العدد 2573 - الثلثاء 22 سبتمبر 2009م الموافق 03 شوال 1430هـ

تحليل: مزارع شبعا مفتاح الدبلوماسية المائية للمشرق العربي

لطالما غطت سياسة مزارع شبعا المحتلة، هذه السلسلة الوعرة من الجبال الممتدة بين لبنان وسورية و «إسرائيل»، والمحتلة من طرف هذه الأخيرة، على ما يُطلق عليه بعض خبراء البيئة اللبنانيين «القضية الحقيقية» للمنطقة المتنازع عليها والمتمثلة في قضية الموارد المائية.

ويدعو النشطاء الآن إلى إعطاء الدبلوماسية المائية الأولوية على المناورة السياسية باعتبارها أكثر الحلول فاعلية لواحدة من العقبات الرئيسية للسلام في الشرق الأوسط.

فقد أشار تقرير صادر في شهر يونيو/ حزيران عن المعهد الدولي للتنمية المستدامة، بتمويل من وزارة الخارجية الدنماركية، تحت عنوان «ارتفاع درجات الحرارة وزيادة التوترات»، إلى أن المياه تشكل أحد الأسباب الرئيسية للنزاع في الشرق الأوسط الذي يعتبر أكثر مناطق العالم ندرة في المياه.

وتقول كل من سورية ولبنان، إن مزارع شبعا التي لا تزيد مساحتها على 22 كيلومترا مربعا هي أراض لبنانية على رغم أن الأمم المتحدة قضت بكونها جزءا من مرتفعات الجولان السورية التي تقع على الجانب الشرقي من المزارع عبر جبل الشيخ الغني بالمياه.

وكانت «إسرائيل» قد قامت باحتلال كل من مرتفعات الجولان ومزارع شبعا خلال حرب 1967 التي استمرت لستة أيام. وتقول «إسرائيل» إنها لن تنسحب من شبعا إلا بموجب اتفاق سلام مع سورية والانسحاب من الجولان.

ولكن المدير العام للموارد المائية والكهربائية في وزارة الطاقة والمياه اللبنانية، فادي قمير، يقول إن احتلال «إسرائيل» لمزارع شبعا ناتج عما هو أكثر من مجرد المخاوف الاستراتيجية العسكرية، موضحا أن «احتلال إسرائيل لمزارع شبعا مرتبط بمسألة السيطرة على الموارد المائية بها».

ويضع حزب الله، الجماعة اللبنانية المسلحة التي حاربت «إسرائيل» حتى النهاية العام 2006، تحرير شبعا كواحد من أهدافه الاستراتيجية.


ندرة المياه

شكلت تلبية الاحتياجات المائية للسكان المتزايدين بشكل سريع تحديا وجوديا لحكومات منطقة الشرق الأوسط القاحلة. وهو التحدي الذي أصبح أكثر إلحاحا وحدة الآن في ظل التغيرات المناخية التي تشهدها المنطقة.

وتصنف كل من «إسرائيل» والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة دون الحد الأدنى المقبول دوليا للمياه والمتمثل في ألف متر مكعب للفرد سنويا. وطبقا لما ذكره المعهد الدولي للتنمية المستدامة، فإن «إسرائيل» تملك موارد مائية طبيعية متجددة تبلغ 265 مترا مكعبا من المياه للفرد سنويا مقابل 169 مترا مكعبا بالنسبة إلى الفرد في الأردن و90 مترا مكعبا فقط بالنسبة إلى الفرد في الأراضي الفلسطينية المحتلة. ويقتصر وجود الفائض في المياه على لبنان وسورية فقط بمعدل 1220 مترا مكعبا من المياه للفرد سنويا في لبنان و1541 مترا مكعبا من المياه للفرد سنويا في سورية.

ومع ذلك فإن حصة الفرد من المياه تتناقص بصورة سريعة، حيث حذر وزير البيئة الإسرائيلي من انخفاض الإمداد بالمياه بنسبة 60 في المئة بحلول العام 2100 مقارنة بما كان عليه العام 2000.


نهر الأردن

ويذهب تقرير المعهد الدولي للتنمية المستديمة إلى ما هو أبعد من ذلك، محذرا من احتمال تقلص مياه نهر الأردن، الذي يعد المورد الرئيسي للمياه بالنسبة إلى «إسرائيل» والأردن والأراضي الفلسطينية المحتلة، بنسبة 80 في المئة بنهاية هذا القرن.

وتجعل تلك الندرة الشديد في المياه عملية تأمين إمدادات المياه أمرا حيويا. ويبدأ نهر الأردن في جبل الشيخ وتغذيه روافد في مرتفعات الجولان ومزارع شبعا ويصب في بحر الجليل المعروف أيضا باسم بحيرة طبرية قبل أن يستمر جنوبا حيث يشكل الحدود بين الأردن في الشرق والضفة الغربية ثم يصب في البحر الميت بعد مسافة 320 كيلومترا.

وتشمل الروافد الرئيسية لنهر الأردن نهر الحاصباني الذي ينبع من لبنان ويصب في الأراضي المحتلة، ونهر بانياس الذي ينبع من سورية. ويعتبر نهر دان الذي يُغذي نهر الأردن النهر الوحيد الذي ينبع من الأراضي المحتلة. يعكس غياب دبلوماسية المياه طبيعة الصراع في المنطقة. ففي العام 1965 بدأت سورية ولبنان في بناء قنوات لتحويل نهر بانياس والحاصباني ومنع المياه من التدفق إلى الأراضي المحتلة. وقامت «إسرائيل» بمهاجمة أعمال التحويل وهو الهجوم الأول في سلسلة من التحركات أدت إلى اندلاع حرب إقليمية بعد عامين من هذا التاريخ.

وفي العام 2002 عندما قام لبنان ببناء خط أنابيب على نهر الوزاني من أجل إمداد المنازل في جنوب لبنان بالمياه، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي ارييل شارون أن هذا الإجراء يشكل مبررا لعمل حربي. وخلال حرب يوليو/ تموز 2006 قامت الطائرات الحربية الإسرائيلية باستهداف شبكة المياه في جنوب لبنان.

ويقول خبير المياه في وزارة الطاقة والمياه اللبنانية، بسام جابر، إن مزارع شبعا مصدر حيوي بالنسبة إلى احتياجات «إسرائيل» المائية «وخصوصا أن توافر المياه العذبة يشكل أمرا ملحا في ظل اتسام جميع المصادر المائية داخل إسرائيل بالملوحة وندرة تدفقات المياه التي تأتي من شبعا في تنظيم ملوحة بحيرة طبرية». ولا توفر مزارع شبعا لـ «إسرائيل» المياه السطحية المباشرة فقط، حيث أفاد قومير من وزارة الطاقة والمياه اللبنانية، أن ما بين 30 و40 في المئة من مياه نهر دان تدفق إليه من خلال إمدادات المياه الجوفية التي تنبع من شبعا. وأضاف أن «إسرائيل تشعر بالقلق حيال سيطرة لبنان على تدفق نهر دان إذا ما تمكن من السيطرة على شبعا».


دبلوماسية المياه

ويدعو لبنان، باعتباره واحدا من ثماني دول فقط صدقت على معاهدة الأمم المتحدة لقانون الاستخدامات غير الملاحية للمجاري المائية الدولية العام 1997، «إسرائيل» إلى التصديق بدورها على هذه المعاهدة. ويشير قومير إلى أن «إسرائيل ليست من الدول الموقعة على المعاهدات ذات الصلة بالمياه وهو ما يعد مشكلة كبيرة نظرا إلى أن تلك المعاهدات في صميم مسألة الاستخدام المنصف والمعقول لتقاسم المياه».

وقد أظهرت «إسرائيل» بالفعل أن المياه يمكن أن تلعب دورا في حفظ السلام، حيث شملت اتفاقية السلام التي وقعتها مع الأردن العام 1994 التزام الدولة العبرية بنقل 75 مليون متر مكعب من المياه سنويا إلى الأردن مقابل تأمين الحدود من جهة الشرق.

وتدعو وزارة الطاقة والمياه اللبنانية الآن إلى تشكيل هيئة إقليمية لحوض مياه نهر الأردن تضم لبنان وسورية والأردن و «إسرائيل» والأراضي الفلسطينية المحتلة. ويتساءل قومير عن كيفية «التوصل إلى أي اتفاقيات بشأن التقاسم المعقول للمجاري المائية الدولية في ظل انعدام التعاون اللازم».

العدد 2573 - الثلثاء 22 سبتمبر 2009م الموافق 03 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً