العدد 2558 - الأحد 06 سبتمبر 2009م الموافق 16 رمضان 1430هـ

المنامة... أيقونة الثقافة

في خضم ولجّة الزخم الإعلامي الثقافي عن جزءٍ بعينه من نسيج البحرين - هذا الوطن الذي ننتمي إليه بدون اجتزاء - يحظى بهذا الصخب والدوي الواضح، وليكون الزخم المذكور أكثر إشراقا، أتحدّث عن جزء من الوطن له مكانة وهالة ماثلة، وأعوّل في هذا الحديث على دراستي الجامعية لعلم الإنسان (أو الأنثروبولوجيا) وبالتحديد مكونات الثقافة والأنثروبولوجيا الثقافية.

يعرف المتصفح من أي منطقة في العالم لموقع بوابة الحكومة الإلكترونية أنّ عاصمة البحرين السياسية هي المنامة وأنها تشكل إحدى المحافظات الخمسة في التقسيم الإداري الحالي، وتبلغ مساحتها أكثر قليلا من 31 كم تقريبا ويقطنها أكثر من 281 ألف نسمة 25 في المئة منهم بحرينيون طبقا لمعلومات العام 2007.

وعلى نفس المستوى الرسمي، فإنّ مقر حكومة البحرين - حيث تنعقد أسبوعيا جلساتها - يقع في المنامة.

وفيها المنطقة الدبلوماسية وطبعا تتركز أغلب السفارات والقنصليات فيها، وبها المرفأ المالي والمركز التجاري، وتستقطب هذه المحافظة أغلب وأكبر الفنادق من درجة الـ 7 نجوم وما دونها، وتنتشر فيها العديد من المجمعات التجارية الضخمة ودور السينما، كما تلحظ العين بسرعة ناطحات السحاب حديثة البناء والبنايات القديمة متوارية في أزقتها القديمة.

إنّ السوق القديم العتيد، وباب البحرين المعروف، وسوق الذهب، وبيت القرآن ومتحف البحرين الوطني والنادي البحري معالم بارزة أثرية ومعمارية من الطراز الأول ذات القيمة العالية التي يُقدّرها العارفون بالتراث والثقافة والعمارة والتاريخ.

المنامة... أيقونة ثقافية

أمّا على المستوى الخاص المتميز والسمات التي تنفرد بها المنامة - محل العشق الوطني والانتماء والفخر في ذروته - فهو متنوع بتنوع نسيجها الثقافي.

فأول ما يميزها ويعلي قدرها احتضانها أكبر تنوع وتعدد ثقافي عموما وإثني وديني ومذهبي وأكبر عدد من الجنسيات التي تقطنها وتزورها خصوصا.

وكمثال بارز على هذا التنوع هو محاذاة الكنسية للمأتم والكنسية والمعبد والمسجد في تعايش حضاري وتسامح ملحوظ.

وفي هذه الميزة لا تضاهي المنامة أية منطقة أخرى من شمال الوطن الأقصى عند سماهيج والدير إلى جنوبه حيث رأس الب ر طولا وشرقه في سترة وغربه بمحاذاة المياه الإقليمية عرضا.

وعند المتابعة للسمات المميزة، فإنّ هذه المنطقة أنجبتْ مفاخر للوطن من الشعراء والعلماء والمؤلفين والوجهاء والتجار، بالإضافة إلى المناضلين والرموز المحترمة لدى شريحة كبيرة من المواطنين، والقائمة بأسماء بعض هؤلاء تطول.

إن من أبرز الميزات التي يجدر الشخوص لها، هي أنّ المنامة تشهد سنويا أضخم تظاهرة (دينقافية) - نسبة ونحتا من كلمتي دينية وثقافية - في موسم عاشوراء على امتداد الوطن العربي الكبير، وأنّها تجمع العدد الكبير من الحسينيات والرجالية والنسائية الفاعلة والتي تستقطب الكثير من السيّاح والزوار والباحثين إقليميا ودوليا ومن بلدان بعيدة مثل اليابان، والتي زارت مؤخراَ إحدى الباحثات اليابانيات المنامة منجذبة إلى تظاهرتها الدينقافية سالفة الذكر.


بأثر رجئي

لهجة أهل المنامة المميزة المعروفة وأسماء أحيائها وحواريها وطابع عمارة بيوتها ومبانيها وألقاب عوائلها وامتداداتها وتراثها التي تصيغ هويتها المتمايزة هي بالتدوين والتبيين والتغني جديرة.

تلك أبرز اللفتات لزهو المنامة الذي يعكس عراقتها وحضارتها وعندما يكون حاضرا يكون الوطن مشرقا والمواطن فخورا والانتماء راسخا.

رسالةٌ المرجو أن تصير إلى مشاريع عملية للاحتفاء الإعلامي والثقافي قريبا بهذا الغنى التراثي. ولعل الزمن لا يطول حتى تعود المنامة أيقونة ثقافية تراثية معمارية تاريخية حضارية بأثر رجئي (تعبير مقتبس من كتاب «دريدا بأثر رجئي» من أول سلسلة إصدارات لوزارة الثقافة والإعلام 2009). وختاما، تحيةّ إلى المنامة كل المنامة وطن الأخوال والجدّة، تحية إلى فريق المخارقة محل سكناهم حيث ترعرعت الوالدة وعاشت ردحا من الزمن.

جلال مجيد

أكاديمي في علم الإنسان

العدد 2558 - الأحد 06 سبتمبر 2009م الموافق 16 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً