العدد 2589 - الأربعاء 07 أكتوبر 2009م الموافق 18 شوال 1430هـ

أزمة الحضارة العربية المترددة

في هذا الكتاب يسعى المؤلف والباحث الدكتور المتخصص في الفلسفة العربية واليونانية والألمانية، للإحاطة بجوانب الأزمة التي تعاني منها حضارتنا العربية في الوقت الراهن، وللغوص في عمق جذورها. إذ «لا تزال الأزمة التي تعاني منها الأمة أزمة حرجة ليس للعرب والمسلمين فحسب، بل هي أزمة تعم آثارها الإنسانية كلها»، «وحتى لو سلمنا بأن الآثار السطحية لهذه الأزمة يؤججها التدخل الأجنبي عامة والتدخل الأميركي والإسرائيلي على وجه الخصوص، فإن جوهر الإشكال يبقى صادرا عن علل ذاتية للحضارة العربية الإسلامية نفسها».

تستهدف المحاولة التي يتضمنها هذا الكتاب، «فهم الراهن بتحليل علله البعيدة، وستعتمد «على التشخيص النظري والعملي الذي قدمّه أربعة مفكرين كبارا عالجوا مسألة الحيوية الحضارية العربية الإسلامية من منظور فلسفة التاريخ وفلسفة الدين الإسلاميتين...»، وهم الغزالي وابن رشد الذين يمثلان حديّ الموقف النظري، وابن تيمية وابن خلدون وهما يمثلان حدي الموقف العملي.

أما الهدف من هذه المحاولة فهو «فهم النتائج الخطيرة لما آل إليه موقف الأمة الحضاري، موقفها الذي أصبح منحصرا في رد الفعل على المؤثرات الخارجية التي حددت خصائص الفكر والعمل عند من يقبل بها ومن يرفضها كليهما دون أن يكتشف الفريقان المبدأ الكوني للإبداع الذي تشترك فيه كل الحضارات الأصيلة».

ينقسم البحث إلى بابين. ويتناول الباب الأول كمسألة أولى، تحليل الموروث الثقافي والتقدم الاجتماعي، من زاوية التحليل التصوري لكل من المفهومين ولطبيعة العلاقة بينهما، وأيضا لطبيعة العلاقة في دار الإسلام. ثم يعود إلى تناولها من زاوية التحليل التاريخي كمسألة ثانية، وفيها تشخيص لأزمة الثقافة الإسلامية، بحسب كل من الغزالي وابن تيميه وابن خلدون، وصولا إلى ما آلت إليه في العصر الحديث من بداية النهضة والصحوة، إلى وحدة التجديد الجارية حاليا.

في الباب الثاني، ينتقل البحث إلى مسألتين، في تساؤل أول عن «كيف عُطل الإصلاح المستمر إلى حدود ضمور القدرة الإسلامية على الإبداع؟، إذ «ليس من اليسير أن نفهم الطابع الثوري للإسلام من حيث هو إصلاح متواصل، كما أن تطبيق هذا الإصلاح المتواصل ليس من الأمور التي تقبل التحقيق السهل». ثم يطرح في تساؤل ثان عن «لماذا لا يمكن للإسلام أن يطابق خصائصه الثورية إلا إذا كان إصلاحا دائما؟» لقد حاول الإسلام أن يجدّد الفكرين الديني والفلسفي وأن يحدد مؤسسات بديلة تساعد على تحريرهما من فساد السلطات الروحية والسياسية بفضل مفهومين نقديين هما التحريف الذي أفسد الفكر والعمل الدينيين، والجاهلية التي أفسدت الفكر والعمل الطبيعيين».

يتضمن هذا الكتاب دراسة جدية قيّمة ومهمة تتناول قضايانا المعاصرة في الوطن العربي والإسلامي من منظارين متكاملين: الفلسفة والدين.


يوم رائع للموت

تحمل هذه الرواية للكاتب الجزائري فرادة في تركيبتها وحبكتها، كما في أسلوبها وفي لغة السهل الممتنع التي تتمتع بها، وفي طابعها الساخر الذي ينبع من حرقة الرؤية الواقعية لمجتمع مزيف، ولشخصيات تبدو لشدة واقعيتها، متخيلة أو رمزية، فيزيل النص الحدود الواقعة بين المنطق وعدمه، وبين الحدث وتخيّله، ليخرج كمزيج أدبي ذي نكهة خاصة، كما أنه يمحي الخط الذي يُفترض أن يكون متصاعدا للزمن وللتاريخ، فينساب المزيج بمساره المختلف المتعرج أحيانا والمتكرر أحيانا أخرى، والذي يرفض الانصياع لما هو متعارف ومعهود.

لم يستطع «حليم بن صادق»، «منذ أن وطأت قدماه الحياة»، اتخاذ أي قرار، فـ «كيف استطاع أن يفلت من قبضة القضاء ويجعل لحظة موته قرارا يتخذه بنفسه...»، «وحتى تكون ذكراه أسطورية فقد كتب إلى نفسه رسالة يبيّن فيها أسباب انتحاره وبعثها إلى نفسه بالبريد...».

«عمار الطونبا»، قرر الانتحار أيضا، «بعد أن فقد كل أمل في الزواج بحبيبته «نيسة بوتوس»، بالرغم من أن شخصيته القادرة على التحوّل، تتناقض جذريا وشخصية صديقه حليم المثقف الفقير ذو المبادئ التي لا تتوافق مع مجتمع فاسد مُسيّر بغرائزه.

تدور حول هاتين الشخصيتين مجموعة من النماذج البشرية غير الفاعلة في المجتمع أو التي تعيش في أسفله أو على هامشه، كالمخبولين أو المجانين والعاهرات واللوطيين، لتساهم في خلق هذه الأجواء من الفوضى الظاهرة والمدروسة التي أراد القارئ خلقها، في إيحاء ساخر ومركّب لفوضى المجتمع الفعلي وجنونه.

هل ينفذّ بطل الرواية خطته في الانتحار وذلك بالقفز من الطابق السابع لعمارة «الطومبا» الواقعة في إحدى شوارع العاصمة الجزائرية؟ وكيف يمضي الوقت المتبقي الذي يفصله عن توقيت التنفيذ؟ وما شكل الحالة التي سيكون عليها؟

في هذه الرواية التي تتصف بالإبداع الأدبي والسرد الشيق والحبكة الفريدة، يتناول الكاتب بجرأة وصراحة أعانته عليها أحيانا اللغة العامية التي اختار استعمالها في بعض الحوارات، مواضيع متنوعة حساسة في جوهرها، ملتبسة في طرحها، عن الحب والجنس والدين والسياسة وغيرها.

الطريق إلى الفلسفة:


دراسات في مشروع ميرلو- بونتي الفلسفي

تضافرت جهود ثمانية من الباحثين الجزائرين المعروفين بأعمالهم الجادة، لإضاءة جوانب مهمة من فلسفة ميرلو - بونتي الذي «لامس بمشروعه الفلسفي الطموح، كل مجالات الفلسفة وقضاياها، فقد اهتم باللغة وجعلها موضوعا لتحليلاته، واهتم بالفنون فجعل إبداعات الفنانيين تعبّر عن كل ما كان يعتمل في أحشائهم، واهتم بالسياسة والأخلاق فتفاعل مع هموم وصراعات عصره»، والذي «انصرف إلى النضال، بعيدا عن الدعاية والتوجيه، ببسط مجموعة أفكار ومفاهيم ذات جمالية خاصة تنتهك الحدود الفاصلة بين ميادين الحياة المختلفة».

يقدّم هذا الكتاب مجهود هؤلاء الباحثين، في ثمانية فصول، يتناول كل منها زاويته الخاصة في رؤية وتحليل أفكار هذه الفيلسوف الكبير.

يبدأ الحسين الزاوي، هذه «الإطلالات» الفلسفية، بدراسة عن أهمية اللغة والسميائيات في فلسفة ميرلو بونتي، وعن مجموعة المفاهيم المنهجية التي «تدعم البناء النظري لكل مشروعه الفكري»، التي قسّمت إلى ثلاثة أقسام: اللسانيات والخطاب الفلسفي، وفلسفة اللغة وامتداداتها المعرفية، وعناصر سميائيات الدلالة في فلسفة ميرلو بونتي الذي «سعى إلى استثمار كل مجالات التواصل الإنساني المباشرة منها وغير المباشرة بما في ذلك التواصل الأدبي...».

في مقالة «العلامة والتواصل اللغوي»، يكمل مخلوف سيد أحمد، البحث في طبيعة اللغة لدى الفيلسوف، والتي «لا يمكن فهمها وإدراك جوهرها فهما واضحا إلا من خلال الدور الذي يؤديانه في حياة الإنسان الفرد وحياة الجماعة اللغوية الواحدة»، وتبرز أهمية اللغة «في اعتبار أن الإنسان كائن اجتماعي لا يستطيع الفكاك من أسر جماعته».

يبرز جمال مفرج في مقالته «فينومينولوجيا الفن» لدى الفيلسوف، بصفتها مبنية على «فن الرسم» وعلى فعل «العودة إلى اللون»، وعلى مفهوم «الجسد» الذي يوحدنا مباشرة مع الأشياء، فهو الوسيلة التي نمتلكها للوصول إلى قلب الأشياء، وذلك عن طريق تحول الجسد إلى عالم وتحول العالم إلى جسد.

العدد 2589 - الأربعاء 07 أكتوبر 2009م الموافق 18 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً