العدد 302 - الجمعة 04 يوليو 2003م الموافق 04 جمادى الأولى 1424هـ

مهمات إضافية

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

طلب الحاكم الإداري في العراق بول بريمر قوات إضافية لتعزيز حجم الجيش الأميركي. الطلب جاء بذريعة ملاحقة المقاومة المتصاعدة والممتدة ضد مراكز ومواقع ودوريات قوات الاحتلال. المسألة إذا خطيرة فهي تدل على ضعف الاحتلال وعدم قدرته على ضبط الفوضى ووضع حد لما تسميه الإدارة الأميركية بالانفلات الأمني الذي تحمل مسئولية حصوله فلول النظام أو الأجانب.

هذا جانب من الصورة. الجانب الآخر ربما يخفي سلسلة أهداف أخرى تتعدى حدود العراق. فالطلب كما يظهر من نداءات بريمر هو للرد على حاجات داخلية إلا أن تعزيز القوات بجيوش إضافية ربما يعطي فرصة جديدة للبيت الأبيض لاستخدام القوات وقت الحاجة في عمليات خارج الحدود أو حين تقرر إدارة الرئيس جورج بوش الانتقال إلى تنفيذ حلقة جديدة من استراتيجية «الحروب الدائمة».

الهدف المعلن من وراء طلب زيادة القوات ليس بالضرورة هو العنصر الضاغط على الإدارة الأميركية، فهناك كما يظهر من وراء تداعيات الحرب سلسلة أهداف أخرى تكشف تباعا عن الاستراتيجية الحقيقية للكتلة الحاكمة في واشنطن. فكل يوم يطلق المسئولون في البيت الأبيض تصريحات جديدة لا صلة لها بتلك الأقاويل التي سبق ورددتها الإدارة قبل الحرب على العراق. فهناك كما كشفت الكثير من المصادر إجراءات تتجاوز حدود بلاد الرافدين لتصل إلى محيط تمتد دائرته من أفغانستان إلى فلسطين. وهذه الدائرة تحتاج إلى قوات ضخمة لا تكفي تلك الموجودة في العراق على تحقيق خططها وأهدافها. فالمسألة لم تعد مسألة «أسلحة دمار شامل» و«تحرير العراق من الاستبداد» ولا «ضمان أمن «إسرائيل» من تهديدات دول الجوار» فهناك أيضا المزيد من الأهداف التي لها صلة بتغيير شخصية المنطقة والتدخل في شئونها وثقافاتها وبرامجها التعليمية وغيرها من قضايا تمس أسس التوازن التاريخي الذي ورثته المنطقة منذ زمن بعيد.

وحتى تنجح الاستراتيجية الأميركية في تحقيق هذه الأهداف البعيدة المدى لابد لها من السيطرة أولا على مصادر الثروة وتحديدا مراكز انتاج الطاقة (النفط والغاز). فالسيطرة على هذه المادة الحيوية تسهل على واشنطن عملية التحكم في توجيه سياسات المنطقة وإدارة حركتها نحو الوجهة التي تريدها.

ومن يراقب التحركات الأميركية بعد ضرب العراق واحتلاله يلاحظ أن سلسلة الخطوات التي أقدمت عليها واشنطن تتراوح بين الترغيب والترهيب. إلا أنها في مجموعها تهدف في النهاية إلى تفكيك النظام الإقليمي القائم حاليا والسيطرة عليه من خلال إعادة بناء أعمدته الجديدة وتكييفها وفق التصورات العامة للأهداف الأميركية.

عمليات السيطرة على النظام الإقليمي ( العربي وغير العربي) تسهل عملية السيطرة على مصادر الثروة. والسيطرة على مصادر الطاقة تساعد على عمليات التحكم بالانتاج والأسعار والاستهلاك والاشراف على انفاق الثروة من نوع استخدام الفائض في الأموال في إعادة بناء ما دمرته آلة الحرب أو ما ستدمره الحروب (العسكرية والأهلية) لاحقا.

المعركة إذا ليست من أجل «حقوق الإنسان» و«الحريات العامة» كما يقال في التصريحات المتعارضة التي تطلقها الإدارة الأميركية. هذا الكلام مجرد تغطية لأهداف أخرى لها صلة بالسيطرة على النظام الإقليمي الذي منه يمكن التحكم بمصادر الطاقة وطرق امداداتها وأوجه إنفاقها. وفي حال نجح هذا الجانب من المعركة غير المعلن تسهل لاحقا عمليات توجيه الاقتصادات العربية... وأيضا الدولية وتحديدا أوروبا التي تعتبر المنافس الحقيقي للولايات المتحدة.

يرى البعض أن ربط اقتصادات المنطقة العربية بالسوق الدولية خطوة جيدة ويحذر في الآن من خطورتها في حال تمت في سياق تآكل الثروات المحلية والتحكم بمصادرها وأوجه إنفاقها. هذه القراءة بحاجة إلى تدقيق.

فالربط بين الأسواق العربية والأسواق الدولية مسألة حاصلة منذ فترة طويلة. ففي النهاية كل الأسواق مترابطة وتحتاج إلى بعضها بعضا. فالتدويل ليس مسألة مختلقة حديثا وانما هو جزء من تطور الاقتصادات العالمية وتداخل مصالح الدول وتقارب نماذجها (أساليب الانتاج والمبادلة والتسويق). الجديد هو انتقال علاقات التدويل من الاقتصاد إلى السياسة واشتراط وجود أنماط محددة من الثقافات كأساس لاستكمال عمليات الربط بين الاقتصادات المحلية والسوق الأميركية مثلا. وفي هذا المعنى تحمل خطوات الربط مخاطر سياسية في المستقبل لأنها تحد من هامش الاستقلال وتضع السيادة الوطنية تحت رقابة القوات العسكرية في هذه المنطقة أو ذاك البلد.

الاقتصادات العربية مثلا فقدت ومنذ زمن بعيد الكثير من خصوصياتها. ومعظم الأسواق العربية ارتبطت في عمليات انتاجها واستهلاكها (وحتى إنفاقها) بحاجات الأسواق الدولية وتراجعت نسبة صلتها بالحاجات الوطنية إلى حدها الأدنى. كذلك باتت الاقتصادات العربية على أنواعها واختلافاتها أقرب إلى تلبية حاجات الأسواق الدولية من اقترابها إلى بعضها بعضا. فالأسواق العربية ارتبط انتاجها المحلي بحاجات السوق العالمية منذ فترة بعيدة وابتعدت أكثر فأكثر عن بعضها من جهة وحتى عن تلبية متطلبات سوقها الوطنية (المحلية) من جهة أخرى. وعلى هذا القياس الاقتصادي (الانتاج والسوق) يمكن تفسير فشل تجارب الدولة الوطنية وضعف صلاتها بشعبها وكذلك يمكن فهم تراجع الأخوة العربية (العلاقات) وعدم نجاح الجامعة العربية في تطوير أو تحقيق نظريات السوق العربية المشتركة أو وحدة النقد العربي وغيرها من سياسات تتعلق بالأمن والدفاع والجمارك وحتى السياحة العربية.

المسألة إذا كبيرة وتتعدى حدود العراق، وربما تتعدى حدود السيطرة على النظام الإقليمي (العربي وغير العربي). لذلك فإن طموح الإدارة الأميركية لا يقتصر على العراق وضبط الفوضى (التي يتحمل مسئوليتها الاحتلال) وملاحقة المقاومة. فهناك لاشك من وراء طلب التعزيزات الكثير من الأهداف التي سيعلن عنها تباعا وحين تصبح الظروف جاهزة.

رفض الشعب العراقي للاحتلال أو للوجود الأجنبي مسألة عادية ومفهومة، أما طلب المزيد من القوات بذريعة تثبيت الاحتلال فهو أمر بحاجة إلى توضيح وإزالة الملابسات التي تحيط به. فتحت ذريعة الفوضى وعدم قدرة القوات على احتواء عناصرها وأطرافها تستقدم القوات الإضافية. وحين تكتمل العدة والعتاد يرجح أن يعاد استخدام التعزيزات في مهمات إضافية. وهذا هو المعنى المقصود من نظام عربي جديد

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 302 - الجمعة 04 يوليو 2003م الموافق 04 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً