العدد 2582 - الأربعاء 30 سبتمبر 2009م الموافق 11 شوال 1430هـ

فرقة العروج: «لاتكلمني» عن الحب وانهيار القيّم

قدّمت «فرقة العروج للفنون المسرحية»، في عطلة عيد الفطر المبارك مسرحية «لا تكلّمني»، في إطار كوميدي ممتع، حمل معه الكثير من المتعة والضحك وتفاعل الجمهور، وذلك على صالة المركز الثقافي في السنابس.

تدور قصة المسرحية حول امرأة جميلة وثرية، ما جعلها مثار إعجاب الرجال، تحت إغراء المال والجمال، لكن عقدتها أن زواجها لا يدوم، فتتقصف أعمارهم سريعا، فمنهم من يموت في حادث، ومنهم من يعلق فوق المشنقة، ومنهم من يصيبه مرض قاتل، ورابع يقتله مرض «انفلونزا السنانير»، وهكذا سار السبعة بأقدامهم نحو حتفهم واحدا بعد الآخر.

المرأة الثرية اللعوب، يمكن ان نقرأها على أنها «الدنيا»، فحبها رأس كل خطيئة. وهي شخصية عمليةٌ أيضا، فلا تطيل الحزن على أحد من عشاقها، فهي مستعدة لتقبل الزوج الجديد وهي لاتزال في ثوب الحداد. فسرعان ما تستجيب لحركات الغزل من الطالب الجديد فتمد يدها إليه، لتبدأ اللعنة تلاحق الزوج الجديد.

المسرحية تعرض في إطار كوميدي مثير، سيطرة القيم المادية على الكثيرين، حيث تتحوّل أقدس علاقة إنسانية بين المرأة والرجل إلى سلعة، مثلها مثل الأموال والعقارات والسيارات، وتتحول مؤسسة الزواج إلى شقة للايجار وطريق للاستغلال والثراء.

المرأة الجميلة الفاتنة (صبحة)، التي أتقن في تقديمها الفنان الشاب عبدالله العالي، وأسعفته في ذلك لمسات المكياج الفنية، فكان أداؤها مقنعا، وجريئا، في محيطٍ اجتماعي من الصعب أن تلعب فيه فتاة مثل هذا الدور، الذي يملي عليها القيام بالكثير من الحركات والايماءات غير المقبولة اجتماعيا.

في فرصتها الأخيرة للزواج، يكتشف الخطيب المصير الذي ينتظره، من خلال رمز فني أقامه المخرج، تتحدث فيه المرآة للزوج وتنصحه بالهرب من هذه الزوجة المشؤومة. فيحاول أن يجد له مهربا على متن طائرة متجهة إلى الحبشة. لكنه يعود ليقابلها في المطار من جديد حيث كانت تبحث عنه لتضمه إلى عش الزوجية!

في المطار الكوزموبوليتاني، تجتمع شلةٌ من القادمين الجدد، طمعا في البلاد التي تعرض عليهم مفاتنها وجوازاتها وأموالها وفرص عملها على حساب أبنائها. هناك نلتقي بعازف موسيقى سيتجه لإحدى المواخير ليقدّم فنّه الراقي! وهناك القادم من إحدى الصحاري موعودا بالمنزل والوظيفة، فيتحول في لحظةٍ إلى مأذون شرعي في المطار ليسجّل الزواج وسط حضور المسافرين.

الفنان الموهوب مهدي سيد شرف، أدى دور الرجل المختبئ في المرآة، ثم أجاد تقديم عدة شخصيات مختلفة، وكان يتغلب على نفسه في كلّ دور جديد، من مهاجرٍ طمّاع من جنوب الجزيرة العربية، إلى طبيب جشع من شمال إفريقيا يستغل آلام المرضى، فيفرض خمسين دينارا على إذن الدخول، فهو يستكثر على المواطنين علاوة الغلاء التي تصرفها لهم الدولة، ويريد بذلك تصفير جيوبهم منها!

محمد سهوان، الذي أدى دور الزوج الأخير، تعرض عند عودته إلى حريق يضطره لدخول المستشفى، حيث يتعرض لمحاولة نزع بعض أعضائه لتهريبها إلى «إسرائيل»، لكن الله سلم وينجح في الإفلات من العملية الجريمة. سهوان الفنان بالسليقة، لا يحتاج إلى الكلام كثيرا، فقط حضوره على المسرح يكفي لتهيئة الجمهور للضحك، تمده بتلك الطاقة على الإضحاك حركات جسده، وتعبيرات وجهه التي يعيد استخدامها في كل المسرحيات، ويضحك الجمهور في كل الأوقات.

حسين مرهون، لعب عدة أدوار، آخرها دور «ألخماهو»، المأخوذة من مسلسل القدّيس يوسف. ولا أدري من أين أتى المخرج بلباسه، وكم استغرق من الوقت عملية مكياجه، لياتي نسخة أخرى قريبة من كبير كهنة المعبد «ألخماهو» السمين!

حسين الجبل، الوجه الجديد الذي قدّم أكثر من دورٍ أيضا، آخرها المهاجر العراقي الذي يعمل بالمطار، وتصدمه المناظر والعجائب والمقالب والأجناس التي يشاهدها في مطارنا الكوزموبوليتاني العجيب!

المسرحية عمل فكاهي يقدم في فترة العيد، لكنه وكالعادة، لابد أن تتناول القضايا والهموم اليومية التي تشغل بال الجمهور وتنغص حياته، من تجنيس وبطالة وفقر وخدمات صحة عليلة، وانفلونزا خنازير، ودكاكين تزوير شهادات، و»إسكان نويدرات».

هذا المسرح الذي يقدم أعماله للعام الرابع على التوالي، يعج بالطاقات الفنية الكبيرة، ويراكم خبراته، ويتطلع لأن يأخذ فرصته للبروز ويحظى بالحضور الذي يستحقه بين المسارح الأخرى. وهو حتى الآن يشكو من عدم توفر أي دعم مالي أو معنوي من المؤسسات الرسمية، فضلا عن الإهمال والتجاهل الإعلامي.

مسرح نابعٌ من المجتمع، مستجيبٌ لتطلعاته، معبّرٌ عن آلامه، حيث يمكن القول إذا أردت أن تعرف القضايا التي تشغل بال الناس كل عام، فاذهب إلى هذه المسارح الشعبية في الأعياد!

العدد 2582 - الأربعاء 30 سبتمبر 2009م الموافق 11 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً