العدد 295 - الجمعة 27 يونيو 2003م الموافق 26 ربيع الثاني 1424هـ

ذو الفقار... خاتمي في عين العاصفة الأميركية

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

يجمع كل من زار واشنطن خلال الـ 25 سنة الماضية من عمر التجربة الايرانية الدينية الحديثة وتكلم مع كبار مسئوليها في الشأن الإيراني، على أن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تجمع على الدوام على أن مشكلتها الأساسية مع طهران «خارجية» قبل أن تكون «داخلية»، بمعنى أن كل شيء داخلي خاص بإيران سواء تعلق بشكل وأسلوب نظام الحكم فيها أو طريقة تعامل الحكام مع شعبها فيمكن أن «نتسامح!» معها فيه إلا الموضوع الخارجي، وخصوصا عندما يكون الموضوع خاصا بالشرق الأوسط فإن الأمر يصبح في عداد المحرمات التي يمنع على غير أعضاء «النادي النووي» التداول فيها ناهيك عن التدخل فيها فكيف بالخروج على قرار «النادي النووي» بشأنها؟

من جهة أخرى فإنه ما من مبعوث أوروبي أو ياباني أو عربي زار طهران خلال الـ 25 سنة الماضية إلا وتحدث إلى الايرانيين بخصوص العلاقات الايرانية المقطوعة والمتوترة دوما مع الولايات المتحدة، وأبلغ الايرانيين صراحة أن واشنطن إنما تريد منكم انتزاع موقف معلن وصريح تجاه «إسرائيل» يقضي بأنكم لن تتحركوا ضد أمنها ولن تفعلوا ما من شأنه تعكير صفو أمن هذه الدولة المدللة والتي يحظى أمنها لدى كبار المسئولين الأميركيين ومن مختلف التوجهات بالحظوة المطلقة حتى أن أمنها أضحى يساوي أمن العالم مجتمعا بامتياز كما ذهبت أخيرا مستشارة الأمن القومي كونداليزا رايس.

من هنا ثمة من يقول ان واشنطن لم تكن يوما حريصة على حريات وحقوق الإنسان الايراني ولا هي الآن مهتمة بها، وسيان عندها من يحكم طهران «مستبد» أم «عادل» و«منصّب» كان أو «منتخب» لكنها لن تتسامح معه مطلقا بشأن الموقف الذي سيتخذه تجاه القضية الفلسطينية وأمن «إسرائيل»، حتى المنشآت النووية والأسلحة المتطورة لن تكون عائقا بوجه تطور العلاقات الثنائية بين واشنطن وطهران.

فالجميع لايزال يتذكر كيف أن واشنطن كانت متحمسة لتحويل إيران إلى مخزن كبير للأسلحة المتطورة، وكان تشوقها لبناء المنشآت النووية عندما كان على رأس الحكم في طهران حاكم يأخذ قراره الخارجي انطلاقا من تلاقي مصالح لندن وواشنطن، ولم يكن في بال واشنطن آنذاك أن تسأل عن حقوق الانسان الإيراني أو حريته في التعبير والتظاهر ومطالباته الديمقراطية، بل على العكس تماما فإنها كانت تدمغ كل من كان يتظاهر أو يصرخ مناديا بهذه المطالب بالشيوعية الحمراء المدمرة! أو بالرجعية الدينية المتحجرة! اللتين لا تريدان التقدم الايراني! والسبب في ذلك كما يعرفه الجميع هو أن نظام الحكم الايراني آنذاك كان من «عظام الرقبة» وكان يجد الحظوة لدى أعضاء النادي النووي الدولي، والأهم من كل ذلك أنه كان أحد رعاة المصالح الاسرائيلية الاقليمية في شوارع «دول الاطار» الحامية لـ «سرائيل» آنذاك: تركيا - إثيوبيا - إيران.

بينما اليوم تقول واشنطن لإيران - ويردد من ورائها الكثير من المنظرين الايرانيين ممن يتعشقون «عودة الأيام الخوالي الحسان» - إن لجوء ايران إلى المنشآت النووية وسيلة لتوليد الطاقة الكهربائية ليس سوى هدر لمصادر الثروة الوطنية في غير محله في وقت تملك فيه إيران من ثروة النفط والغاز ما يكفيها لصناعة الكهرباء، هذا في الوقت الذي تعرف فيه واشنطن تماما ان سكان إيران قد تضاعفوا عما كانوا عليه أيام تحميسها لشاه إيران للجوء الى بناء المنشآت النووية في حين لم تتغير مخزونات إيران النفطية والغازية بما يتناسب وحاجات إيران المعاصرة، أيضا ثمة من يقول من المحللين السياسيين المتبعين للسلوك الأميركي الغريب والمتناقض إن واشنطن هذه نفسها كانت وراء اسقاط حكومة ذو الفقار علي بوتو الوطنية في بداية السبعينات نتيجة اصراره على البدء بمشروع بناء المفاعل الذري الباكستاني فقط وفقط لأنه كان على علاقة جيدة وممتازة مع ياسر عرفات الفلسطيني، وكان يعتمد على الفرنسيين في مشروعه، ما دفع بواشنطن إلى اجهاض المشروع في مهده، بينما سمحت للمشروع بأن يرى النور ويتحول إلى قنبلة نووية «إسلامية» عندما اطمأنت إلى أنه تحت «السيطرة» أولا ولن يكون موجها ضد حليفتها أو ربيبتها «إسرائيل» وثانيا أن يلعب دورا في مهمة ردع المارد الهندوسي الذي كان متحالفا مع روسيا السوفياتية آنذاك.

أخيرا، الحديث ذو شجون في هذه الأيام عن احتمال تحول الصراع السياسي بين واشنطن وطهران إلى نزاع قد يتمظهر عسكريا على رغم احتمالاته الضئيلة، ولكن ما هو مهم في هذا السياق أن يفهم العالم مبكرا وقبل فوات الأوان أن معركة واشنطن مع طهران ليست من أجل حريات «حفنة» من المتظاهرين أو المحتجين ناهيك عن حقوق الطلبة والشعب الايراني مجتمعا مهما كانت هذه الحقوق والمطالب مشروعة وهي في غالبيتها مشروعة ومحقة، بل ان معركة واشنطن الحقيقية مع طهران هي بشأن الموقف من «اسرائيل»، وكبار المسئولين الأميركيين لا يتورعون عن قول ذلك صراحة في لقاءاتهم الخاصة مع كل من يزور واشنطن ليناقشهم في الشأن الايراني، وحدهم «الأوغاد» كما وصف هانز بليكس أخيرا بعض كتبة تقارير البنتاغون بخصوص الاتهامات الخاصة بأسلحة الدمار الشامل العراقية، فهم يريدون أن يروجوا وبأسلوب «الكذب الشامل» بأن معركة واشنطن مع طهران هي معركة حريات وأسلحة دمار شامل!

إنه ابتزاز رخيص يعرفه الرئيس الاصلاحي محمد خاتمي مبكرا، واكتشفه الكثير من رموز الاصلاح الإيراني خلال السنين القلائل الماضية، وبدأ يلمسه الطلبة وعموم الوطنيين الايرانيين أخيرا، وبقي أن ينتبه من غفوته من لايزال يحلم بتجربة عراقية أو أفغانية

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 295 - الجمعة 27 يونيو 2003م الموافق 26 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً