العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ

رعاية التطرف والجريمة

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تساءلْتُ في حديث سابق عن مُسبّبات موجة التطرف التي بدأت تجتاح أجزاء كُبرى من أوروبا والولايات المتحدة. كان التساؤل مبنيّا على استطلاع لمركز (غالوب) لقياس الرأي العام. فالنتائج بيّنت أن عديدا من دول (غير ديمقراطية) فاقت نظيراتها (الديمقراطية) في ترجيح العمل السلمي على العنف.

بالتأكيد فإن بعض ذلك التطرف الغربي يأتي على شكل موجات قومية موسمية تُنتجها الظروف السياسية وأداء الأنظمة في الاقتصاد والاجتماع. وبعضه مُتجذّر في توجّهات أيديولوجية وتأسيسية لأنظمة ومُكوّنات اجتماعية يتماثلان فيه بشكل تكاملي كما هو الحال بالنسبة إلى الكيان الصهيوني الذي صنّفه المركز ضمن الدول (الديمقراطية)!

لذا فإنني اليوم سأفرِدُ حديثا عن التطرف الصهيوني. فتل أبيب هي عاصمة لكيان غير متجانس من الحُكم. نَاسُهُ شتات ونُتَاف. بعضهم جاء من روسيا وآخرون من إثيوبيا وعُموم الشرق الأوسط، والسواد الأعظم من أوروبا والولايات المتحدة.

إذا فهم في أغلبهم لا يحظون بسحنة الشرق لا النفسية ولا التاريخية فضلا عن الانتماء الهويتي للمنطقة، حتى لو تجذّروا في أرض مغصوبة في بلادنا. هم نُسخة غربية منقولة بشكل صناعي.

ضمن هذا المجتمع (الصهيوني) يُستَولَد التطرف. بل ويُبنَى جيدا وتُراعَى ظروف تطوّره بشكل حثيث. فلا تستقيم السياسة ولا العسكرة دون مُصاحبة لنمو التعالي القومي، ونقاء العِرق وامتزاج كلّ ذلك بالهوية الدينية اليهودية.

ضمن هذه المُفردة حديث مُهم. فهي المدخل (هكذا أدّعي) لفهم الموضوع، ولفهم ما يجري اليوم من الإصرار على يهودية الدولة ومناحي العنصرية وتحقير الآخر (العربي/ المُسلم بالذات) المواكِبَة لهذا الإصرار.

الآن يتمّ الحديث في تل أبيب عن دولة تدّعي بأنها علمانية على الطراز الغربي، لكنها أيضا تطالب بيهودية الدولة ولا تقبل لأغيار الدين أن يُشكّلوا (معها/ معهم) هويّة وطنية! والنتيجة أن مليون ونصف المليون عربي موجودون داخل الخط الأخضر يجب أن يرحلوا!

هنا تجب العودة إلى السؤال المحوري: أيهما أقدم، الدين أم العِرق في تشكيل الهويّة اليهودية؟ في التدقيق سيتبيّن أن الثاني أمضى من الأول، حين جاءت اليهودية تمّ ترسيخها في قوم وقبائل دون غيرها، لتُصبح لاحقا أحد أملاك بني إسرائيل.

قبلها كان الوثنيون يُشكّلون أصنامهم مع تبعيّة وخصوصية تلك المعبودات لوجهائهم وكبرائهم. تعدّدت الآلهة مع تعدد عِلية القوم. كان هذا الاختصاص والتصنيم مدعاة لفهم حقيقة سطوة العِرق على الدين داخل الكيان الصهيوني.

يُشكّل اليهود اليهود الفلاشة 18.5 في المئة من سُكّان الكيان الصهيوني لكنهم غير متساوين مع يهود العِرق الأزرق. ويهود الشرق يُسمّون بالسفارديم لكي يتمّ تمييزهم عن الإشكنياز رغم أن الجميع هم يهوديو الديانة، لكن فيصل الأعراق لازال هو الأقوى حتى من الدين نفسه.

لم يمنع تخصيص الكيان الصهيوني 8.2 من إجمالي عائده للتعليم (أعلى دولة في العالم) في محو تلك النظرة العنصرية للآخر، لسبب واحد وبسيط وهو التعليم أصلا مُكرّس لتعزيز التمييز العنصري الشوفيني في النظام التعليمي داخل الكيان الصهيوني.

حتى مُقرّرات التاريخ والجغرافيا والعلوم الاجتماعية يتم تسخيرها وتجييرها لصالح الفوقية اليهودية تجاه الآخر، ولاحقا ممارسة التطرف ضدّه. بطبيعة الحال ليست هذه وليدة سياسات ما بعد قيام الكيان الصهيوني بقدر ما هي إحدى مقرّرات مُؤكّدة لمؤتمر بال بسويسرا العام 1897م.

المُتتبّع للسياسة الصهيونية سيرى أنها واعية لهذا الأمر بشكل لافت. وهي تسعى إلى سدّ أي ثغرة قد تخرق المنتظم التاريخي لهذا التطرف الصهيوني تجاه الآخر. فالتطرف مطلوب لإنتاج تفسيرات تاريخية تتّصل بنقاء العرق وأيضا لإنتاج سياج أمني عنيف ضد التهديدات الخارجية.

عندما حدثت مجزرة صبرا وشاتيلا في سبتمبر/ أيلول من العام 1982 وقُتِلَ أكثر من 1000 فلسطيني ولبناني بدم بارد في منطقة كان الجيش الصهيوني يسيطر عليها اهتزّ الرأي العام في تل أبيب وتظاهر أكثر من 400 ألف صهيوني ضد المجزرة مُطالبين الحكومة بتشكيل لجنة تحقيق.

بعد هذه الحادثة دشّن الشاباك أكبر عملية «صياغة مُجتمعيّة» في داخل الكيان لإبعاد سُكّان تل أبيب عن أيّ شعور بالتعاطف تجاه قضايا أمنيّة وعسكرية تجري ضد العرب، حتى مع تورّط الجيش الصهيوني فيها. وقد نجحوا في ذلك.

خلال شهري مارس/ آذار وأبريل/ نيسان من العام 2002م ارتكب الجيش الصهيوني مذابح فظيعة في عملية السور الواقي داخل مدن الضفة الغربية وبالتحديد في مخيم جنين لكن ردود الأفعال الصهيونية لم تتجاوز مُنظّمات وآحادا كانت لها وجهة نظر أخرى. وهو الأمر ذاته الذي جرى خلال حرب غزّة الأخيرة التي قُتِلَ فيها أكثر من 1400 فلسطيني.

خلاصة القول، إن ملامح التطرف في بلدان عديدة قد تُواجَه إذا ما جاءت على شكل زخّات طارئة، لكنها وفي حال وردوها على هيئة تشكيل مُمنهج فهذا يعني أنها نمط هابط من التفكير، وعدوانية مفضوحة يُمارسها البعض ضد الإنسانية.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2563 - الجمعة 11 سبتمبر 2009م الموافق 21 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً