العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ

حقُّ التعليم في اتفاقية سيداو

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

عندما نتأمَّلُ في القرآن الكريم نجد قصة «امرأة عمران» التي عاشت الإنسانية بكل معانيها، إذ فقدت زوجها بعد حملها منه، ولم تفكر إطلاقا كما يفكر الكثيرون منا في الانتفاع بالأولاد من أجل تحقيق مكاسب مادية أو الحصول على جاه، بل كانت تتطلع لأن يكون المولود (مُحرَّرا) ذَكَرا ليخدم في بيت الله، غير أن المفاجأة الجميلة التي لم يخطر ببالها أن المولود الجديد (أنثى)! وأيُّ أنثى، فهي السيدة مريم (ع) التي طهَّرها الله واصطفاها على نساء العالمين، لتلد بالنبي عيسى بن مريم (ع).

بعدما كثُر الحديث في الآونة الأخيرة عن اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة «سيداو CEDAW»، والتي اعتُمدت من الجمعية العامة للأمم المتحدة في 18 ديسمبر/ كانون الأول 1979 ارتأيتُ - وأنا لا أقصد هنا المزاوجة بين اتفاقية سيداو برمتها وبين الرؤية الإسلامية بقدر ما أريد إبراز القواسم المشتركة في بعض المجالات ومنها التعليم - أن أتناول المادة (10) من الاتفاقية، والتي تُلزم الدولَ الأطراف بالقضاء على التمييز ضد المرأة في ميدان التعليم، فهذه المادة تتضمن 8 بنود أساسية، وسأتناولها بشيء من التفصيل:

1 - منح ظروف مماثلة لكل من الرجل والمرأة على السواء للتوجيه الوظيفي والمهني، والوصول إلى الدراسات والحصول على الدرجات العلمية في المؤسسات التعليمية من جميع الفئات، في المناطق الريفية والحضرية على السواء من المرحلة السابقة للالتحاق بالمدرسة إلى مرحلة التعليم العالي.

2 - توافر المناهج الدراسية ونظم الامتحانات والهيئات التدريسية التي تتمتع بالمؤهلات والأبنية والمعدات المدرسية بصورة مساوية بين الذكور والإناث.

3 - القضاء على أي مفهوم نمطي عن دور الرجل والمرأة على جميع مستويات التعليم، عن طريق تشجيع التعليم المختلط، وتنقيح كتب الدراسة والبرامج المدرسية، وتكييف أساليب التدريس.

4 - منح الفرص نفسها للاستفادة من المنح التعليمية.

5 - إيجاد فرص مساوية للوصول إلى برامج التعليم المتواصل (المستمر) كبرامج تعليم الكبار ومحو الأمية الوظيفية.

6 - خفض معدلات ترك المدرسة بين الطالبات، وتنظيم برامج للفتيات والنساء اللائي تركن المدرسة قبل الأوان.

7 - منح فرص المشاركة النشطة في الألعاب الرياضية والتربية البدنية.

8 - الوصول إلى معلومات تربوية محددة لضمان صحة الأسر ورفاهها، بما في ذلك المعلومات والنصائح ذات الصلة بالتخطيط للأسرة.

فيما يتعلق بالبند (1) فإن التشريعات الخاصة بالنظام التعليمي في مملكة البحرين قد ساوت بين جميع المواطنين في الحصول على الدرجات العلمية، فقد كانت المرأة البحرينية هي المبادرة إلى التعليم، وقد بُذلت جهود أشبه ما تكون بالفردية غير المنظمة، حتى العام 1899م، فقد تمَّ إنشاء أول مدرسة نظامية للبنات في العاصمة (المنامة) وهي مدرسة الإرسالية الأمريكية.

أما التعليم الرسمي للمرأة فقد بدأ العام 1928م مع إنشاء أول مدرسة حكومية للبنات، وقد اعتمدت مملكة البحرين مؤخرا اليوم الأول من ديسمبر/ كانون الأول من كل عام يوما للمرأة البحرينية، إذ تزامن احتفال هذا العام مع مرور 80 عاما على تأسيس التعليم النظامي للبنات، تحت شعار «قرأت - تعلمت - شاركت»، وأملنا في أن تبادر الحكومة بإطلاق بعض الأسماء البارزة من الرائدات في التعليم بالبحرين على الشوارع الرئيسية، كنوعٍ من التخليد، على رغم أنني أميل لمقولة «أن تقدِّم وردة لإنسان في حياته، خير من أن تضع إكليلا من الورد على قبره»!

من الأهمية بمكان إعادة النظر في واقع المرأة البحرينية في رياض الأطفال والتي تشكل فيها المرأة نسبة 100 في المئة، فثمة مطالب لابدَّ أن يتم التعاطي معها بموضوعية كتدنِّي الأجور والحوافز، وإخضاع الهيئتين الإدارية والتعليمية إلى دورات تدريبية متقدمة، كما نتطلع إلى مجانية التعليم في رياض الأطفال كما في بعض دول المنطقة، عملا بالحديث القائل «اطلبوا العلم من المهد إلى اللحد»، والذي يؤكد على التعليم مدى الحياة.

تشير الإحصاءات التعليمية إلى أن نسبة الإناث في الالتحاق بالتعليم الابتدائي تصل إلى 100 في المئة وهذا دليل على وعي المجتمع البحريني بأهمية التعليم، وهذا يعني أن البحرين احتلت المرتبة الأولى عربيا في مجال التعليم الابتدائي وفقا لتقرير التنمية البشرية العربية، كما وأن نسبة الملتحقات من الطالبات بالتعليم الثانوي تصل إلى أكثر من 90 في المئة مقارنة بنسبة الطلاب التي تتراوح بين 77 إلى 80 في المئة وفقا للتقارير الصادرة عن اليونسكو.

أما بالنسبة إلى التعليم العالي فقد التحقت المرأة البحرينية بالجامعات في الخارج منذ خمسينيات القرن الماضي عندما قامت الحكومة بابتعاث الطالبات المتفوقات إلى عدد من الجامعات العربية مثل لبنان، وإرسال بعض الأهالي آنذاك - في خطوة جريئة إلى حد كبير - بناتهن إلى مصر وسورية والعراق.

ثمة مناصب قيادية منتخبة ضمن المؤسسة التعليمية وصلت إليها المرأة البحرينية بجدارتها وبدعم من الرجل الذي كان يحتكر تلك المناصب لسنوات طوال، فقد تمَّ انتخاب زينب العرادي رئيسة للمجلس الطلابي في جامعة البحرين ومؤخرا انتُخبت نسرين عبدالصاحب رئيسة لمجلس المتدربين في معهد البحرين للتدريب، فتلك إشارات واضحة بأن ذهنية الرجل أصبحت أكثر انفتاحا في هذا المجال، فتمكين المرأة ليس شعارا بقدر ما هو قناعة وتقبل لدى الرجل، فها هو القرآن يطرح نموذجا متقدما كما في قصة بلقيس ملكة سبأ التي كانت تحكم مع وجود الرجل وفق آلية ديمقراطية، حتى آمنت في نهاية المطاف بدعوة النبي سليمان (ع).

أما البند (2) والمتعلق بتوحيد مناهج الذكور والإناث، فهي على كل حال موحدة في الغالب، مضافا إليها بعض المقررات التي تتناسب أكثر مع توجهات المرأة العربية أو المسلمة وطبيعتها الإنسانية كمقررات الأنسجة والملابس والأسرية وما إلى ذلك.

إن البند (3) والذي يؤكد تشجيع التعليم المختلط في جميع المراحل التعليمية قد يُواجه برفض مجتمعي متوقع، رغم أن التعليم الخاص في البحرين مختلط في بعض مراحله، ولعلَّه من الطريف أن نلاحظ تعانق أسوار كثير من مدارس الذكور بأسوار مدارس الإناث في كثير من المناطق!

أما البنود التالية (4 و5 و6 و7) فهناك منح دراسية تقدم للذكور والإناث، وبرنامج سمو ولي العهد خير شاهد على أن معظم المبتعثين للدراسة في الخارج هم من الإناث، كما وأن برامج تعليم الكبار متاحة للجميع نساء ورجالا من غير أي تمييز، هذا إلى جانب أن المرأة البحرينية استطاعت تقليص معدلات التسرب وترك المدرسة بدرجة كبيرة جدا، كما وتشارك المرأة البحرينية بفاعلية في الألعاب الرياضية والتربية البدنية سواء داخل المدرسة أو خارجها أو في المحافل الدولية.

إن البند (8) والأخير يضع الأسرة البحرينية أمام تحدٍّ كبير في ضرورة التثقيف الصحي والذي يبدأ عادة من الرعاية الصحية الأولية، فالبحرين هي من الدول المتقدمة في هذا المجال بحسب تقارير International Health Organization)) منظمة الصحة العالمية، والمواطن البحريني أصبح متصالحا مع فكرة توجيه النسل لا تحديده كما يحلو للبعض أن يسميه؛ لأن مشكلة الناس ليست في الفقر، بقدر ما هي تداخل الأولويات، أو كما في الحديث الشريف «لا أخاف على أمتي من الفقر، وأخاف على أمتي من قلَّة التدبير».

لقد أدركت المرأة المسلمة أهمية التعلم واكتساب المعرفة، فها هي السيدة فاطمة الزهراء (ع) وهي تبحث عن بعض الأوراق فتقول لخادمتها فضة: ابحثي عنها، فإنها تعدل عندي حسنا وحسينا

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 2309 - الأربعاء 31 ديسمبر 2008م الموافق 03 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً