العدد 2311 - الجمعة 02 يناير 2009م الموافق 05 محرم 1430هـ

امتحانات البكالوريا اللبنانية ونجاح السياسيين زورا

محمد عبدالله محمد Mohd.Abdulla [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

كنتُ سأكتب اليوم عن غزّة فهو واجب مفتوح. لكنني أحلتُه إلى ما بعد غد، لأتمكن من تناول حديث لبناني ليس بعيدا عن مأساتها. وكان الدّاعي لذلك ما جرى بشأن المجلس الدستوري ونكوص بعض قيادات الرابع عشر من مارس/ آذار عن التوافق بشأنه، والحدّة التي أبداها البعض تجاه خطاب الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الذي ألقاه بمناسبة القصف الصهيوني لغزّة الباسلة.

في الديمقراطيات تصحّ النِّسَب ويصحّ التناسب. فالأحزاب التي تأتلف في حكومة واحدة (أو مُوحّدة) تَلِجُ وهي تحمل برامجها الخاصة في السياسة والأمن والاقتصاد. هي تتّحد ضمن مشتركات توافقية يتم إقرارها سلفا كتسويغ للائتلاف القائم.

في لبنان أعادت المعارضة بعد السابع من مايو/ آيار للديمقراطية «اللبنانية» قيمتها بعد استلابها من فريق المحور «الأميركي» أو كما يُحبّون أن يُطلق عليهم (في لبنان وخارج لبنان) بقوى الاعتدال العربي أمام قوى «التطرف».

فديمقراطية بلد كلبنان لا تصلُح لغيره. فهي تتقايس ليس على الطوائف فقط وإنما على فِعْلها أيضا. إذ لا يصحّ فيها تواجدّ المسيحي أو الدرزي أو السُّنّي أو الشيعي للاستحلاب فقط؛ وإنما بالتوافق عليه أيضا في الطائفة (طائفيا) وبين الطوائف (سياسيا).

فحكومة السنيورة (المُنضَّجَة) اليوم باتت تستجيب لأنوية الطوائف وفِعْلها في حدّها الأدنى على أقل تقدير. بل إنها أصبحت قادرة على الاجتماع بالأميركي والسوري والإيراني والسعودي في آن واحد دون غضاضة من أحد. وهو مستوى كان يُمكن الوصول إليه قبلا لولا رغبة (بعض) فريق 14 مارس لتذوّق ضربة على الخلف.

في كل ما جرى منذ أزيد من سنتين، أرى المقاومة اليوم في لبنان وقد أصبحت وازنة لحقيقتين. حقيقة الداخل وحقيقة الخارج. فهي تُواجه أيضا نصيبا من عداء الداخل المرتكز على هويات كولونيالية خارجية. فهو إذا جزء من كلٍّ يحمل صفاته بقفاطين مختلفة.

في موضوع كهذا يلزم الرجوع إلى الخلف خطوة «فرض». فأيّ وطنية هذه التي من خلالها وعبرها يتمّ طعن الوطن وهو في معركة تصدٍّ وتحرير؟! هذه الوطنية التي كانت تنادي المقاومة بأن السّلاح هو ضد المحتل وفقط، لكنها تكرّ مَيْلَة عليه (مع المحتل ومن يليه) وهو يشدّ أزره في معركة مصير! ثم تُعيّره إن جاء لتأديبها! كما كان يُشبّه ذلك المفكّر العربي البارز الدكتور عزمي بشارة.

وازن المقاومة (الداخلية) إذا هو في تشذيب السياسة المُختطفة من محاولة «تتفيه» الممارسة وجعلها حبلى بالمغامرات الكبرى عبر جرّ الشعوب إلى سواكن القوى الدولية المتحالفة مع مصالحها فقط وفقط. هذا الخطف والتتفيه أصبح كُوّة تسير من خلالها فرص تأزيم علاقات الطوائف والأحزاب مع بعضها البعض. والأكثر من ذلك هو توفير الفرص أمام خصوم أصليين في المنطقة والعالم والاستقواء بهم وبعصيّهم واستنساخ حكومة فيشي جديدة.

خلال عملية «الرصاص المُتدفّق» الصهيونية المشئومة ضد قطاع غزّة أعلنت الأحزاب الصهيونية مُجتمعة أنها ستُوقِف حملاتها الانتخابية دعما لجيش الدفاع الصهيوني في مواجهته لحركة حماس في القطاع. أمّا في لبنان فلم يبقَ حياء أمام (بعض) قوى الرابع عشر من مارس لثنيها عن ضرب المقاومة وقوى المعارضة من الخلف!. إنه أمر مُستهجن إلى أبعد الحدود.

لقد ظهرت أقسى أنواع العمالة المشهودة في التاريخ في لبنان؛ عندما كان جيش أنطوان لحد يُهشّم (بالآلة الصهيونية) رؤوس رجال الجنوب أمام أطفالهم ونسائهم. وعندما كان يُدير سجن الخيام (بالأقفال الصهيونية) حابسا الحرية عن مئات اللبنانيين ولمُدد طويلة، كان ذلك أيضا أحد أقسى أنواع العمالة التي تذوّقها البشر في الصراعات بين الدول.

في نُسخة مُحسّنة أخرى ظهر وخلال حرب تمّوز جانب من العمالة بسفاهة أكثر وحماقة أنكد. لم يعُد هناك أدنى درجات للخجل من قيام (البعض) بالالتحاف مع الخصم جهارا، وأبناء والوطن تتعفّر رؤوسهم بالتراب تحت الأنقاض. فأي وطنية هذه وأيّ وطنيين هؤلاء؟! وأين الزّلل في نعتهم بالخائنين الخانعين الصاغرين.

مشكلة قوى الثامن من مارس (أو المعارضة) أن اطمئنانها لبعض هؤلاء في كلّ ليّ ذراع أو زلّة بحجم ما اقترفوا كان ساذجا. كانوا يصمّون آذانهم وهم يرون هؤلاء يستأنسون بكل ضحية تسقط، وأشلاء تُذر في الطرقات، لإعادة إنتاج الشرعية السياسية والتعاطف معهم.

كان الصبر على هؤلاء أشبه بمدارات دُمَّلَة القُوباء التي تصيب الجسد حتى يتقشّر منه الجلد. فالنار تأتي من مستصغر الشّرر. كل قارئ للتاريخ يُدرك بأن هذه المجاميع على طول ذاكرة البشر لم تكن قادرة على صناعة أحداث تستحقّ الثناء. وإنما صانعة لقيم تهجير الوطن عن حقيقته ومُكوّناته وهويته.

فظهر بيتان في فرنسا ماسخا ملامح الثورة الفرنسية لصالح المد النازي. وظهرت حكومة الجنوب الفيتنامية ذراعا أعضبا للبي 52 الأميركية لقصف منطقة التخطيط الـ دي إم زد وسحق الشماليين. لكن التاريخ خلّد شارل ديغول على فيليب بيتان، ومكّن ألفيت كونغ على نجو دن ديم.

اليوم نرى إيراكلي الاسانيا حليف ساكاشفيلّي الوثيق ينضم إلى معارضيه في تبليسي. ونرى رئيسة الوزراء الأوكرانية يوليا تيموتشينكو تسحب الحبال كخصم مع رئيسها فيكتور يوشنكو. إنها العودة الحقيقية واللازمة لتصحيح المسارات السياسية في الدول التي تمّ تأهيلها للثورات البرتقالية.

تلك ليست مزايدات أو تعيير لأحد. إنها حقائق تظهر، وتتجلّى حينا بعد آخر. ولم يكن أبدا الحديث عن ذلك نابعا من نقع الذيل في متاهات المذاهب والآيدلوجيات. فليس إسلامية حزب الله في لبنان، أو إسلامية حماس في فلسطين، هي معيار قائم لتأييدهم، وإلاّ عُيّر اليساريون والقوميون على أنهم قد تحوّلوا إلى أئمة!.

وليس يسارية خالد حدادة في لبنان وقومية أحمد سعدات في فلسطين هي معيار تأييدهم، وإلاّ شُبّه الإسلاميون على أنهم قد تحوّلوا إلى ماويين أو ناصريين! إنه حديث جاف إن تمّ تحكيمه بتلك المعايير. الحديث كان ولا يزال عن خط مواجهة لكل من لديه هوى تغريب الأوطان «سياسيا» وإبعادها عن صِيَغ متطلبات الداخل والجيرة.

إقرأ أيضا لـ "محمد عبدالله محمد"

العدد 2311 - الجمعة 02 يناير 2009م الموافق 05 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً