العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ

الجامعة العربية: الخاص والعام

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هناك دعوات تطالب الجامعة العربية بعقد قمة لمناقشة البرنامج العربي بعد سقوط بغداد واحتلال القوات الأميركية للعراق. الدعوات تنطلق من مبدأ مشترك وهو ان تداعيات الحرب لا تقتصر نتائجها على بلاد الشام وقضية فلسطين فقط بل إنها طالت الأمن القومي للدول العربية مجتمعة... وبالتالي لابد من مناقشة المصير العربي على مستوى دول الأمة وعدم قصر اللقاءات على دول محددة ومختارة حتى لا تكون القرارات جزئية وجوابا على أهداف معينة.

مقابل هذه الدعوات هناك وجهات نظر مخالفة. وجهات النظر هذه تنطلق من فكرة ميدانية، وهي ان آراء الدول العربية في مسألة المصير المشترك لم تعد موحدة والدليل أن مواقف الأنظمة خلال فترة الاستعداد للحرب لم تكن مجمعة في سياق مشترك، كذلك افتقدت جامعة الدول العربية الإجماع من حيث قراءة الحرب واستحقاقاتها السياسية والدفاعية والاقتصادية.

بين الرأيين هناك كلام آخر يرى في موضوع الجامعة العربية إشكالية تنظيمية لا سياسية. ويطالب الرأي الثالث بإعادة النظر في بنية الجامعة حتى تكون رابطة واقعية هي أقرب إلى اللقاء الدوري يعزز مكانتها في إطار التنسيق العام بين مصالح الدول حتى لو كانت المواقف متضاربة وليست موحدة في مصيرها وأهدافها.

الرأي الثالث يميل إلى وجهة نظر تؤكد ضرورة المحافظة على الجامعة باعتبارها وعاء عربيا يربط الأقطار في منظومة ليست بالضرورة وحدوية ولكنها متفقة على الأقل على هويتها المشتركة التي تقضي باللقاء والتشاور. فالرأي الثالث يرجح فكرة تحديث بنية الجامعة العربية لا نسفها وبالتالي الإبقاء على الحد الأدنى من الجوامع المشتركة بعد أن أصبح مطلب الحد الأقصى من المستحيلات في ظل انقسامات تغلّب الجانب القطري على القومي، والإقليمي على الوحدوي.

وبين النسف والتحديث تأتي المسألة الأكثر أهمية، وهي: لماذا حصل ما حصل؟ وسؤال «لماذا» يفتح باب النقاش على كيف يمكن تدارك ما حصل؟! أو على الأقل كيف يمكن إصلاح الأعطاب التي برزت في المنطقة العربية وتحديدا بعد حرب الخليج الثانية (1990-1991).

لا شك في أن الوضع العربي بعد انهيار منظومة الدفاع المشترك في العام 1991 دخل في سياق مختلف أمنيا وسياسيا واقتصاديا (ونفسيا) عن ذاك السائد قبل ذاك التاريخ. هذا لا يعني أن السائد قبل 1991 كان على أفضل ما يرام من التنسيق والتفاهم. فالمعروف عن الدول العربية أنها تذهب إلى القمم للتشاور والاستماع وتوقع الاتفاقات وتلقي كلمات التضامن وتصوغ البيان الختامي وتنتهي «الوحدة» بفض اللقاءات والاجتماعات وتذهب كل دولة لحل مشكلاتها باستقلال شبه كامل عن غيرها من الدول.

إلا أن تلك السياسات العربية على رغم توزعها على أهواء الأنظمة ومشاربها كانت على الأقل تميل ضمنا إلى اللقاء العربي وتراعي في حدود معينة المشترك القومي ولا تفرط به. فالسياسات قبل العام 1991 (باستثناء زيارة الرئيس أنور السادات لـ «إسرائيل» وتوقيعه اتفاقات كامب ديفيد) كانت في مجموعها عربية وإن غلَّبت الكثير من الدول الجانب القطري وأحيانا الإقليمي على الجوانب العربية الأخرى.

اختراق الرئيس السادات للإجماع العربي كان الأول من نوعه على هذا المستوى القومي (فمصر أكبر دولة عربية وهي عاصمة جامعة الدول) إلا أن الاختراق الثاني الذي لم يعلن كان في تضارب مواقف الدول العربية من الحرب العراقية ـ الإيرانية. فاختلاف المواقف وزّع المشاعر وبعثرها على أكثر من محور الأمر الذي انعكس سلبا على القضية الفلسطينية حين غلبت الكثير من الدول شعار وقف الحرب على مسألة إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وإزالة آثار العدوان الصهيوني.

الاختراق الثالث كان الأهم وهو ذاك الذي حدث في 2 أغسطس/ آب 1990 وأدى إلى ما أدى إليه من اضطراب في المجموعات الإقليمية لجامعة الدول العربية. وخطورة الاختراق الثالث تكمن في أنه جاء في ظل تحولات دولية كبرى أدت إلى غياب الطرف الدولي المنافس للولايات المتحدة الأمر الذي أعطى الأخيرة أفضلية التدخل والتفرد في قراراتها وخطواتها... وهذا ما تم التقاط آثاره السلبية على بنية «النظام العربي» ومنظوماته الإقليمية.

منذ العام 1990 دخلت المجموعات العربية في اختبار أمني زعزع للمرة الأولى منذ تأسيس جامعة الدول منظومة الدفاع العربي المشترك ودفع الأقطار، وتحديدا تلك الدول العربية الصغيرة، إلى البحث عن مظلات دولية لحماية أمنها الوطني المهدد من دول عربية إقليمية تطمح إلى لعب دور يتجاوز حدودها السياسية. ومنذ العام 1990 يمكن القول إن الجامعة العربية أصبحت في موقع الضعيف وغير قادرة على ضبط تعارضات المصالح وتحديدا في الشأن المتعلق بالدفاع وما يتفرع عنه من حساسيات لها صلة بالأمن الوطني. ومن باب الأمن نجحت الدول الكبرى، وتحديدا الولايات المتحدة، في ربط مصالحها القومية العليا (النفط، خطوط الإمداد، المنافذ البحرية، المعابر الاستراتيجية، والطرق التجارية) بسقف سياسي يعتمد أسلوب الضغط لمنع انفلات الاستقرار وذهابه في اتجاه يتعارض مع المصالح الكبرى للولايات المتحدة.

وبسبب ضعف القدرات الدفاعية لمجموعة الدول العربية لجأت الأقطار الصغيرة إلى سياسة الانفراد في حماية نفسها باستقلال عن المظلة القومية التي انكشفت أمام الاختبارات الميدانية (فلسطين، الحروب العربية مع «إسرائيل»، وأخيرا ما عرف بأزمة الكويت)... كل هذه الأمور أحدثت تطورات عملية أضعفت الثقة بدور الجامعة العربية وعززت أهمية الاستعانة بالبدائل الدولية التي أثبتت قوتها في حرب الخليج الثانية.

انكشاف الجانب الأمني للمجموعة العربية كشف سلسلة نقاط ضعف في جسم مؤسسة جامعة الدول طاولت الكثير من المفاهيم المتداولة وطرحت البدائل وصولا إلى المطالبة بنسفها أو إلغاء دورها أو تحويلها إلى مجرد هيئة للتشاور تعقد اجتماعاتها عند اللزوم.

وتعززت التوجهات الداعية إلى التفريط بمؤسسة جامعة الدول العربية في الفترة الأخيرة حين تضاربت المصالح في تقييم استراتيجية الحرب الأميركية على العراق. وبعد وقوع الحرب ترسخت مجموعة من الأفكار المتعارضة، منها من يريد تجاوز المؤسسة وبعثرتها، ومنها من يريد الحفاظ عليها كما هي من دون تطوير أو تعديل يستوعب تلك الفروقات العربية، ومنها من يريد الإبقاء على المؤسسة كشكل من أشكال التضامن العربي بشرط أن يتم الاتفاق على تحديث بنيتها التنظيمية وآليات قراراتها حتى تكون أكثر مرونة في وعي تعارضات المصالح بين الدولة القطرية والأهداف القومية.

لا شك في أن دعوات النسف والإلغاء تشبه تلك التي تقول الإبقاء على الجامعة كما هي... بينما البحث عن صيغة عقلانية تضبط إيقاع مصالح الأقطار تحت مظلة قومية مشتركة هو الخيار المفضل في ظل عالم يتقارب ولا يتباعد.

والتقارب ليس عيبا أو ثقلا بل هو يلبي في جوانب منه الكثير من النواقص القطرية (الكيانية) ويغطي نقاط ضعف لم يعد العالم المعاصر يستطيع قبولها وتحديدا في منطقة تتمتع بمزايا استراتيجية وجغرافية وتاريخية قلّ اجتماعها في دائرة واحدة.

إلا أن التقارب يحتاج إلى وعي المصالح، والوعي يحتاج أيضا إلى تحديث... والأخير لا يحصل من دون عقل يلتقط لحظة مفارقة وهي: التوفيق بين المصالح الخاصة والمصلحة العامة. فالأولى لا تتعارض مع الثانية والثانية لا تلغي الأولى

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 276 - الأحد 08 يونيو 2003م الموافق 07 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً