العدد 273 - الخميس 05 يونيو 2003م الموافق 04 ربيع الثاني 1424هـ

العلّة ليست في الجامعة العربيّة

فكتور شلهوب comments [at] alwasatnews.com

مثل كل مرة تعصف فيها حوادث وزلازل كبيرة بالمنطقة، نالت الجامعة العربية في الآونة الأخيرة، حصتها وأكثر من النقد والملامة، بل التحقير الذي بلغ حدود التهشيم احيانا. والزعم، كالعادة، انها عاجزة وغائبة، لا تنهض بأي دور أو مساهمة فعالة ومطلوبة لرد الاخطار والويلات عن الأمة، عندما تتعرض للتهديدات والاعتداءات، وكأن الأمور متوقفة على تحركها أو كأن لها اصلا القدرة والصلاحيات، ناهيك بالآليات اللازمة لمنع الخلافات العربية - العربية من التفاقم، أو لاستنفار الصف العربي وتحصينه ضد الاختراقات والاستباحات. واذا كانت هذه المؤسسة القومية اليتيمة قد تحولت منذ فترة الى مكسر عصا وفشة خلق؛ فإنها في المحنة الطاحنة الراهنة التي تعيشها المنطقة تتعرض لأكثر من ذلك، بحيث باتت مستهدفة بالشطب. مجرد وجودها، على ما يبدو، على تواضعه ورمزيته، لم يعد مرغوبا فيه. ربما لانه لا يتواءم مع التفصيلات والخرائط الجاري اعدادها للمنطقة والتي كانت فاتحتها في احتلال العراق. وإلاّ ما معنى الحديث والترويج لما يفيد بأن الجامعة العربية باتت كالنتوء الذي لا فائدة منه. أو كالعامل المفركش المعرقل، في الوضع العربي. ناهيك بالحملات على امينها العام؛ بزعم انه منحاز أو متجاوز لصلاحياته، فضلا عن محاولة تقزيم منصبه وبالتالي تعطيل أي دور له، مهما كان شأنه. صب في المجرى نفسه ورفده تهديد البعض بالانسحاب من الجامعة احتجاجا على ضمور وغياب العمل العربي. مع ان كل هذه الجهات، على اختلاف ذرائعها ومواويلها تعرف تماما ان العلة ليست في الجامعة كمؤسسة ولا كأشخاص، بل هي في التركيبة التي تشكل الجامعة مرآة لها ونسخة عنها. لا أكثر ولا أقل. ولان الأصل معطوب ومصاب بالخلل، فإن النسخة لابد وان تبدو معطوبة. لذلك اذا غابت الجامعة عن ساحة العمل وسكتت - وهي كذلك عموما - يقال عنها مقصرة، واذا تحركت يقول عنها البعض انها منحازة وتجاوزت حدودها. وبالتالي استلزم ردعها وتوبيخها.

في الساحة اليوم ثلاثة اصناف من المآخذ المتداولة على الجامعة: واحد يدخل في خانة التبسيط والتسطيح، يحسب اصحابه ان جامعتهم العربية صاحبة حول وطول في القرار العربي، لكنها مستنكفة عن لعب دورها، وبالتالي فهي تستحق القدح والذم لتقصيرها. وطالما يتساءل هؤلاء اين الجامعة وماذا فعلت؟ وكأنها اختارت التخلي عمدا عن النهوض بمهماتها المفترض انها منوطة بها.

الثاني يقع تحت عنوان المطالبين باصلاح الجامعة العربية. وتكثر الدروس في هذا المجال. فثمة من يرى ان المسألة تنظيمية هيكلية. وجرت في السابق محاولات لمعالجة هذا الجانب. وهناك من يرى ان الاصلاح المطلوب لا يستقيم من دون «تصحيح العلاقات» بين الدول العربية، الذي يحتاج بدوره الى تنمية «الثقة المتبادلة» عربيا التي لا تتوافر إلا بـ «إرساء العلاقات على المصارحة والشفافية»، وهذه الشروط تلزمها إقامة «حوار حر» متحرر من «المزايدات والاتهامات»، وإلاّ بقيت قرارات الجامعة من دون تنفيذ لأن الكثير من الدول العربية اعتادت الموافقة على هذه القرارات فقط «كي تتجنب المزايدة عليها، مع انها تضمر سلفا عدم الالتزام بها».

صحيح، كل هذه العناصر مطلوب توافرها. كما هي صحيحة الشعارات التي رفعها الامين العام السابق: «المصارحة قبل المصالحة»، والامين العام الحالي: «التعويب نحو تفعيل العمل العربي المشترك»، لكن هناك حلقة مفقودة. ذلك ان النوايا لوحدها مهما استقامت، لا تكفي. فلابد من الرابط الملزم. ومثل هذا العامل لا وجود له في ميثاق الجامعة. وكان ذلك مقصودا منذ التأسيس كي لا تكون هذه المؤسسة فاعلة. فهي، كما هو معروف، انشئت كصيغة وسط بين الترضية والطموح. ترضية أو ما يشبه للعرب الخارجين من تحت نير الاستعمار، كمكافأة - اذا صحّ التعبير - لهم على موقفهم المساند للحلفاء في الحرب العالمية الثانية. وفي الوقت ذاته صيغة تكون أقل من طموحهم في الوحدة. ولذلك جاءت مكبلة بثلاثة قيود جوهرية في ميثاقها: لا تؤخذ قراراتها الا بالاجماع. لا إلزام في التنفيذ. ولا تحديد لآلية يجرى اعتمادها للتطبيق.

اذا هي من الاساس بلا اسنان. وقامت كذلك عن عمد، لكي لا يأتي اليوم - كاللحظة الراهنة - وتكون فيه الجامعة العربية قادرة على شهر سلاح الوحدة في الموقف بوجه التحديات. وبذلك بقيت اقرب الى جمعية من المتطوعين. حتى الالتزامات المالية لأعضائها بقيت مزاجية، في الواقع. والازمة المالية التي تعيشها الجامعة العربية منذ عقود ليست سرا. مديونيتها على أعضائها تبلغ عشرات الملايين من الدولارات. وليس بيدها وسيلة لإجبار المتأخرين على التسديد. لكل ذلك وبسببه فإن ازمة الجامعة عضوية. وكذلك فعاليتها.

الصنف الثالث من المآخذ يتسلل من خلال الحديث عن التطوير بما بتلاءم مع الظروف والمستجدات، ليوحي ضمنا بأن الجامعة استنفدت اغراضها وما عادت تفي بالمطلوب. والتخوف ان يكون هذا المطلوب هو ما يجري التلميح اليه من تركيب محاور جديدة تتماشى مع إعادة تشريح وتقطيع مبيت للمنطقة، أو مع ما يسمى بـ «الشرق أوسطة» التي انتعش الحديث عنها أخيرا والتي كان شيمون بيريز أول من طرحها كبديل للجامعة، بحيث تضم «إسرائيل»، والبعض يقول ربما تركيا ايضا!

اذا كان المقصود، في الحصيلة، ان مؤسسة الجامعة العربية لم تعد قادرة الآن وأكثر من السابق، على تلبية الاغراض المرجوة منها في هذه المرحلة، فذلك ليس فيه افتراء على الحقيقة. لكن لتمكينها من النهوض بالمطلوب منها لابد من اجراء عملية جراحية لميثاقها يضعها في هذا الموقع، وهي عملية غير ميسورة الا اذا قرر «الأطباء» المعنيون الإقدام عليها. وهو قرار يجاور الاعجوبة في الظرف الراهن. اما اذا كان المراد من التشنيع بالجامعة ومحاولات تقزيمها، الاطاحة بها لأغراض تتراوح بين اقامة «شرق أوسطية» وبين تشجيع المزيد من التدهور في الوضع العربي، فإن المصلحة القومية تقضي عندئذٍ بضرورة التمسك بهذه المؤسسة، على علاتها التي هي في آخر المطاف، ليست سوى الصدى لعلل الوضع العربي

العدد 273 - الخميس 05 يونيو 2003م الموافق 04 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً