع الصين عن أية محاولة لإرسال عملاء سريين إلى الولايات المتحدة لسرقة أسرارها». فعن أيّة عدالة نتحدث؟! وعن أيّ حقوق للإنسان تُصان؟!

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2554 - الأربعاء 02 سبتمبر 2009م الموافق 12 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً