العدد 2570 - الجمعة 18 سبتمبر 2009م الموافق 28 رمضان 1430هـ

«هدوء نسبي» يتفرد في رمضان 2009 بقصته و «توليفته»

يختلف رد فعل المشاهدين، وخصوصا في العراق، على مسلسل «هدوء نسبي»، الذي يتفرد هذا العام بقصته و «توليفته» عن بقية المسلسلات التي تعرض، وإن كان العراق يظهر في أكثر من عمل هذا العام، وتحتل السياسة حيزا لا بأس به في المسلسلات، إضافة إلى أن كثير من الأعمال تشهد مشاركة عربية من مختلف الدول العربية، لكن مسلسل «هدوء نسبي» يعتبر الأبرز على صعيد الممثلين والفنانين، حيث بلغت عدد شخصيات العمل حوالي 273 شخصية ما بين شخصيات رئيسية وثانوية.

وتنوعت شخصيات هؤلاء الفنانين ما بين عدة جنسيات عربية وأجنبية، وهم من سورية ومصر ولبنان والخليج العربي وتونس والأردن وإيران وأميركا وفرنسا وفلسطين والعراق، وتم تصوير العمل في أكثر من 200 موقع بين سورية ومصر، إلا أن عددا كبيرا من مشاهد العمل تم تصويرها في مدينة تدمر السورية الأثرية، وذلك للتشابه الكبير بينها وبين المناخ العراقي.

موازنة العمل وصلت إلى 4 ملايين دولار أميركي، وهذه المبالغ صرفت على تأمين مستلزمات العمل ليظهر بأدق صورة وأقرب شكل إلى الواقع، ولاسيما أن الحرب العراقية قريبة من الذاكرة العربية، وقد تابعها العالم من خلال البث المباشر للقنوات الإخبارية. وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد صممت خصيصا للعمل دبابات لتكون نسخة طبق الأصل عن المركبات الأميركية التي استخدمت في الحرب، إضافة إلى استخدام عدد كبير من السيارات والقوارب التي تم حرقها وتدميرها، مما أدى الى ارتفاع الكلفة الإنتاجية، فكما هو معلوم أن تنفيذ مشاهد كهذه يحتاج إلى مبالغ كبيرة وخبراء تفجير ووقت طويل في التصوير، ويمكن أن يطول تصوير مشهد واحد فقط إلى أكثر من 24 ساعة.

الفنان عابد فهد الذي أدى شخصية «ناجي» وهي الشخصية الرئيسية في العمل، وصف المسلسل بأنه دقيق، مرجعا السبب إلى كاتب العمل خالد خليفة الذي حرص على التعامل مع كل جزئية بحرفية عالية.

وقال عابد: «قبل هذا العمل كنت قد وافقت على عدة نصوص لأختار منها ما سأصوره ولكن ما أن وصلني مسلسل هدوء نسبي أدركت أنه سيكون عملا مختلفا ومتميزا، وأحببت اختلاف الشخصيات عن غيرها من الشخصيات، حيث لم يسبق لي أن أديت شخصية مراسل صحافي من جهة، وشخصية بهذه التركيبة المعقدة من جهة أخرى، لهذا اعتذرت عن كل الأعمال الأخرى وتفرغت لهذا العمل».

ويستطرد عابد في وصف الشخصية: «ناجي يتعامل مع ما يحيط به بشكل مختلف، فهو بلحظة لا يهتم للموت الذي يقف على مسافة قريبة منه، وفي مكان آخر هو العاشق الولهان الذي يمكنه أن يتحول بتصرفاته إلى ما يشبه المراهقين، وفي وضع ثالث هو الابن الذي يحن لسماع صوت والده عبر الخطوط الهاتفية الصعبة التي يصل عبرها الصوت متقطعا وضعيفا».

وعن عناصر نجاح العمل يقول عابد: «أولا الموضوع لأنه شديد الحساسية والدقة، وهو يهم مختلف شرائح المجتمع التي تابعت الحرب بكل تفاصيلها. وثانيا المخرج شوقي الماجري المعروف بتميزه وبأسلوبه الجذاب، وطبعا هي ليست المرة الأولى التي أتعاون فيها مع شوقي الماجري، ولكنني أشعر بأن شوقي أعطى بشكل مختلف في هذا العمل، لأنه هو من أحب وأراد أن يخوض في تفاصيل الحرب العراقية، ومازلت أذكر حتى اللحظة الحماس الشديد الذي كان يبديه منذ اللحظة الأولى لهذا العمل، والحمد لله أن النتيجة أتت كما أرادها وكما أردناها جميعا».

وعن أجواء العمل قال عابد: «العمل كان متعبا للغاية، لأننا عملنا في ظروف قاسية جدا، ففي بعض الأيام كنا نصور تحت درجة حرارة عالية، كما كانت هناك خطورة شديدة في تنفيذ مشاهد الحرب التي تتطلب مجهودا جسديا كبيرا وحرفية عالية، وطبعا فإن المخرج شوقي الماجري الذي يقدم أقرب صورة ممكنة من الواقع لم يكن مستعدا للتساهل في هذا الجانب المهم والحيوي من العمل، ولاسيما أنه لم يسبقنا أحد لمعالجة هذه القضية المهمة، وهي قضية سقوط مدينة عربية بيد الاحتلال. والسبب الآخر برأيي، الحرص الشديد الذي أبديناه جميعا في تصوير هذا العمل، فالمشاهد العربي الذي سيتابعنا هو نفسه المشاهد العربي المدمن على نشرات الأخبار، ومن حق هذا المشاهد أن يعرف كل التفاصيل سواء عبر الأخبار أو عبر الأعمال الدرامية، كما أنه من حق الصحافة أن نسلط الضوء عليها وهي التي تعرض نفسها والعاملين في هذا المجال للخطر بسبب مهنة المتاعب هذه».

وعن وجهة النظر التي يتبناها هذا العمل أجاب عابد: «بداية أود أن أؤكد مرة جديدة أن هذا المشروع هو من الأعمال الصعبة جدا، واختياره جاء للبرهان على أننا جزء مما يجري حولنا، وأننا نعيش في ظل الحصار ذاته ونبحث عن الحرية ذاتها، لأننا شعب عربي واحد، لذلك فإن هذا العمل لا يحمل جنسية معينة ولا هوية محددة. أما بالنسبة إلى وجهات النظر فإن مسلسل هدوء نسبي يعرض وجهات النظر جميعها، ويؤكد أن الحرب لا تأتي بقرار من تصب عليهم النيران».

واستذكر عابد العديد من المواقف الصعبة التي مر بها وزملاؤه أثناء تصوير هذا العمل، ولكنه توقف عند أولئك المجازفين الذين تعرضوا لحروق في تصوير مشاهد إحراق الدبابات، وعند حادثة نيللي كريم التي جرحت اصبعها أثناء تأدية مشهد اعتقالها، أما عنه شخصيا فحمد الله أنه لم يصب بمكروه إلا أنه عانى من الإرهاق بسبب ظروف التصوير العامة والصعبة في بعض الأحيان.

منتج العمل هلال أرناؤوط تحدث عن «هدوء نسبي» بكثير من الحماس، وقال إنه كالطالب المجتهد الذي يعرف نتيجة الامتحان مسبقا، واصفا المسلسل بأنه أكثر من رائع من حيث النص والإخراج والممثلين والتنفيذ، وبالتالي من حيث الإنتاج، لأنه لم يبخل على العمل بأي شيء من شأنه أن يرفع من سويته، لذلك فإن هذا المسلسل دخل سباق الأعمال الرمضانية بقوة، واستحق المكانة العالية التي وصل إليها عند المشاهد العربي خلال الأيام الأولى من عرض العمل.

ووصف هلال أرناؤوط مسلسل «هدوء نسبي» بأنه عمل موجه إلى جميع شرائح المجتمع العربي على اختلافاتها العمرية والثقافية والجغرافية، لأن قضية العراق تهم جميع العرب إن لم نقل إنها تهم كل العالم.

وحول الإمكانات المستخدمة في العمل، قال هلال أرناؤوط: «لقد تم تصوير العمل بتقنيات عالية جدا وهي تعد من أفضل التقنيات الموجودة في العالم، بالإضافة إلى الاعتماد على فريق تقني كبير من مختلف أنحاء العالم متخصصين في مجال تقنية الصورة، والأهم من كل ذلك أننا قمنا بتنفيذ العديد من المشاهد بدقة عالية لدرجة أن من يشاهدها أثناء التنفيذ قد لا يصدق أنه مجرد تصوير، بل إنه سيعتقد أنها حرب حقيقية».

وعن كلفة العمل، أوضح هلال أرناؤوط أن الكلفة الإجمالية للعمل وصلت إلى 4 ملايين دولار أميركي، وقال إن هذه الكلفة لعمل ضخم كهذا، فالشخصيات كثيرة ومتنوعة وأماكن التصوير عديدة وجرت في مصر وسورية، كما أن المشاهد الكبيرة إنتاجيا كانت كثيرة.

وعن المخرج قال: «أنا أراهن على شوقي الماجري وتركت له الحرية التامة في اختيار ما يلزم لاتمام العمل، ومن واجبي أن أوفر له كل متطلباته كي يستطيع أن يبدع هذه الملحمة الضخمة، والحمد لله أن العمل انتهى وبدأ بحصد الإعجاب والنجاح، وأنا فخور حقيقة بالنتيجة التي حصدناها، وأعتقد أن كل من ساهم في هذا العمل تكونت عنده مشاعر الفخر ذاتها بعد رؤيته للنتيجة».

المخرج العربي التونسي شوقي الماجري صاحب الإنجازات العديدة والكبيرة في الدراما العربية وقع اسمه بحروف من ذهب على هذا العمل الكبير، وهو يقول عنه بأنه مشروعه الخاص وهمه الذي ينقله إلى الناس، مؤكدا أن الفنان يجب أن يقتنع بداية بالمشروع كي يستطيع أن يقنع الآخرين به، وقال: «العراق عاش مرحلة مأسوية نتذكرها جميعا من خلال نشرات الأخبار، وأنا أحببت أن أترك من خلال هذا العمل بصمتي الخاصة ومشاركتي الشخصية في هذه القضية التي هزت مشاعرنا لأيام طويلة وليال قاسية، لذلك اخترت هذا الموضوع وبهذا التوقيت تحديدا».

وأردف الماجري بالقول: «لكنني أود أن يتعامل المشاهد العربي مع العمل كحالة قائمة ومنفصلة، لأنه مسلسل درامي وليس عملا توثيقيا. أنا اهتممت أكثر بالجانب الإنساني وأعتقد أن هذه المغامرة ستحسب لي، كما أنني أدركت ومنذ اللحظة الأولى حساسية الموقف إن لم أقل خطورته، كونها قضية وطنية وقومية، لذلك تعاملت مع كل الأحداث بدقة شديدة، وتناولت كل التفاصيل بحذر شديد كي لا أقع في مطب الانحياز أو التعبير لمصلحة جهة ضد جهة أخرى».

ووصف الماجري ما فعله في هذه الملحمة الدرامية: «بداية قمت بإعادة صوغ أحداث حرب العراق كما حدثت بالضبط، وهذه ليست بعملية سهلة أو بسيطة وإنما استلزمت مني ومن فريق العمل وقتا طويلا في التحضير والإعداد وحتى اختيار الشخصيات، وحرصت أثناء التصوير ألا أبدو هزيلا مقارنة مع ما حدث حقيقة على أرض الواقع، وألا أبدو أكثر قسوة وبشاعة من الواقع، لذلك كان علي عدم الاعتماد فقط على ما حفظته ذاكرتي، وإنما أعدت مشاهدة الكثير من المواقف التي حصلت قبل الحرب وأثنائها، وأعدت مشاهدة الكثير من التقارير التي نقلت عن هذه الحرب على مختلف القنوات الإخبارية العربية والعالمية».

وعن الرسائل التي تضمنها هذا العمل قال الماجري إنه لا يقدم أية رسالة لأي زعيم عربي من خلال مسلسله «هدوء نسبي» وإنما أراد فقط من خلال هذا العمل أن يعكس الواقع الذي عاشه الشعب العراقي والإعلاميون العرب وحتى الأجانب في بعض الأحيان أثناء هذه الحرب، مؤكدا في الوقت نفسه أن العمل لا يرصد أي مراسل حربي حقيقي، وإنما هي قصة خيالية تخيلها الكاتب أن تكون قد حدثت بهذا الشكل ضمن معطيات الحرب التي تشكل الخلفية الحقيقة للعمل.

وعن توقعاته للعمل قال الماجري: «العمل بدأ منذ الأيام الأولى لعرضه يحصد النجاح الجماهيري، ولكن مخاوفي تكمن في تجريم العمل بعد عرضه خلال الشهر الكريم، ولكن ما يعزيني أن العالم، وخاصة العالم الغربي، سيدرك حقيقة ما حدث في العراق، فإن كانت هذه المشاهد المصورة بدقة شديدة وعناية فائقة تجرح المشاعر والأحاسيس، فما بالهم بما حصل حقيقة على أرض الواقع وليس تمثيلا؟! أعتقد أن العمل لن يمر مرور الكرام، ولكنني مستعد لكل الاحتمالات».

أما عن موازنة العمل الضخمة فقال الماجري: «لا يمكننا بشكل من الأشكال تقليل الكلفة الإنتاجية على حساب رسالة العمل، وهذا العمل كان لابد أن يظهر بصورة جيدة، لأنه عمل ينتمي إلى المدرسة الواقعية، وليس عملا خياليا يمكننا التلاعب فيه بحسب الإمكانات، ثم إن ما زاد حقيقة في ارتفاع الكلفة وجود فرق متخصصة ولاسيما لمشاهد الحرب التي كانت أقرب إلى الواقع».

أما كاتب النص خالد خليفة فقال إن مسلسل»هدوء نسبي» يتناول نماذج عديدة من الصحافيين العرب الذين قدموا جهودا جبارة وأثمانا باهظة جدا وصلت إلى درجة التضحية بحياتهم في سبيل الحقيقة.

ويضيف أن الجانب الروائي في هذا العمل سينال حظا أوفر، مشيرا إلى أهمية فريق العمل الواعي لمرحلته التاريخية الذي سيقدم معه شهادة تحاول أن تكون موضوعية قدر الإمكان، متمنيا أن يعيد من خلال هذا الـ «هدوء النسبي» الإحساس نفسه الذي كان يعيشه خلال حرب العراق.

وأخيرا، أشار مدير الانتاج صلاح طعمة إلى جانب مهم من العمل، وهو الجانب الفكري، حيث قال: «سعينا قدر الإمكان ألا نقع في فخ الشعارات، وحاولنا أن نكون حياديين بحيث لا نتحول إلى صحافيين أو سياسيين، بل أن نحافظ على كون هذا العمل اقتراحا جماليا نسعى ما استطعنا إيصاله إلى الناس، وإن فشلنا فإن جميع مواقفنا الأخرى ستكون بالدرجة الثانية»، ولكنه توقع من قبل أن يستطيع هذا العمل أن يعبر حواجز الرقابة من دون أن يتم إيقافه.

مسلسل «هدوء نسبي» يعرض على قناة «روتانا» خليجية عند الساعة 1:00 صباحا.

العدد 2570 - الجمعة 18 سبتمبر 2009م الموافق 28 رمضان 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً