العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ

الوطنية لا تتجزأ... والسارق عدو للوطن

سيد ضياء الموسوي comments [at] alwasatnews.com

تلك حقيقة واقعية وهي أن العالم العربي بحاجة إلى جرعات كبيرة من الحرية كما تحتاج الصحراء إلى فيضانات من المياه لتخصيبها وإلى مزيد من الديمقراطية الواقعية، هذا إذا أردنا أن نصل إلى واقع مرضٍ، وحياة قائمة على الإبداع، أما إذا أردنا من الديمقراطية أن تكون حاجبا أو «تاكسي تحت الطلب» فذلك لن يحقق لنا إلا مزيدا من التذبذب والانفصام وعدم الانسجام مع الذات، وهنا نقع ضحايا عقدة الشيزوفرينيا والانفصام السياسي.

كثير من الشباب المتعلم يسأل: هل أعطى الله الغرب عقولا وأعطانا كروشا؟ فراحوا يفكرون بعقولهم ونفكر ـ نحن العرب ـ بكروشنا! لماذا تقدموا؟ لماذا هم تصالحوا مع بعضهم بعضا؟

أسئلة وجيهة ولكن كل ذلك يرجع إلى طبيعة العقل العربي والثقافة الشرقية القائمة على عبادة الذات. يقول فيليب عن تاريخ العرب: «كانت شوارع قرطبة تضاء وتمتد الإضاءة إلى ميلين أو ثلاثة خارج البلد في الوقت الذي كان المرء يخرج من بيته في باريس فتغوص قدماه في الوحل»، هكذا كنا ولكن كيف أصبحنا؟

هذا الكلام هو زادنا الذي بقينا نعيش عليه سنين... كان أجدادنا كذا، وكان تاريخنا مليئا بالإنجازات، أما أين نحن اليوم وإلى أين وصلنا فإننا نهرب من هذه الأسئلة هروبنا من الأسد. ولو رجعنا إلى سر تخلف النظام العربي فهو عدم إيمانه وقناعته بالديمقراطية بديلا عن سلطة وعبادة الفرد. فالدول تختزل في أشخاص ومتنفذين وبطانات وكل ما عدا ذلك يدور في الفلك ذاته والعدو اللدود هو الرأي الآخر.

وهذا هو سر تخلفنا، فنحن لا نؤمن بدور المؤسسة، كلنا نسيّر عن طريق عقول أخرى ودائما ننتظر (دولا وجمعيات وأحزابا) من يأتي ليفكر عنا وليحدد مصيرنا.

وثقافة الدكتاتور نمارسها في حياتنا... فرجل القبيلة يمارسها ضد عبيده والرجل المؤدلج بأية أيديولوجية يستغلها لعبادته وعبادة فكره مستأنسا بسمفونيات خفق النعل خلفه وهكذا يدار مسلسل الحياة في الشرق الأوسط، فالنقد الذاتي والمساءلة الهادفة للترشيد تعتبر مؤامرة يهدف بها الإساءة إلى كل مكتسب كما هو الاتهام المعلب والجاهز والمثلج في ثلاجات وزارات إعلامنا العربية.

لو سألنا أنفسنا، كم من متنفذ سرق وسطا على الأموال العامة؟ إنهم كثر. ولو سألنا أنفسنا، كم من حادثة سرقة كبرى ضبطتها الصحافة؟ سنقول كثيرة!... كم تلاعب يحدث تحت الطاولات؟ كم استغلال حدث للمنصب والنفوذ؟ طبعا ستكون الإجابة كثيرة. ولكن على رغم كثرة الاستغلال، هل سمعنا ذات يوم أحدا يوجه اتهاما إلى هؤلاء بأنهم أعداء الوطن أو ضد المشروعات التغييرية أو أنهم يخونون الوطن في ماله وفي منصبه؟... لم نرَ ذلك البتة. على رغم يقيننا بأن الوطنية عندما تجزأ وتصبح خاضعة للشهية الخاصة والمزاجية الخاصة فإنها تموت وتتلاشى. أسماء تكررت وامتلأت بها الصحافة عندما ضبطت في قضايا مالية كبرى وغيرها ولم نسمع صرخة اتهام ولا صوت إدانة، والله يقول: «أفتؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعض»؟ (البقرة: 85)

إقرأ أيضا لـ "سيد ضياء الموسوي"

العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً