العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ

ترجمة قرارات المؤتمر التوحيدي والعودة إلى العمل التنظيمي السري

مذكرات عبدالرحمن النعيمي

لم يكن ممكنا البقاء لمدة طويلة في بيت واحد... كان من الضروري التفتيش المستمر عن بيوت آمنة... بعيدة عن بيوت (السافاك) المنتشر بكثرة في هذه الإمارة... وعن بيوت المشبوهين في تلك المنطقة... وكان من الضروري عدم إثارة الشبهات حول البيت مما يتطلب باستمرار دراسة الإجراءات الأمنية والعناصر التي تعرفه.

كان من الضروري توحيد فرعي الجبهتين في البداية... ووضع برنامج للعمل السياسي والجماهيري والنضالي... وتحديد الدور الذي يمكن أن تقوم به المنطقة، بالنسبة لذاتها أو على صعيد المنطقة برمتها، وخاصة عمان الداخل... التي راهنّا بإمكانية استئناف العمل المسلح فيها... قبل أن تتمكن السلطة الجديدة من سحب قطاعات واسعة من الجماهير وتبتعد عن الجبهة ... بالإضافة إلى أهمية التواصل مع قيادة الجبهة في البحرين في فترة ما بعد الإستقلال وقبل الانتخابات النيابية وبالتالي ما يتوجب علينا القيام به من عمل سياسي وتحالفات وتكتيكات وخاصة في المرحلة الانتخابية...

في ساحل عمان كانت المعركة الأساسية التي فرضت نفسها هي معركة الجزر... حيث لا تزال طرية تلك الاتفاقيات التي وقعها شيخ الشارقة مع شاه إيران وسلم بموجبها نصف جزيرة أبو موسى، أما شيخ رأس الخيمة فلم يشأ أن يسجل التاريخ عليه أنه سلم جزيرتي طمب الكبرى والصغرى للقوات الشاهنشاهية، وطلب من الجنود القليل العدد قتال الجيش الإيراني، وسقط شهداء منهم قبل أن يحسم جيش الغزاة المعركة بعد دقائق... أما شيخ الشارقة، خالد، الذي جلبته القوات البريطانية بديلا عن الشيخ صقر عام 1965، فقد راح ضحية موقفه بأشهر قليلة، في المحاولة الإنقلابية التي قام بها الحاكم السابق، ومعه حزب الوحدة بقيادة الوجيه سلطان العويس، صاحب الأفضال الكبيرة على الاتحاد، وحيث فشل الانقلاب، بعد تدخل القوات الاتحادية واعتقال الرموز الأساسية: صقر والعويس، فقد وجد رئيس الاتحاد نفسه في موقف محرج، فوجد في المحاكمات ثم إبعاد العويس لبعض الوقت إلى باكستان مخرجا له... لكن سكان الجزر وخاصة طمب الكبرى كانوا يراهنون على الاتحاد أو الأسرة العربية لفرض انسحاب إيران من جزيرتهم... وكان من الضروري أن يكون هذا الموضوع على رأس المهمات السياسية التي نعمل من أجلها... كحركة سياسية تريد أن يكون لها موقع في شمال عمان.

****

قبل أن أنطلق إلى الرحلة المجهولة، حيث تم إبعادي قبل سنوات، كان من الضروري ترتيب وضع العائلة، الزوجة والأطفال الثلاثة (أمل وخالد ووليد)، فليعيشوا في ظفار أو قريبا من خط النار في حوف، على الحدود العمانية اليمنية... هكذا اتخذت القرار، ولم تكن أم أمل إلا مرحبة به... فسافر الأربعة... وثلاثتهم لا يعرفون مصيرهم... وتمكنت أمل التي عرفت مدارس البحرين ثم قطر، ولم تسعفها الظروف للدراسة في أبوظبي، من الالتحاق بمدارس الثورة في محافظة المهرة (مرارة) حيث كانت محط اهتمام كل الصحفيين الذين ترددوا على المنطقة، فهي الوحيدة في المدرسة مع (هدى سالم، شفاها الله وأعادها إلى الوطن وهي التي تعاني في الوقت الحاضر من مرض رئوي تعود جذوره إلى تلك الفترة من عملها النضالي) من غير أبناء المنطقة... وبقيت أم أمل في حوف حتى تعرضت القرية في الشهر التاسع من العام 1972 للقصف المكثف، وخاف الرفاق عليها وأجبروها على العودة إلى عدن بعد قرابة ستة أشهر من البقاء قرب نقاط الإنطلاق إلى المناطق المحررة آنذاك من ظفار.

***

قررت قيادة منطقة الساحل إصدار نشرة جماهيرية (صوت الجماهير) للتعبير عن موقف الجماهير من القضايا السياسية (الاتحاد والصراعات بين الشيوخ، الجزر، المشكلات الاقتصادية والاجتماعية... قضايا الناس... )، وكان هناك عدد من المتفرغين القياديين، وأوكل إلي مهمة إصدار النشرة.

لم تكن الوسائل الإعلامية متطورة كما هي في الوقت الحاضر، واشترينا آلة طباعة وستانسل، وتمكنا من إصدار أربعة أعداد من تلك النشرة، بالإضافة إلى البيانات التي تلاحقت في نهاية العام مع اقتراب الذكرى الأولى لاحتلال جيش الشاه للجزر العمانية... وبالرغم من الدور الذي لعبته النشرة، إلا أن أحداث طريفة تستحق تسجيلها لمعرفة ما كنا نحمله من هموم وتطلعات وما كان يعيشه المجتمع والناس في تلك الإمارة على سبيل المثال...

بمحض الصدفة، وبعد الانتفاضة العمالية في البحرين في مارس 1972، التحق بنا في دبي أحد الرفاق النشطين من البحرين... قررنا، بعد أن أنجزنا طباعة النشرة، وتوزيعها على المناطق، أن نقوم بمهمة التوزيع المشترك في أحد مناطق دبي... وتمكنا من توزيعها بشكل مكثف في تلك الليلة... وفي صباح اليوم الثاني، أصر صاحبنا أن يتجول في تلك المنطقة لمعرفة ردود فعل الناس وكيف يتعاطون مع ما نكتبه... وجد العديد من تلك النشرة لا يزال في موقعه، إلا أن بعض الحيوانات السائبة قد وجدت فيه غذاء ممتعا لها، فاكتشفها وهي منهمكة في أكله... عاد إليّ في المخبأ عاجزا عن الإمساك بالضحكة المشهور بها... متسائلا إن كان لعملنا جدوى في هذه الساحة التي تهتم الحيوانات بمناشير الحركة الوطنية أكثر من اهتمامات الناس المتدفقين من جميع أنحاء العالم بحثا عن الرزق؟.. والثروة .. ونحن نبحث عن الثورة وعن الصراع الطبقي وعن الإضرابات العمالية والمسيرات الشعبية، وعن توحيد المنطقة من الكويت إلى ضلكوت... كان ذلك جزءا من الصورة... حيث وجدنا عكس ذلك في مناطق الساحل كراس الخيمة والفجيرة، وإلى حد ما وسط تجمعات العمانيين من الداخل في أبوظبي... لكن الأجهزة الأمنية كانت بالمرصاد... وكنا نراهن على صراعات وخلافات الشيوخ لنتمكن من النفاذ إلى الناس... وكنا محقين في ذلك...

وفي الأشهر الأخيرة من ذلك العام، تكثف النشاط باتجاه التعبئة من أجل الجزر، ومطالبة السلطات بأن تتخذ موقفا أكثر صرامة... وكنا نطمح أن يكون الأول من ديسمبر/ كانون الأول مناسبة تخرج فيها جماهير غفيرة لتعبر عن موقفها من هذه القضية الوطنية، وأمكننا تحقيق ذلك في راس الخيمة، حيث وقف الشيخ صقر وابنه إلى جانب الحركة الجماهيرية، وكانت المظاهرات شاملة بحيث أغلقت كل المحلات التجارية، ولمدة ثلاثة أيام، وقادت الجبهة الشعبية وعناصرها الأساسية جميع التحركات الشعبية، بل وأمكننا أن نحصل على تواقيع جميع أبناء جزيرة طمب الكبرى في عريضة تم رفعها إلى رئيس الاتحاد ووزعت بكثافة على الصحف ووكالات الأنباء العربية والأجنبية.

قبل ذلك كان البيان الذي وزعناه قبل شهرين بشأن الجزر، متهمين قيادة الاتحاد بالتواطؤ والتساهل في هذه القضية الوطنية، مما أثار حفيظة الأجهزة الأمنية التي شنت حملة اعتقالات واسعة شملت غالبية أعضاء الجبهة في أبوظبي، وكان المطلوب مد تلك الحملة على بقية الإمارات، إلا أن بقية الشيوخ، وخاصة شيخ دبي، لم يستجيبوا لهذه الرغبة مما ترك لنا متسعا من الوقت لترتيب حملة التعبئة الشعبية في بعض الإمارات...إلا أن تصاعد وتيرة عملنا... والاعترافات التي أدلى بها البعض من المعتقلين بشأن العناصر القيادية الموجودة في دبي... دفع الأخيرة إلى الموافقة على اعتقال أحد العناصر الأساسية التي سرعان ما أوصلهم إلى المخبأ السري... والحصول على وثائق ذات أهمية بالغة بالإضافة إلى كثرة من المعلومات التي سهلت عليهم علمية الاعتقالات في البحرين بالدرجة الأساسية.

***

كان الساحل محطة، وحيث يصعب السفر إلى بعض المناطق، فقد تجمع في ذلك العام عدد من القيادات المركزية للجبهة وخاصة العمانية والبحرينية...

كانت البحرين تموج بالتحركات الشعبية والسياسية، فبعد قمع الحركة العمالية، وجدت السلطة ضرورية الانتقال إلى العملية السياسية، إلى تحديد مسارات البلاد في مرحلة ما بعد الاستقلال، وبالتالي الاستحقاقات التي يجب تقديمها للحركة الشعبية التي طالبت عبر عقود بالمشاركة في صنع القرار السياسي عبر مجلس نيابي لديه صلاحيات تشريعية ورقابية...

في دبي تم اللقاء مع الرفيق الشهيد محمد بونفور...

لم أتمكن من التعرف الجيد على هذا المناضل الفذ في البحرين، لأسباب عديدة، لكن الجميع اتفق على ترشيحه لعضوية اللجنة المركزية في المؤتمر الثالث وبغيابه... وأسهم في الدورة الأولى لاجتماعات اللجنة المركزية التي عقدت في بيروت، حيث اتفقنا على ضرورة توحيد القوى القريبة من بعضها، وخاصة في البحرين، وهكذا قاد بونفور عملية التوحيد وعقد المؤتمر التأسيسي لفرع الجبهة الشعبية لتحرير عمان والخليج العربي في البحرين، في مطلع العام 1972، وكان من الضروري اللقاء معه للبحث في موضوع الانتخابات... ودور الجبهة والشخصيات الوطنية والمطالب التي يجب طرحها والتكتيكات التي يمكن اعتمادها لارغام السلطة على الاستجابة للمطالب الشعبية، وإلا فالمقاطعة... للمجلس التأسيسي...

من ضمن الأسئلة التي طرحها الشهيد... هل تتصور بأن النظام في البحرين قادر أن يصمد أكثر من سنوات معدودة... لم تكن هناك إجابات... تمنيات ... كان الشهيد مزهوا بالحركة العمالية وقدرة الحركة الديمقراطية على تنظيم إضراب عمالي كبير في الأيام الثلاث الشهيرة من مارس/ آذار 1972، وكانت توقعاته أن المشاركة ضرورية في حالة استجابة السلطة للمطالب التي طرحتها الحركة السياسية والتي تمثلت في / الانتخاب الكامل لأعضاء المجلس التأسيسي، مشاركة المرأة، إلغاء حالة الطوارئ/ مشاركة أوسع للشباب، أي تخفيض سن الانتخاب إلى 18 سنة....

ورسمنا مخططا تفصيليا لما يجب القيام به في تلك الفترة... لكننا لم نتمكن من تنفيذه في البحرين، حيث وجد الرفاق أن المزاج الشعبي لايقود الى أكثر من الدعوة إلى المقاطعة... وانسحاب العناصر التي كانت محسوبة على الكتلة الشهابية...

***

لم يعد ممكنا بعد المعلومات التي وصلتنا من أبوظبي بأن الأجهزة الأمنية قد عرفت الكثير عن أوضاعنا، وإلحاح الرفاق في اللجنة التنفيذية بضرورة مغادرة الساحل سوى الامتثال للقرار الحزبي، وذلك قبل أسبوع من المظاهرات الجماهيرية الكبيرة التي شهدتها راس الخيمة... لكن الخبر الصاعقة الذي وصلنا بعد أسبوعين تقريبا هو انهيار أحد عناصر اللجنة القيادية وإرشاد الأجهزة الأمنية على المخبأ السري... مما أوقع بين أيديهم كنزا كبيرا من المعلومات

العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً