العدد 300 - الأربعاء 02 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الأولى 1424هـ

إعادة إعمار العراق بين الوعود الأميركية والمقاومة العراقية

على رغم الوعود الاميركية الوردية بشأن إعادة إعمار العراق وفق اقتصادات السوق الحرة تبدو تلك المهمة أمرا شبه مستحيل في ضوء تهالك البنى التحتية للاقتصاد العراقي لاسيما غياب آليات ابرام الصفقات كالجهازين المصرفي والقضائي وارتفاع معدلات البطالة بصورة لم يسبق لها مثيل وتصاعد عمليات المقاومة في مواجهة قوات الاحتلال الاميركية

ويرى محللون اقتصاديون اميركيون أن الادارة الاميركية في العراق لاتزال تتلمس طريقها لاتخاذ القرار المناسب بشأن بدء عمليات إعادة اعمار تلك الدولة التي انهكتها الحروب طيلة الاعوام العشرين الماضية.

واشار المحللون الى ان قطاعا كبيرا من العراقيين يفتقرون الى ادنى مقومات الحياة العادية كالمياه والكهرباء والوظائف والرواتب اضافة الى غموض الوضع بالنسبة إلى الادارة الوطنية المناط بها ادارة البلاد.

وقال المحلل الاقتصادي الاميركي جيرمي كون ان عددا كبيرا من العراقيين باتوا يشعرون بأن أوضاعهم المعيشية تدهورت بدرجة أكبر مما كان عليه الحال ابان حكم الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين.

واضاف ان الادارة الاميركية في العراق ينبغي لها الاسراع في عملية اعادة الاعمار وتوفير المزيد من فرص العمل للعراقيين لخفض معدلات البطالة. وأوضح ان المشكلة الحالية تكمن في ملايين الاشخاص الذين كانوا ينتمون الى حزب البعث العراقي والذي قرر الحاكم الاميركي بول بريمر حرمانهم من العمل في القطاع العام والحكومي، ما سيزيد من طابور العاطلين.

وقال المحلل الاقتصادى الاميركي جيرمي كون ان الادارة الحاكمة في العراق لا ينبغي عليها حرمان جميع الاعضاء المنتمين إلى حزب البعث من الوظائف لأن ذلك سيكون خطأ فادحا يتسبب في عدم استقرار البلاد بسبب ملايين العاطلين.

وأشار الى ان الحاكم العسكري الاميركي في العراق بول بريمر ومعاونيه يمكنهم الاستفادة من الخبرات المستمدة من عمليات اعادة اعمار المانيا واليابان بعد الحرب العالمية الثانية ودول شرق أوروبا بعد انهيار الشيوعية إذ لم يتم استبعاد جميع الاعضاء المنتمين إلى الحزب الشيوعي.

وفي محاولة لاحتواء الغضب الشعبي وافق بريمر أخيرا على دفع الرواتب المتأخرة لنحو 250 ألف جندي عراقي في الجيش السابق الذي صدر قرار بتسريحه.

ويرى الخبير الاقتصادي البريطاني جاكوب أونيل ان عدم الاستقرار الأمني وغياب وسائل الاتصال يعرقل عمليات اعادة الاعمار وخطط التوجه تجاه السوق الحرة.

وقال ان الادارة الاميركية الحاكمة في العراق ينبغي لها ان تسعى الى اعادة بناء النظام المصرفي العراقي المتداعي والسيطرة على الارتفاع في الاسعار من دون حدوث زيادة في التضخم وصوغ الخطط اللازمة للبدء في خصخصة المؤسسات العامة العراقية كالمصارف وشركات السجائر وغيرها.

وأشار الى ان مشكلة البطالة تتفاقم، إذ توضح الاحصاءات ان معدل البطالة قفز الى 38 في المئة في العراق.

وتشير الاحصاءات الى ان الاقتصاد العراقي الذي كان نموذجا يحتذى في التنمية في العالم النامي خلال حقبة السبعينات شهد تراجعا شديدا خلال الاعوام العشرين الماضية نتيجة الحروب التي خاضها النظام العراقي والعقوبات الاقتصادية التي فرضت على هذا البلد بعد غزوه الكويت العام 1990.

وانخفض الناتج المحلي الاجمالي الى 25 مليار دولار العام الماضي، أي أقل من خمس الناتج المحلي الاجمالي الذي كان سائدا في العراق العام 1979.

وعلى رغم التوقعات التي اشارت الى ان العراق سيحصل على عائد يقدر بنحو 18 مليار دولار مقابل صادراته النفطية للاسواق الخارجية العام الجاري، ترى مؤسسات دولية كالبنك الدولي ان اعادة بناء البنية التحتية العراقية سيتكلف ثلاثة اضعاف ذلك المبلغ.

ويعاني العراق من مشكلة المديونية الخارجية التي تفاقمت نتيجة الحروب المتوالية التي خاضها النظام العراقي السابق والتعويضات المفروضة للدول المتضررة من تلك الحروب إذ تقدر مصادر اقتصادية اميركية تلك الديون بنحو 380 مليار دولار.

وأكد المسئول الاقتصادي الاميركي في العراق بيتر كاكفيرسون الذي شغل منصب النائب السابق لوزير الخزانة الاميركي انه يوجد ارتباط وثيق بين الحرية السياسية والحرية الاقتصادية. وأضاف أن المشكلة تكمن في ان العراقيين عاشوا فترة طويلة في ظل الدعم الحكومي للاسعار لذلك ينبغي زيادة الأجور كلما زادت الاسعار وهو ما ينذر باحتمال تفاقم مشكلة التضخم.

ويمثل غياب الحكومة الوطنية التي يمكنها ابرام صفقات النفط مع الشركات الاجنبية إحدى المشكلات التي تعرقل امكان تطوير حقول النفط العراقية وزيادة العائد المتوقع من الصادرات النفطية اضافة الى عودة العراق لاعبا رئيسيا في سوق النفط العالمية.

وقال بيتر جولدمان ان غياب آليات ابرام الصفقات النفطية وندرة البيانات المتوافرة عن الحقول العراقية المتدهورة يضعف احتمالات صوغ الخطط اللازمة للاستفادة من النفط في اعادة اعمار العراق.

ويرى نائب رئيس شركة توتال الفرنسية والمعني بإدارة الشرق الأوسط في الشركة الان ليشفولار ان عددا كبيرا من الشركات العالمية ستسعى إلى ضخ استثمارات ضخمة في قطاع النفط العراقي فور تشكيل حكومة وطنية معنية بشئون الأمن والاستقرار بتلك الدولة التي انهكتها الحروب والنزاعات طيلة الاعوام العشرين الماضية.

الا انه توقع عدم اقدام أية شركة كبرى بما فيها الشركات الاميركية والاوروبية على ضخ أموال طائلة لتطوير الحقول العراقية قبل مرور عامين على الأقل مشيرا الى ان الشركات العالمية تترقب استقرار الاوضاع في العراق.

وأضاف انه لا توجد شركة مهما تكن جنسيتها على استعداد لضخ استثمارات تقدر بنحو خمسة مليارات دولار في ظل حال الغموض بشأن مستقبل العراق مشيرا الى ان الشركات العالمية تحرص على دراسة بيئة الاعمال قبل اتخاذ قرارها بالاستثمار في أية منطقة اضافة الى تقييم المكاسب والمخاطر التى يمكن أن تواجهها.

ويرى خبراء اقتصاديون غربيون مثل روبرت جولدمان ان إعادة تأهيل البنية النفطية العراقية سيدفع عددا كبيرا من الشركات العالمية لاتخاذ قرارات تتعلق بالاستثمار في قطاع النفط العراقي. وقال جولدمان ان 15 حقلا عراقيا فقط من اجمالي 73 حقلا نفطيا بالعراق يمكن ان تعمل حاليا الامر الذي يتطلب ضخ مليارات الدولارات لتطوير الحقول التي تعاني من التدهور الشديد ولاسيما الحقول الكبرى مشيرا الى أنه لم يتم التوصل الى اكتشافات جديدة منذ العام 1980 نتيجة الحروب التي خاضتها.

واضاف ان حربا خفية ستنشب بين الشركات الغربية للحصول على نصيب من الكعكة النفطية العراقية وخصوصا الحقول التي توجد في الصحراء الغربية البعيدة والتي تشير التقديرات الى أن احتياطيات النفط الخام بها تبلغ حوالي 100 مليار برميل.

ويتوقع مركز «بي إف سي» لأبحاث الطاقة الذي يتخذ من واشنطن مقرا له أن يصل الدخل الناتج عن صادرات النفط العراقية الى حوالي 15 مليار دولار كحد أقصى في عامي 2004 و2005 نتيجة تدني البنية النفطية العراقية.

وقال محللون اقتصاديون في مركز «بي اف سي» لأبحاث الطاقة ان ايرادات الصادرات النفطية العراقية وحدها لن تكون كافية لمواجهة احتياجات التنمية واعادة الاعمار خلال الأعوام الاربعة المقبلة.

واشاروا إلى أن الولايات المتحدة سترتكب خطأ اذا اعتقدت ان صادرات النفط العراقية يمكن ان تفي بمتطلبات عملية الاعمار.

وأوضحوا ان الولايات المتحدة ينبغي لها البحث عن مصادر أخرى لتمويل عملية اعادة الاعمار في العراق منها الحصول على قروض من مؤسسات التمويل الدولية كصندوق النقد والبنك الدوليين ومستثمرين اجانب.

ومن جهة أخرى طالبت شركات روسية وفرنسية وصينية الولايات المتحدة باتاحة الفرصة امام الشركات للمساهمة في تنفيذ خطط اعادة تأهيل البنية النفطية العراقية التي تضررت بشدة خلال السنوات العشر الاخيرة بسبب العقوبات الاقتصادية الدولية التي فرضت عليها بعد نهاية حرب تحرير الكويت العام 1991 اضافة الى الحرب الانجلو - اميركية الاخيرة على تلك الدولة العربية.

وقال المحلل الاقتصادي جيم بلاك إن غياب الحكومة الممثلة للعراق التي يمكنها توقيع العقود تمثل عقبة كبيرة في طريق اصلاح البنية النفطية العراقية مشيرا الى أن الشركات تحتاج للتعامل مع ادارة عراقية معنية بشئون النفط ونظام مصرفي قوي بدلا من النظام المنهار حاليا لاتمام الصفقات.


حشود الشركات العالمية تستعد لغزو العراق

واشنطن - رويترز

تدفقت شركات أميركية وأجنبية على مؤتمر للمستثمرين من القطاع الخاص في العراق يوم الثلثاء سعيا للحصول على فرص عمل في سوق مغلق حتى الان تهيمن عليه شركات أميركية كبرى.

وشارك معماريون من إيطاليا وشركات نفط من تونس والسعودية وشركات زراعية وشركات اتصالات وعشرات من الدبلوماسيين ضمن اكثر من 500 شخص يبحثون عن معلومات بشان مشروعات إعادة البناء وفرص الحصول على عقود من الباطن.

وحصلت الشركات الأميركية على معظم الاعمال حتى الان سواء عن طريق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية او مكتب المشتريات في وزارة الدفاع الأميركية «البنتاجون».

وقالت ايكويتي انترناشيونال الشركة الخاصة التي نظمت المؤتمر إنه جرى حتى الآن تخصيص 4,9 مليار دولار من تمويل أميركي وأجنبي لإعادة بناء العراق وتمثل الاموال الأميركية اكثر من الثلثين.

ويأمل كثير من المشاركين في المؤتمر في الحصول على بعض عقود الباطن المربحة والمشاركة في المخاطر عن طريق إقامة علاقات شراكة.

ويستعد آخرون للمرحلة الثانية إذ يتوافر مزيد من الاموال لإعادة إعمار العراق بعد مؤتمر للدول المانحة من المقرر عقده في سبتمبر/ايلول المقبل.

وجاء المهندس المعماري الايطالي دانتي سالمي إلى واشنطن بحثا عن فرص عمل في العراق له ولغرفة التجارة التي يمثلها في تورينو بايطاليا وقال «نأمل أن نبرم اتفاقات هنا تساعدنا حين تتوافر مبالغ اكبر من المال للعراق».

وقال ديفيد تشابلن من شركة ستيوارت اند ستيفنسون للتكنولوجيا والمعدات في تكساس إنه تعلم درسين من المؤتمر.

واستطرد «أولا هناك كثير من المخاوف وعدم الامان وثانيا اتضح لي أنه ينبغي لنا أن يكون لنا حضور على الأرض حتى نحرز أي تقدم هنا».

وقال روبرت ميل وهو محام من واشنطن يمثل عددا من الشركات تبحث عن فرص عمل إن أحد مصادر التمويل الرئيسية أموال عراقية صودرت وهي تعامل عند التخصيص «بشكل أقل رسمية» من أموال الوكالة الأميركية للتنمية الدولية التي تأتي من دافعي الضرائب الأميركيين.

ورسمت وكالات المعونة وغيرها من الوكالات العاملة في العراق صورة واقعية للوضع وقال تشارلز ماكورماك إن الأمن لا يزال التحدي الرئيسي

العدد 300 - الأربعاء 02 يوليو 2003م الموافق 02 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً