العدد 318 - الأحد 20 يوليو 2003م الموافق 20 جمادى الأولى 1424هـ

نخب تنتحر ووطن يستباح!

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

أن يكون الرئيس محمد خاتمي هو أول من يفتح المعركة الانتخابية البرلمانية السابعة وفي وقت مبكر - نحو سبعة أشهر قبل حلولها - فإن ذلك يعني أن الرجل لايزال يحمل من الأمل الكثير بخصوص مستقبل بلاده والاصلاحات فيها.

هكذا كان الرجل واضحا وشفافا وصريحا مع شعبه قبل أيام عندما فاتحه في جولة له في احدى ضواحي العاصمة الكبرى - كرج - عندما قال بالحرف الواحد: «نحن لسنا أرباب الشعب ولا أسياده بل نحن خدامه، وعندما يقرر بأنه لا يريد أيا منا فعلينا الرحيل».

مضيفا: «ان من ينتخبه الشعب يعني ان على جميع الافراد والقوى والمؤسسات التعاون معه ودعمه ومساعدته». مختتما حديثه بمخاطبة النخب المختلفة بالقول: «لماذا تصرون دوما على الدوام، وأن تتحدثوا عن ضرورة استئصال أو اقصاء هذا أو ذاك، وأن تتمسكوا بلغة الجزم دوما؟! كفى، تكلموا عن الحياة وخياراتها الرحبة، أليس ذلك أجدى لنا جميعا؟!».

خطأ فهمته بعض النخب النرجسية، فيما تعمدت قوى ونخب أخرى أن تفهمه خطأ لغاية في نفس الأجنبي الذي تراهن عليه، فحاولت أن تظهره يائسا من امكان المضي ببرنامجه الاصلاحي والشعب الايراني محبطا من الرئيس موحية بالآتي: «أن الأمور تتجه نحو الانقلاب على مجمل النظام! والسبب لأن الديانة والايديولوجيا والعمامة ممزوجة بالسياسة!».

وهكذا أجمع كل من لا يريد لخاتمي المعمم ورجل الدين الوطني الملتزم بتعهداته تجاه شعبه ووطنه وقيمه التي نشأ عليها بأن يظهره قد خسر الرهان وأن أيامه التي تسبق استقالته باتت محدودة!

غريب أمر هذه النخب في عالمنا الشرق أوسطي الليبرالية منها والاصولية والاصلاحية منها والمحافظة المتمسكة منها بالنصوص الدينية كما المتمردة عليها غالبا ما نراها تذهب اتجاه الافراط أو التفريط ولا تقبل الوسطية مذهبا ومنهجا. وإيران اليوم خير مثال على ما نقول.

فالنخب الدينية المحافظة في ايران تهاجم الرئيس محمد خاتمي محملة اياه ذنب: «تحويل البلاد إلى أسوأ جمهورية فاسدة ومفسدة للشباب ومرتعا للانفلات والتحلل الخلقي ودولة ربوية هي الأسوأ في تاريخ العالم!».

والنخب الليبرالية المتغربة تهاجم الرئيس محملة اياه: «ضياع كل فرص التقدم السياسي والاقتصادي والانفتاح على العالم وبناء مجتمع ديمقراطي تعددي وخيانة أهداف وآمال الشعب الايراني!» والنخب الدينية الاصلاحية الموالية له بدورها أيضاَ تتهمه بأنه «المسئول عن أجواء الاحباط التي يعيشها الشباب وضياع فرص تكريس الانتصارات السياسية على أرض الواقع بسبب تردده وعجزه وضعفه وميله للتوافقات الفوقية مع رموز الحرس القديم بدل مراهنته على جمهور الناخبين والمناصرين والحواريين!» هذا بينما تعيش الكتل الجماهيرية الكبرى حياة بعيدة كل البعد عن هذا التصادم النخبوي أو ما يسمونه فيما بينهم بـ «الانسداد السياسي» معتبرين ان الحياة أوسع بكثير وأرحب من معركة السيطرة على مقاعد البرلمان والرئاسة والزعامة جازمين في حركتهم اليومية: «بأن الانسيابية الشعبية البعيدة عن النرجسية الحزبية أو الفئوية أو الشخصانية هي الحل الأنجع للخلاص من أخطاء الدكتاتورية والاستبداد» كما يقول الكثير من المواطنين الذين يتململون اليوم من مشهد «الانتحار الجماعي للنخب» كما يتردد في الصالونات الشعبية.

فهذا المثقف الديني المعمم المحافظ حانق على الرئيس لأنه فقد جمهوره التقليدي الذي كان يجلس الي منبره قبل الرئيس الاصلاحي المستنير، وذلك المثقف اليساري أو الليبرالي حانق على الرئيس ايضا لأنه فقد جمهوره الطلابي بفضل النهضة الدينية عموما أو الصحوة العقلانية في الفكر الديني التي أحدثها الرئيس المعمم وابن الحوزة الدينية وذلك المثقف الديني الاصلاحي النرجسي الذي كان ينتظر «معركة حاسمة» من دون خسائر تذكر تجعله بقدرة قادر «سلطان» الفكر والقلم، تسلم خلالها مفاتيح السلطة له من دون منازع، هو الآخر غاضب على الرئيس. وحده جمهور الشعب العريض يمضي قدما في حياته اليومية غير عابئ بتحليلات هذه النخب ولا بموضوع الاستقالة متأكدا في الوقت نفسه من أن طريق الاصلاحات لا رجعة عنه حتى وان خرج من صناديق الاقتراع المقبلة رموز المحافظين بأجمعهم وقد اجتاحوا مقاعد البرلمان!

وهنا ثمة من يتساءل بجد: لماذا تصر النخب مجتمعة باعطاء صورة سوداء عن الحالة في بلادها، وتمارس نوعا من الجلد الذاتي أشبه بعملية انتحار جماعي في الوقت الذي يمارس فيه الجمهور العريض من الناس أقصى درجات الصبر وضبط النفس ويعيش حياته اليومية بعيدا عن معادلة النخب بكل انتماءاتها؟!

القارئون والمتتبعون بعناية لهذه الظاهرة يعزون ذلك لتتحول النخب في بلادنا مع مرور الايام الى «نخب السلطة» المرتبطة بعامل القوة وسلطان المال والثروة والجاه، وهكذا تراها عندما تفقد دعم السلطة أو تواجه الاجحاف المتزايد بحقها من قبل السلطات المحلية فإنها سرعان ما تتجه للتعويض عن ذلك بمعادلة السلطة الخارجية الأقوى والأكثر تأثيرا في معادلة توزيع السلطة والهيمنة والثروة في الوقت الراهن، بدلا من لجوئها الى جماهيرها الوطنية الصابرة على الأذى. المعادلة الدولية المختلفة في الوقت الحاضر لغير صالح القوى المحلية فعلت ما فعلته بـ «النخب العراقية» كأبرز مثال صارخ على ما نقول وها هي «تجتاح» سائر النخب المحلية في الأقطار المختلفة للأسف الشديد. فهل ثمة من يرعوي ويستيقظ ويحذر مما هو قادم على بلاده بسبب هذه «النظرة السوداوية» لكل ما يجري في بلاده!

ليس دفاعا عن أي حاكم من الحكام أيا كان لونه وأيا كان شأنه، نقول بذلك، بل دفاعا عن الأوطان التي باتت في معرض الخطر الحقيقي بسبب هذا الاختلال

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 318 - الأحد 20 يوليو 2003م الموافق 20 جمادى الأولى 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً