العدد 298 - الإثنين 30 يونيو 2003م الموافق 29 ربيع الثاني 1424هـ

الحزب السياسي ضرورة ديمقراطية

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

أصبح الحديث عن الحزب السياسي ملازما لطبيعة الحركة الإصلاحية ومؤشرا على مدى إمكان التحول إلى متطلبات السياسة في العصر الحديث. فتحويل الجمعية السياسية إلى حزب سياسي ليس تغييرا اسميا كما يوده البعض، كما كان الحال بالنسبة إلى توجه بعض الرسميين لتغيير اسم «جمعية المحامين» إلى «نقابة المحامين» ولكن من دون أن يتحول محتوى الجمعية إلى نقابة.

الحزب السياسي ليس كأي جهاز آخر؛ لأن الحزب يعتبر أهم أداة سياسية تتوافر لدى الناشطين على الساحة الاجتماعية - السياسية.

فالحزب يبدأ بالفكرة والخطة والاستراتيجية التي يتفق عليها المنتمون إلى الحزب. وبعد ذلك فإن الحزب يمتلك جهازا تنظيميا يعمل بـ «دوام كامل» ولديه وسائل الاتصال بجميع الأعضاء والقواعد والأنصار لتوجيههم بحسب الخطة المتفق عليها حزبيا. وهذا الجهاز التنظيمي له صلاحيات وقدرات فاعلة مثله مثل أية هيئة تنفيذية أخرى. وفوق ذلك كله فإن الجهاز التنظيمي يأتمر بأمر قائد الحزب المنتخب الذي يستطيع ضبط الأمور بحسب الصلاحيات القيادية الممنوحة له ويستطيع تجميد عضوية من يشاغب او يحاول منع تحقيق الخطة التي طرحها القائد أمام المؤتمر وتمت الموافقة عليها. كما يستطيع توجيه الطاقات والإمكانات بشكل حاسم يوازي الحسم المتوافر لدى وزير أو رئيس هيئة تنفيذية، مع فارق أن سلطات قائد الحزب تنفذ داخل الحزب أساسا.

ولهذا السبب فإن «الحزب السياسي» لديه صفات خاصة، وبعض المفكرين لا يعتبر التنظيم السياسي جزءا من المجتمع المدني، لأن مؤسسات المجتمع الأهلي تقوم على «الطوعية»، بينما الحزب يتعدى تلك المرحلة ويقترب من وضع الحكومة (ولو أن ذلك داخل جماعة محددة فقط). الحزب السياسي ليس جمعية طوعية، ومطالبة الناشطين بالتحول إلى حزب سياسي لا يعني تغيير اسم «الجمعية الوطنية» إلى «الحزب الوطني» مثلا، وإنما يعني إمكانية هذا الحزب امتلاك جميع وسائل التخطيط والالزام والضبط والمتابعة من أجل الوصول إلى هدف محدد أعلنه قائد الحزب أمام المؤتمر العام ووافق الأعضاء عليه ومنحوه صلاحيات واسعة لتسيير الأمور عبر جهاز تنظيمي «صارم» يعمل بدوام كامل في مقر قيادة الحزب.

كثيرون هم الذين يتحسسون من الحزب السياسي. فالحكومات عادة لا تود وجود أجهزة سياسية تسعى إلى التأثير عليها، وربما أخذ مكانها فيما لو سنحت الفرصة. وفي وضعنا البحريني فإن الحزب السياسي ليس لديه الإمكان للوصول إلى الحكومة؛ لأن الحكومة تقوم على التعيين وليس الانتخاب، فلذلك لا ينبغي التحسس من وجود الحزب من جانب الحكومة.

التنظيمات التقليدية القائمة على أساس الانتماء إلى القبيلة أو الانتماء إلى المذهب أو الانتماء إلى الإثنية تتحسس من الحزب، لأن الحزب يقوم على أساس «روابط فكرية» تفكر في «مستقبل» البلد بينما الروابط القبلية والمذهبية والإثنية تقوم على أساس «روابط العصبية» التي تفكر في «ماضي» القبيلة والمذهب والأصل أكثر مما تفكر في اية أمور أخرى. على هذا الأساس، فإن التنظيمات القبلية والمذهبية والإثنية استطاعت السيطرة على الحزب الحديث في كثير من البلدان. ففي كثير من بلداننا الشرق - أوسطية تقرأ اسم «الحزب الاشتراكي»، ولكن الواقع هو أن هذا الحزب للذين ينتمون إلى هذه الطائفة أو تلك القبيلة فقط. وأفضل مثال على ذلك لبنان الذي تحمل الأحزاب فيه أسماء وطنية عامة، ولكن كل حزب يتبع طائفة محددة لا غير.

الإسلاميون تبنوا فكرة الأحزاب بعد انهيار الدولة العثمانية، بدءا بالإخوان المسلمين؛ فالإخوان المسلمون «أسلموا» مفاهيم الحزبية، وتبعهم بعد ذلك «حزب التحرير» و«حزب الدعوة» (والحديث هنا مقصور على البلاد العربية)، إلا أن هذه الأحزاب واجهت مقاومة من هيئات علماء الدين. وبينما استطاعت حركة الإخوان المسلمين الانتصار لرأيها في أوساطها في بعض الامور الحساسة، لم يستطع «حزب الدعوة» التخلص من معارضة كثير من علماء الدين في أوساطه. فحزب الدعوة اضطر عدة مرات إلى تغيير استراتيجيته ووجد نفسه قادرا على اجتذاب الشباب الجامعي أكثر من علماء الدين، واضطر إلى تخصيص المواقع القيادية لعلماء الدين وإبعاد الجامعيين لصد الهجمات ضده، ولكنه وقبل أن تواجهه السلطات الحاكمة في أماكن وجوده (سواء كان في العراق أو في الخليج) كانت بعض أوساط علماء الدين ترفض وجود حزب سياسي يمتلك صلاحيات واسعة ويسيّر الشئون العامة خارج الإطار المتعارف عليه تقليديا بين علماء الدين.

وعليه فإن المطالبة بالسماح للأحزاب السياسية ينبغي أن يفهم من جوانبه المختلفة. فليست الحكومة تتحسس من وجود أحزاب منظمة تنظيما قويا فقط، ولكن جهات أخرى كثيرة وفاعلة لديها حساسية من وجود التنظيم السياسي. هذا طبعا إذا كنا نتحدث عن الحزب السياسي بمفهومه المتعارف عليه دوليا. أما إذا كان مفهوم الحزب من أجل الشعار والرسميات فقط، فالأمر لا يعدو أن يكون شكليا.

إننا مع السماح بقيام الأحزاب السياسية شريطة أن نعي متطلبات العمل الحزبي وشريطة ألا تكون الأحزاب قائمة على روابط غير فكرية (مثل الروابط القبلية أو الطائفية أو الإثنية) لأن الحزب إذا قام على أساس غير شامل لكل الوطن فإنه قد يضر بنسيج الوحدة الوطنية. ومن الأمور المطروحة في الساحة الإسلامية على الخصوص قضيتان تتطلبان المعالجة الجذرية: الأولى، هي إمكان تخطي الحدود المذهبية. والثانية، عدم الاصطدام بمؤسسة علماء الدين. في العالم الإسلامي (بصورة عامة) لم يتحقق هذا الأمر - لحد الآن - باستثناء فترة وجيزة قبل أكثر من خمسين عاما.

إن علينا جميعا أن نعي حقيقة ما نطالب به، لكي نحسن الاستفادة منه عندما نحصل عليه، ولكي لا تنقلب الأمور إلى نتائج سلبية

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 298 - الإثنين 30 يونيو 2003م الموافق 29 ربيع الثاني 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً