العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ

البرادعي ودبلوماسية «حياكة السجاد الإيراني»

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

تقول طهران انها لن تلعب «البوكر» مع البرادعي كما فعل معه العراق. لكنها لن تقبل منه بالمقابل ان يلعب معها لعبة القط والفأر. بكلام آخر إنها ستكون معه صريحة وواضحة ومستقيمة فيما تملكه وفيما تخطط لتمتلكه من منشآت وإمكانات وآليات عمل في مجال الطاقة النووية، وهي كلها سلمية كما تؤكد وتجزم له في السر كما في العلن، لكنها بالمقابل ستشرح له انها وفي مقابل ذلك لن تقبل منه إلا التعامل معها مثلها مثلما يتعامل مع غيرها من الدول «غير المشتبه بها» أو فلنسمّها الدول «المستقيمة» الموثوق بها. وتاليا عدم فتح اية ثغرة في إطار التعاون الثنائي يمكن ان تنفذ من خلالها منظمته أو أي طرف من اطراف المجتمع الدولي إلى ما من شأنه انتهاك السيادة الوطنية الإيرانية.

طهران قالت للبرادعي أكثر من مرة، وآخرها هذه المرة التي كثر فيها الحديث عن البروتوكول الاضافي إنها إذ تقدم على التعاون معه بكل وضوح وانفتاح، انما تقوم بذلك طواعية، وعندما تقرر ان تزيد من تعاونها معه فإنها ستقدم على ذلك أيضا طواعية، وليس تحت بند «الالتزام» أو «الاجبار» فهي غير ملزمة تحت أي ظرف أو قانون أو عرف دولي بالتعاون معه اللهم إلا لانها قررت هي ان توقع اتفاقية منع انتشار أسلحة الدمار الشامل ومنها الأسلحة النووية، وان بامكانها اذا ما ارادت غير ذلك ان تنسحب، ومن ثم بإمكانها اللجوء إلى «الاسلوب الكوري» وهو ما لا تريده ولا تؤمن به.

من هنا فإن مطالبتها بتوقيع البروتوكول الاضافي لا يمكن ان يكون مقبولا بصورة مبدئية إلا في إطار «الشروط» أو الحيثيات الآتية:

أولا: ان تكون الخطوة الجديدة توافقية طواعية، وليس «تحت النار» الأميركية أو غيرها.

ثانيا: ان تكون الخطوة مصحوبة أو مرفقة برفع كامل للخطر المفروض عليها في مجال التقنية النووية.

ثالثا: ان تأتي الخطوة في إطار من العمل والجهد الدولي المشترك لنزع كامل منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، والكف عن التعامل مع الاطراف المختلفة بازدواج مقيت للمعايير.

ثمة من يقرأ السياسة الإيرانية هذه بانها شكل من اشكال سياسة النفس الطويل، فيما يصفها متخصصون بالشأن الإيراني بأنها دبلوماسية حياكة السجاد. بكلام آخر القول للبرادعي: تعال نرسم لوحة التعاون المشترك سوية.

لكنه اذا ما كانت فكرة التعاون المطلوبة واضحة ومعروفة فإن شكل اللوحة النهائي لن يكتمل ولن يتبلور إلا «بحياكة» ثنائية مستمرة على طول الخط لا يجوز لأي طرف مغادرة قوانين واعراف العمل تحت أية حجة كانت.

فاذا كنت تريد مزيدا من الشفافية وهذه لك منا في ظل أي توافق جديد، فإن عليك واجبات ليس أقلها أهمية سوى رفع الخطر التقني كليا وصولا إلى العمل والجهد المشترك لاحترام سيادة الدول، ورفع الاخطار المترتبة عليها من جراء الخارجين أو «المارقين» أو المعتدين على حقوق الآخرين الدفاعية وتكافؤ الفرص.

طهران أيضا ستغرق كثيرا بين عمل البرادعي الفني والعلمي والحرفي الخاص بالتنمية البشرية والصناعية وبين سياسة الابتزاز والضغوط والاتهامات التي تنتهجها واشنطن ولندن تجاه الدول المستقلة الرافضة لاملاءات النادي النووي.

وستقول - كما انها قالت أكثر من مرة للبرادعي - ان الكيلواط النووي لصناعة الكهرباء هو نصف الكلفة التي تتحملها الوسائل التقليدية النفطية أو الغازية، وان ذلك يعني فيما يعني ان تسارع التنمية لديها رهن باللجوء إلى المنشآت النووية الخاصة بصناعة الكهرباء، وان هذا شأن سيادي للدول لا يحق للآخرين التدخل به أو المساس بشئوناته تحت أي ظرف من الظروف بحجة وجود بدائل وفرة الطاقة النفطية هنا أو هناك.

أخيرا فإن صناع القرار في إيران إذ يجمعون على ضرورة التعاون مع البرادعي باعتباره رئيسا للوكالة الدولية التابعة - أو المفترض ان تكون تابعة - للأمم المتحدة فإنهم يجدون أنفسهم منقسمون في طريقة التعاطي مع المطالبات الأميركية واحيانا الغربية التابعة لها وخصوصا البريطانية التي تمارس برأيهم نوعا من الابتزاز السياسي ضد إيران. فمنهم من يعتبرها «فرصة» للدخول في مفاوضات جدية وعميقة مع واشنطن للتوصل إلى حل شامل للخلافات العميقة معها انطلاقا من موضوع «النووي» ومنهم من يعتبرها «تهديدا» اذا تم التراجع تجاهه فإن نهاياته لن تكون لمصلحة إيران مطلقا.

وكما يقول المثل الإيراني: «اذا قبلت بقول ألف فإنك يجب ان تمضي حتى قول الياء». بكلام آخر ان قبول أي تنازل في مجال النووي سيجر عمليا إلى تنازلات خطيرة أخرى قد تفضي إلى وضع «قرار الاستقلال الوطني» في حانة الخطر.

غير أن الطرفين يتفقان مجددا على ان ورقة «النووي» أو البروتوكول الاضافي ورقة «ثمنية» لا يجوز بيعها بثمن بخس.

وحدها الأيام ستكشف أي الفريقين كان اصوب، والأهم من ذلك ستكشف الأيام أيضا شكل والوان اللوحة التي ستطرز السجادة الإيرانية المفترض ان يفترشها الشعب الإيراني الاعوام المقبلة أو بالاحرى الأشهر المقبلة

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 314 - الأربعاء 16 يوليو 2003م الموافق 16 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً