العدد 2308 - الثلثاء 30 ديسمبر 2008م الموافق 02 محرم 1430هـ

دروس من العدوان الإسرائيلي المستمر على غزة

علي الشريفي Ali.Alsherify [at] alwasatnews.com

-

مع بداية العدوان الإسرائيلي على غزة استخدم عدد من قادة وممثلي حركة حماس مصطلح «المحرقة» عبر وسائل الإعلام للتعبير عن عمليات القصف الجوي على القطاع. وعلى رغم أهمية وقوة تأثير هكذا مصطلح على المجتمع الغربي، إلا أن المسئولين الفلسطينيين نسوا لاحقا هذا المصطلح في خضم التصعيد الإسرائيلي المستمر.

في الإعلام يقال إن إطلاق مصطلحٍ ما على حدث مهم يمثل عند المتلقي صدمة التسمية أو الصدمة الأولى التي يمكن أن تَعْلَقَ بالأذهان وتستمر إلى فترات طويلة، وأن وسائل الإعلام الغربية طالما لعبت على وتر هذه المصطلحات التي غالبا ما يتحول الإعلاميون العرب فيها إلى متلقين، بدلا من أن يكونوا مرسلين.

نماذج مصطلح الصدمة الأولى التي فشل الإعلام العربي في تسويقها كثيرة، وخصوصا في الجانب الفلسطيني الذي يُعَدُّ خط التماس المباشر بين حضارتين شرقية وغربية. ومن بين أهم هذه المصطلحات «جدار العزل» الذي بنته «إسرائيل» لعزل الفلسطينيين عن الإسرائيليين والتي حوّلته الآلة الإعلامية العربية إلى مصطلح «الجدار العازل» ومن ثم «جدار الفصل»، لتُضاف له بعد حين كلمة العنصري، وبذلك فَقَدَ المصطلح مع هذه التغييرات الثلاثة أو أكثر تأثيره على المتلقي العربي قبل الغربي.

في محاولة لمعرفة مدى ضعف استخدام أكثر من مصطلح لتسمية هذا الجدار، حاولتُ أن أجد من خلال موقع البحث «غوغل» عن مدى وحدة استخدام المصطلح في الصفحات العربية، حيث تَبيَّنَ من خلال البحث أن هناك نحو 149 ألف نتيجة لمصطلح «الجدار العازل»، و114 ألف نتيجة لمصطلح الجدار الفاصل، و132 ألف نتيجة لمصطلح «جدار الفصل العنصري».

أمام هذا التشتت العربي في استخدام المصطلح كان الإعلام الإسرائيلي، وبدعم من الإعلام الغربي طبعا أنجح بكثير، حيث وحَّدَ مصطلحه في التعبير عن هذا الجدار باسم «Israel wall» (جدار إسرائيل)، ومن ثم اختزاله عند «إسرائيل» إلى «الجدار» وهي كلمة كافية لتسفيه قضية كبيرة مثل قضية جدار العزل.

الاعتراف بفشل الإعلام العربي في مجابهة الإعلام الغربي في الصراع مع «إسرائيل» فضيلة. فالعرب لا يحسنون لغة التخاطب مع الغرب، ولذلك سنظل نحن خاسرين مادمنا لا نعرف لغة الغرب ولا نعرف أيضا الأسلوب الأمثل لإقناعهم بوجهة نظرنا.

إنها لعبة مصطلحات ونحن العرب لا نحسن التعامل معها في ظل الكم الهائل من قنوات الاتصال الحالية وفي ظل قصور مسئولينا في التخاطب وقوة الحجة وضعف المعرفة أمام سياسيين غير عرب تضطرهم ظروف الوصول إلى سدة المسئولية المرور بمراحل طويلة من تطوير الذات تمر عبر مهارات وتدريب متواصل من إتقان فن التخاطب مع المؤيدين والخصوم واكتساب الكاريزما السياسية وهو ما يفتقر له معظم الساسة العرب.

فإعلامنا لا يمكنه وسط المحددات العديدة والخطوط الحمراء العريضة الموضوعة أمامه أن يواجه إعلاما حرّا متحررا من معظم القيود.

نعود إلى الفشل في استخدام مصطلح كان يمكن أن يكون مؤثرا عند المتلقين مهما اختلفت جنسياتهم، والاستفادة من الإعلام الإسرائيلي الذي بنى مجد دولته العبرية عبر قضية المحرقة.

لم يمر أكثر من يوم واحد على استخدام مصطلح المحرقة على ما جرى من عدوان على غزة حتى تنوعت المصطلحات لتعود إلى كلمات لا تثير الرأي العام الغربي مثل مجزرة غزة والعدوان الإسرائيلي والجرائم الصهيونية وغيرها من التسميات التي لا أعتقد أن لها تأثيرا كبيرا في الرأي العام الغربي، ومثله المتلقي العربي بعد أن تحولت هذه التعابير إلى مصطلحات مجانية تطلق على أبسط العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين.

الحصاد الإسرائيلي

بثّت إذاعة الجيش الإسرائيلي أمس الأول خبرا استفزازيا يقول إن نسبة القتلى الفلسطينيين من المدنيين في الغارات الإسرائيلية على غزة لا تتعدى الـ 3 في المئة، وهي نسبة لو صَحَّتْ تُعَدُّ مناسبة في ظل قصف جوي لأهداف عسكرية وسط منشآت مدنية كما هو حاصل في قطاع غزة. لكن الحقيقة كانت شيئا آخر، حيث أعلنت وكالة دولية هي الأونروا (وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى) وتأسست في أعقاب الصراع العربي الإسرائيلي العام 1948، إن عدد القتلى المدنيين في الغارات الإسرائيلية حتى مساء أمس الأول (الاثنين) هم 66 مدنيا من أصل 325 قتيلا فلسطينيا أي بمعدل لا يقل عن 20 في المئة إذا اعتبرنا أن القتلى الباقين هم عسكريون على رغم وجود شك في ذلك باعتبار أن الثمانين في المئة الآخرين هم من قوات الشرطة المتواجدين في مراكز عملهم والتي تعد في كل مكان قوات غير قتالية وفي بعض الدول مدنيين أكثر من كونهم عسكريين.

نسبة العشرين في المئة من القتلى هم المدنيون التي كشفتها الأونروا لا يمكن أن نعتبرها جديدة في الصراع العربي الإسرائيلي، حيث أشارت إحصائية إسرائيلية أعدتها مجموعة «بتسلم» (مركز المعلومات الإسرائيلي لحقوق الإنسان في الأراضي المحتلة)، ونشرتها صحيفة عربية صادرة في لندن، انه «بين بدء الانتفاضة الفلسطينية الثانية في 20 سبتمبر/ أيلول 2000، وحتى 30 نوفمبر/ تشرين الثاني 2007 قتل 4376 فلسطينيا، بينهم 866 قاصرا، أي دون الخامسة عشرة. وارتفع الرقم حتى 30 نوفمبر 2008 إلى 4897 فلسطينيا، بينهم 955 قاصرا، فتكون السنة حتى نهاية الشهر الماضي شهدت مقتل 521 فلسطينيا آخر، بينهم 89 قاصرا» (انتهى تقرير بتسلم).

وبقراءة نتائج هذه الإحصائية يظهر أن أكثر من 20 في المئة من القتلى الفلسطينيين هم ليسوا فقط مدنيين بل من القاصرين.

وأعتقد أن حقيقة أن نسبة العشرين في المئة من القتلى بالعمليات الإسرائيلية هم في الأصل من المدنيين لا تحتاج إلى تعليق أوسع، وخصوصا أن معظم هؤلاء المدنيين هم من الأطفال والقاصرين بحسب منظمة إسرائيلية.

تركيا هي الحل

منذ بدء العدوان الإسرائيلي على غزة وقفت تركيا من خلال تصريحات رئيسي جمهوريتها ووزرائها والمسئولين فيها موقفا مناهضا صلبا من «إسرائيل» تجاوز مواقف الكثير من الدول العربية، حيث أعلنت هذه الدولة رفضها صراحة للعمليات العسكرية ضد قطاع غزة ووصفت الفعل الإسرائيلي بأنه جريمة حرب، كما أن الرئيس التركي عبدالله غول قرر مساء أمس تعليق زيارته التي كانت مقررة إلى «إسرائيل» مطلع الشهر المقبل وتجميد اتصالاته مع هذه الدولة، احتجاجا على «عدوانها على سكان قطاع غزة وارتكابها المذابح في فلسطين المحتلة» كما جاء في نص بيان رئاسي. ولم تحاول دولة كبيرة مثل تركيا لها مصالح عميقة مع الاتحاد الأوروبي وأميركا وترتبط بعلاقات ثنائية وبروابط اقتصادية وعسكرية وسياسية مع «إسرائيل» اللعب بألفاظ تحميل حركة حماس أية مسئولية كما فعل العديد من المسئولين في العالم ومنهم العرب.

تركيا صارت منذ العدوان الإسرائيلي وحتى الآن كعبة العديد من الدول العربية المؤثرة «المعتدلون» منهم و «المتشددون» لإيجاد الحل الفلسطيني - العربي، والعربي - الإسرائيلي عند أنقرة. وصارت هذه العاصمة غير العربية مركز تلاقي الأفكار والحلول العربية الكبيرة.

مرة أخرى تؤكد الأحداث أن الاختلاف والخصام الخفي بين الأنظمة العربية وحالة التجافي القائمة بينهم والخوف غير المبرر من «إسرائيل» وتحاشي إغضاب أميركا جعل من تركيا (وهي تستحق ذلك) لأن تكون منقذا لدول عربية كانت كبيرة في الماضي، لكنها متصاغرة، بدلا من أن تتعملق وسط محيطها مثل تركيا

إقرأ أيضا لـ "علي الشريفي"

العدد 2308 - الثلثاء 30 ديسمبر 2008م الموافق 02 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً