العدد 2589 - الأربعاء 07 أكتوبر 2009م الموافق 18 شوال 1430هـ

سهام تقرير غولدستون تخطئ «إسرائيل» وتصيب السلطة الفلسطينية

مثلما أحدث الهجوم العسكري الإسرائيلي على قطاع غزة في ديسمبر/كانون الأول 2008 ويناير/ كانون الثاني 2009 من انقسام حاد في الوطن العربي بين مساند ومعارض لتلك الحرب، جاءت الجهود العربية والإسلامية المنصبة لإدانة تلك الحرب في مجلس حقوق الإنسان مغايرة للتوقعات، إذ انحرف مسارها وأصابت نصالها السلطة الوطنية الفلسطينية بدلا من «إسرائيل».

فقد أجل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بصورة مفاجئة يوم الجمعة الماضي التصويت على قرار بشأن تقرير القاضي الجنوب إفريقي ريتشارد غولدستون إلى مارس/آذار2010 بعدما وصف بـ «ضغوط من جانب الولايات المتحدة بهدف إعادة عملية السلام إلى مسارها». يذكر أن الولايات المتحدة انضمت للمجلس في يونيو/ حزيران الماضي. وصدقت مسودة قرار طرحتها مجموعة من الدول الإفريقية والعربية والإسلامية في مجلس حقوق الإنسان على تقرير غولدستون وأوصت بإدانة «إسرائيل» بسبب عدم تعاونها مع البعثة. وكان من المتوقع أن يدين المجلس «إسرائيل» لارتكابها جرائم حرب وجرائم محتملة ضد الإنسانية.

وعقب التأجيل المفاجئ للتصويت على التقرير تطايرت الاتهامات والإدانات من كل حدب وصوب، وصار كل طرف يحاول تحميل الآخر للمسئولية وينأى بنفسه عن الأمر، لكن الهجوم الرئيسي وجه إلى السلطة الفلسطينية التي تقول من جانبها إن مسئولية التأجيل تقع على عاتق الجهة المتبنية للتقرير وليس على السلطة التي لا تتمتع بالعضوية الكاملة في مجلس حقوق الإنسان. وفي غمرة هذه الأجواء تضيع الحقيقة، فيما تبقى مأساة سكان قطاع غزة ماثلة للعيان.

وقال غولدستون مدّعي جرائم الحرب السابق خلال تقديمه للتقرير إنه إذا لم تجر الحكومة الإسرائيلية و «السلطات في غزة بحلول ستة أشهر تحقيقا صادقا ينسجم مع المعايير الدولية (حول الوقائع المزعومة) فعلى المجلس أن يحيل التقرير على مدّعي المحكمة الجنائية الدولية».

وفي المقابل، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن «تبني تقرير غولدستون سيوجه ضربة قاضية لعملية السلام»، مضيفا «في حال تم تبني التقرير ورأت إسرائيل أنه ينكر عليها حقها في الدفاع الذاتي عن النفس، فإنها لن تتمكن من القيام بأية خطوة إضافية ولن تجازف أكثر باتجاه السلام».

ولم تقف «إسرائيل» وخلفها حليفتها أميركا، التي لم تخف معارضها للتقرير، عند هذا الحد في محاولتها لوقف تمرير التقرير بل مضت أكثر من ذلك، إذ نقلت وكالة «شهاب» الفلسطينية للأنباء عن مصادر وصفتها بالمطلعة في واشنطن قولها إن شريط فيديو كان وراء قرار السلطة الفلسطينية سحب تأييدها لمشروع قرار في مجلس حقوق الإنسان يدعم تقرير غولدستون.

وقالت الوكالة إن اجتماعا جرى في واشنطن في الأيام الماضية بين ممثلين عن السلطة الفلسطينية ووفد إسرائيلي بشأن الموقف من التقرير، وأشارت المصادر إلى أن ممثلي السلطة رفضوا بشدة في البداية الطلب الإسرائيلي بعدم تمرير التقرير، وتمسكوا بموقفهم، إلى أن جاء العقيد إيلي أفرهام وعرض على جهاز الحاسوب ملف فيديو يعرض لقاء وحوارا دار بين رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ووزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك بحضور وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني.

ووفقا للمصدر نفسه ظهر عباس في التسجيل المصور وهو يحاول إقناع باراك بضرورة استمرار الحرب على غزة، فيما بدا باراك مترددا أمام حماسة عباس وتأييد ليفني لاستمرار الحرب.

وأشار المصدر إلى أن أفرهام عرض أيضا على وفد السلطة تسجيلا لمكالمة هاتفية بين مدير مكتب رئاسة الأركان الإسرائيلية دوف فايسغلاس والأمين العام للرئاسة الفلسطينية الطيب عبدالرحيم، الذي قال فيها إن الظروف مواتية ومهيأة لدخول الجيش الإسرائيلي لمخيمي جباليا والشاطئ، مؤكدا أن سقوط المخيمين سينهي حكم حركة «حماس» في قطاع غزة، وسيدفعها لرفع الراية البيضاء.

وحسب تسجيل المكالمة فإن فايسغلاس قال لعبدالرحيم إن هذا سيتسبب في سقوط آلاف المدنيين، فرد عليه عبدالرحيم بأن «جميعهم انتخبوا حماس، وهم الذين اختاروا مصيرهم وليس نحن».

وقال المصدر إن الوفد الإسرائيلي هدد ممثلي السلطة بعرض المواد المسجلة أمام الأمم المتحدة وعلى وسائل الإعلام، ما دفع وفد السلطة للموافقة على الطلب الإسرائيلي، وقام بكتابة تعهد خطي يقر فيه بعدم إعطاء تصريح لأية دولة لاعتماد تقرير غولدستون. وإذا صحت أو كذبت هذه الرواية، فمن الجلي أن الولايات المتحدة أرادت تعطيل التقرير بحجة تهيئة الأجواء لإنجاح جهودها لتحريك عملية السلام، فهل حصلت الجهة، مهما كانت، التي وقفت وراء تأجيل التصويت على قرار بشأن تقرير غولدستون إلى مارس على ضمانات كافية بحجم الأزمة التي سببتها، وهل ستنجح جهود واشنطن في وقف الاستيطان والبلطجة الإسرائيلية في القدس المحتلة ناهيك عن الانخراط في عملية السلام؟.

العدد 2589 - الأربعاء 07 أكتوبر 2009م الموافق 18 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً