العدد 270 - الإثنين 02 يونيو 2003م الموافق 01 ربيع الثاني 1424هـ

احتكار الحكومة أنشطة كثيرة يصادر الديمقراطية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

الحكومة في أي بلد يسمح لها باحتكار عدد من القضايا الحرجة لحفظ كيان البلد. فهي الجهة الوحيدة المخولة احتكار امتلاك الأسلحة، وهي الجهة الوحيدة المخولة احتكار عملية إصدار العملة الوطنية، واحتكار مثل هذين الأمرين مطلوب لوحدة كيان البلد ولا يعترض على ذلك أحد. ولكن الحكومة لدينا تحتكر أمورا كثيرة غير هذه الجوانب المعدودة على اليد. ومن الأمور التي تحتكرها صوغ القوانين وتنظيم المهن.

فالحكومة لديها دائرة قانونية، والبرلمان (حتى المجلس المعين أيضا) ممنوع عليه صوغ القانون، بل إن كل ما يستطيع فعله هو «اقتراح» القانون، وبعد المداولات تقوم دائرة الشئون القانونية التابعة للسلطة التنفيذية بصوغ القانون ثم ترجعه للمناقشات.

وهذا الاحتكار في صوغ القوانين ليس مساعدا للعملية الديمقراطية، وهو أيضا يفترض وجود عجز دائم وسرمدي لدى البرلمان عن القيام بهذا الدّور. والمفترض أن تكون لدى البرلمان دائرة قانونية تقوم هي بصوغ القانون وتتم مناقشته مباشرة. ولا داعي لارساله إلى الحكومة لصوغه.

ومن خلال خبرة شخصية مع قانون الصحافة والنشر الجائر فإنني أستطيع القول ان احتكار الحكومة صوغ القانون وصوغ تعديل القانون يعني امكان أي وزير تعطيل اي شيء حتى لو كان أمرا صادرا عن رئيس الوزراء. فقانون الصحافة الجائر كان المفترض انه تغير منذ أكثر من ستة أشهر ولكن العملية المتبعة أعطت (وتعطي حاليا) الفرصة لوزارة الاعلام لأن تؤخر وتماطل ولأن لا تستجيب لارشادات سمو رئيس الوزراء، فكيف الحال بالنسبة إلى أعضاء البرلمان المشغولين بقضايا أخرى والذين مازال عدد لابأس به منهم مشغولا بالمطالبة بترفيع المعاشات والعلاوات بدلا من الدفاع عن مصالح الناس.

وعلى الجانب الآخر فإن الحكومة تحتكر تنظيم المهن وتعطي لنفسها حق تحديد شئون المجتمع المدني من دون الأخذ برأي الناس. فالحكومة، إلى الآن ترفض، وبعد كل الوعود التي أطلقتها، منح الجمعيات المهنية (الأطباء، المهندسين، المحامين، الصحافيين... الخ) حق تنظيم المهنة الخاصة بهم، ما يعني أن تحويل الجمعيات المهنية إلى نقابات لا فائدة منه. فالنقابات هي التي تنظم المهنة ومنها تنبع الضوابط ويتم تشريعها برلمانيا (اذا تطلب الأمر) وتنفذها الحكومة. ولكن الراعي الأساس هو النقابة المهنية، وليس الحكومة. والمستغرب ان الحكومة لديها اصرار كبير على عدم السماح للجمعيات المهنية بعد اكثر من ثلاثة عقود من انشائها القيام بهذا الدور وكأنها ترى المهنيين غير مؤهلين وغير موثوق بهم لرعاية شئون مهنهم. واذا كان هذا هو الحال، فلماذا يتم تغيير اسم الجمعية إلى نقابة، فلتبق جمعية أو ناديا أو اي شيء آخر ولا داعي لتغيير الاسم من دون محتوى.

الحكومة أيضا تحتكر تحديد شئون الناس من دون رخصة منهم في أمور ينبغي للحكومة ألا تحتكرها.

مثلا، مازال الطلاب ممنوعين من اقامة اتحاد طلابي خاص بهم، وتقول الحكومة انها ستسمح لهم بذلك في يوم من الأيام ستحدده هي بنفسها. وهذا استصغار لشأن الطلاب الجامعيين الذين يبلغ عددهم زهاء 25 ألف طالب. هؤلاء هم أمل المستقبل واذا لم يتعلموا رعاية شئونهم ومصالحهم بأنفسهم فكيف سيخرجون إلى المجتمع بشهادات لرعاية شئون المجتمع؟! واذا كانت الحكومة لا تثق بهم فإن ذلك يفقدهم الثقة بأنفسهم كما ان ذلك مضيعة للوقت لأنه يعني ان الجامعة قاصرة عن تخريج طلاب يستطيعون القيام بدور صغير (رعاية شئونهم من خلال اتحاد طلابي) كما يشكل إدانة للجامعة وللحكومة قبل ان يشكل ادانة لطلاب البحرين.

الحكومة أيضا منعت الاتحاد النسائي من امور كثيرة تخص تنظيم الشأن النسائي الأهلي ولذلك فإن قيام الاتحاد من عدم قيامه لا يفرق كثيرا.

الحكومة احتكرت لنفسها قضايا مهمة تخص العمال والموظفين ونتج عن ذلك عدم قدرة الاتحاد العام لعمال البحرين على التصرف بوصفه اتحادا للنقابات، بل ان عمال وموظفي الوزارات منعوا من تشكيل نقاباتهم ولا تستطيع النقابات أو اتحادها القيام بأي شيء لأن الحكومة تحتكر الصلاحيات الاساسية وتستطيع تجاهل من تودّ تجاهله.

وفي وضع مثل وضع البحرين إذ يزداد عدد الوزارات بشكل مستمر يزداد الضغط على ايجاد وظائف (حتى لو انها غير مطلوبة) لجيش جرار من العاملين في الوزارات. وهذا لا يزعجنا لو كانت هناك اجراءات متطورة تؤتي ثمارها من خلال «حتمية القرار»، بمعنى ان اية معاملة يتم تسييرها واستخلاصها بحسب الاجراءات وان النتيجة تكون محايدة وسريعة بحسب المتطلبات السارية على الجميع من دون تدخل من السلطات العليا. فكثير من الناس والتجار وغيرهم يشتكون من انه ما لم يتم تحريك المعاملة من أعلى الهرم فإن الاجراءات المعقدة والتي تستهلك الوقت والجهد لا تحقق «حتمية القرار».

والمشكلة ايضا ان الذين يستطيعون الوصول إلى أعلى الهرم هم القلة القليلة من المجتمع، إضافة إلى ان الهرم لا يستطيع تلبية الأمور كلها لكثرتها ولتجمعها في القمة بسبب عدم صلاحية الاجراءات وبسبب المركزية الخانقة. كما أن المشكلة التي برزت أخيرا من خلال تجربة الصحافيين مع قانون الصحافة والنشر تتمثل في ان قرارات القيادة السياسية (في هذه الحال: توصيات لجنة تفعيل الميثاق بقيادة سمو ولي العهد، وتوجيهات سمو رئيس الوزراء بتعديل القانون قبل أكثر من ثمانية أشهر) لا يتم تنفيذها ويبدو ان المكنة الحكومية التي احتكرت كل القرارات وكل الاجراءات تستطيع ان تفعل ما تشاء من دون حرج ومن دون حساب، حتى لو كان ذلك على حساب سمعة البحرين، وحتى لو كانت في ذلك مخالفة صريحة لكل المواثيق الدولية وميثاق العمل الوطني والدستور وتوصيات لجنة تفعيل الميثاق برئاسة سمو ولي العهد وتوجيهات سمو رئيس الوزراء

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 270 - الإثنين 02 يونيو 2003م الموافق 01 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً