العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ

مراجعة الاستراتيجية وقرارات المؤتمر الرابع للحركة الثورية الشعبية

مذكرات عبدالرحمن النعيمي 19

لم يعد ممكنا بعد المعلومات التي وصلتنا من أبوظبي بأن الأجهزة الأمنية قد عرفت الكثير عن أوضاعنا، وإلحاح الرفاق في اللجنة التنفيذية بضرورة مغادرة الساحل سوى الامتثال للقرار الحزبي، وذلك قبل أسبوع من المظاهرات الجماهيرية الكبيرة التي شهدتها رأس الخيمة، والتي استمرت قرابة ثلاثة أيام منددة بالاحتلال الإيراني للجزر العمانية الثلاث (أبو موسى وطمب الكبرى وطمب الصغرى)... لكن الخبر الصاعقة الذي وصلنا بعد أسبوعين تقريبا هو انهيار أحد عناصر اللجنة القيادية وإرشاد الأجهزة الأمنية على المخبأ السري... مما أوقع بين أيديهم كنزا كبيرا من المعلومات.

انتهى العام 1972، بتلك الأخبار السيئة التي وصلتنا عن استيلاء الأجهزة الأمنية في دبي على المخبأ السري وحصولها على الكثير من التقارير المتعلقة بمجمل عملنا المركزي وفي المناطق كالبحرين مثلا... وتوقعنا أن نحصد المزيد من الاعتقالات، خاصة بعد أن اتخذنا موقف المقاطعة من المجلس التأسيسي، وحيث احتدم الموقف العسكري في ظفار، ولم يكن ممكنا القيام بأية عمليات عسكرية في مناطق أخرى، إضافة إلى التحولات والمتغيرات السياسية التي طرأت في الإمارات السبع، فقد كان من الضروري إعادة النظر في مجمل الوضعية التنظيمية وفي الاستراتيجية التي طرحتها الجبهة باعتبار المنطقة موحدة ورفض التجزئة والتأكيد على ضرورة تحرير المنطقة من الأسر الحاكمة... وإعادة التجربة اليمنية الجنوبية الوحدوية (كان الجنوب اليمني مقسما إلى 23 إمارة ومستعمرة عدن قبل الاستقلال) في عدن كان قد سبقني الرفيق أحمد علي (الشهيد زاهر المياحي) وبقية أعضاء اللجنة التنفيذية، وكانت النقاشات متركزة حول الأوضاع المستجدة في المنطقة، وأهمية مراجعة موقفنا السياسي أو ما تم الاتفاق على تسميته بالاستراتيجية أي المنطقة التي يجب أن نركز جهودنا عليها خلال الفترة القادمة، ووضعية الحركة الثورية الشعبية في عمان والخليج العربي، والأطر الجبهوية التي كانت في حقيقتها الاسم الجبهوي للتنظيم الحزبي... وكان الاهتمام الأكبر في وضعية الثورة والتراجعات العسكرية على ضوء تقدم أوضاع السلطنة ودخول قوى عربية وإقليمية ودولية في الصراع السياسي والعسكري، حيث بدأ الاهتمام الأميركي والسوفياتي بمجريات الأمور في تلك المنطقة الحساسة من العالم، وبدأ الحديث عن إمكانيات التدخل الإيراني العسكري لصالح السلطة العمانية.

في اجتماعات اللجنة التنفيذية قدمتُ تحليلا سياسيا موسعا حول ضرورة إعادة النظر في استراتيجية الجبهة وأن تقتصر على عمان وأن نعيد ترتيب أوضاعنا في مختلف المناطق على ضوء حضورنا السياسي والتنظيمي، وكان الاتفاق شاملا من قبل كل الرفاق في اللجنة التنفيذية، مع التخوف من ردود الفعل لدى الإعضاء الحزبيين والجبهويين من هذا التراجع الكبير في التسمية والاهتمامات النضالية، على ضرورة صياغة وثيقة تحليلية للأوضاع الجديدة في المنطقة، والمقترحات التي تراها اللجنة التنفيذية والتي تتلخص في ضرورة التركيز على سلطنة عمان، كساحة نضالية، والتأكيد على الوحدة العمانية (السلطنة ودولة الأمارات) والتعامل مع بقية المناطق على ضوء هذه المستجدات السياسية، على أن ترسل هذه الوثيقة إلى جميع القيادات الحزبية لمناقشتها في مختلف الساحات والدوائر الحزبية، على أن يعقد مؤتمر عام للحركة الثورية في نهاية العام 1973 لمعرفة كل وجهات النظر، واتخاذ القرار المناسب المنسجم مع قناعات الأعضاء.

وكان من الطبيعي التشاور مع الرفاق في التنظيم السياسي ـ الجبهة القومية ومع بقية فصائل العمل الديمقراطي في عدن (الطليعة واتحاد الشعب) حيث شهدت الساحة اليمنية أيضا حوارات مطوّلة بين الحزب الحاكم والفصيلين اليساريين للوصول إلى صيغة موحدة بينهم على ضوء التقارب المتزايد في المواقف السياسية المحلية والخارجية، ومع ابتعاد الصين الشعبية عن تعميق العلاقات مع القوى السياسية في المنطقة وإقامة علاقات مع الدول بالدرجة الأساسية، في الوقت الذي كان الاتحاد السوفياتي يحقق المزيد من النجاحات في الاستقطاب للقوى اليسارية في المنطقة وعلى صعيد الدول التقدمية في مختلف القارات.

في الشهر الثالث من العام 1973، شنت المخابرات في البحرين حملة واسعة من الاعتقالات، شملت الغالبية الساحقة من الأعضاء القياديين للجبهة الشعبية، وعناصر كثيرة بحجة ارتباطها بالجبهة، وذلك على ضوء المعلومات التفصيلية التي وصلتها من مخابرات دولة الإمارات إثر حصولها على الوثائق المركزية في دبي، لم يتمكن من الإفلات منها سوى عدد صغير من بينهم الشهيد محمد بونفور الذي تحدى رجال الشرطة الذين اقتادوه إلى المخفر، وبدلا من السير معهم الى مركز الشرطة، ولّى باتجاه المناطق الشعبية في المحرق حيث احتضنه الأهالي لفترة امتدت قرابة أربعة أشهر، تمكن خلالها من لملمة العديد من الخيوط التنظيمية، حتى وصلتنا أخبار الانفجار في البيت السري واستشهاده واعتقال عدد من العناصر التي تم التعرف عليها من خلال الوثائق التي حصلت عليها المخابرات في البيت وأبرزهم المناضل عباس فيروز. وقد أحدثت تلك الاعتقالات، وتسليم مراد عبدالوهاب إلى الحكومة العمانية واستشهاد بونفور سلسلة من التداعيات وسط الجبهة في البحرين، حيث حمّلت العناصر بعضها البعض مسئولية تسرب المعلومات الكثيرة إلى الأجهزة الأمنية، ما انعكس سلبا على الأوضاع التنظيمية التي باتت منفلشة للغاية ولفترة طويلة، بالإضافة إلى الحضور السياسي للجبهة في مرحلة التحولات السياسية التي شهدتها البحرين خلال المجلس التأسيسي أو الإعداد للانتخابات البرلمانية في نهاية ذلك العام.

***

وفي الوقت الذي كانت الحلقات الحزبية والعمالية تتداعى في داخل البحرين، نتيجة الضربات الأمنية والاعترافات، كانت الأوضاع الحزبية في المجال الطلابي تحظى بالاهتمام الكبير من قبل اللجنة التنفيذية، في ظل الصعود الكبير للحركة الطلابية البحرينية وخاصة بعد تشكيل الاتحاد الوطني لطلبة البحرين في 22 فبراير/ شباط 1972 وما حققته الاندماجات بين الفروع الحزبية للحركة الثورية الشعبية وجبهة تحرير شرق الجزيرة في المجالات الطلابية من نهوض وقدرة كبيرة للحركة والجبهة على حد سواء وخاصة في المنطقة العربية، ما وضع المجال الطلابي في موضع مقرر في الكثير من الخطوات اللاحقة سواء على الصعيد الإعلامي أو العلاقات السياسية مع الكثير من القوى العربية والصديقة، سواء في الاتحاد السوفياتي أو الهند أو الدول الأوربية ولاحقا الولايات المتحدة وكندا بعد أن اضطر طلبة بيروت إلى مغادرة لبنان إثر اندلاع الحرب الأهلية والتوجه إلى الولايات المتحدة التي كان تتواجد فيها حركة طلابية عربية موحدة هي الاتحاد العام للطلبة العرب وقد استطاع طلبة البحرين أن يلعبوا أدوارا قيادية في هذا الاتحاد وأن يتبوأ أحدهم موقعا في اللجنة التنفيذية لهذا الاتحاد الذين سيطرت عليه التوجهات الديمقراطية ذات الصلة بالجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والذي عانى من الصراعات العربية وبشكل خاص الفلسطينية إلى درجة انهياره وانقسامه إلى اتحاد قطري... ما اضطر طلبة البحرين إلى تشكيل فرع لهم هناك أسوة ببقية الآخرين.

كان استشهاد محمد بونفور خسارة كبيرة للحركة الثورية الشعبية والجبهة الشعبية على حد سواء، كان عضوا في اللجنة المركزية، وكان من العناصر ذات العمق الشعبي، القادر على التعاطي مع مختلف الشرائح المسحوقة في المجتمع، والذي يرى ـ ما لا يراه الكثير من المثقفين ـ بأن هذه الفئات الأكثر انسحاقا هي القادرة على تقديم الكثير للعمل الثوري في البحرين أو غيرها من المناطق... لذلك يصعب دراسة الحركة العمالية دون معرفة الدور الذي لعبه بونفور، وكذلك الحال في مناطق المحرق الأكثر انسحاقا حيث كانت الفئات الشعبية تنظر إليه بتقدير كبير، وكان موضع احتضان من قبلها أينما وُجد في مرحلة العمل السري، حيث وصل إلى درجة الأسطورة في القدرة على التخفي والتنقل وقيادة العمل من أماكن مختلفة بين الفترة والأخرى، وكان من المفترض أن يغادر البحرين في شهر يوليو/ تموز 1973، حتى جاءنا خبر الانفجار الذي أودى بحياته.

الموقف من انتخابات المجلس الوطني

في مرحلة الحوارات الأولى العام 1972 حول المجلس التأسيسي، كان الدور الأساسي لقيادة وكوادر الحركة الثورية والجبهة الشعبية ومناصريها في البحرين، حيث برز ما تمت تسميته بالكتلة الشهابية التي استطاعت استقطاب عناصر وطنية وثورية عديدة، ولعب أبو نفور دورا مركزيا فيها، وكان بالإمكان التشاور وتبادل الرأي مع الرفاق في قيادة البحرين حول الموقف الممكن اتخاذه حيال الانتخابات، والذي تركز في البداية بالموافقة على المشاركة ثم تم اتخاذ موقف المقاطعة نتيجة عناد السلطة وتخوفها من مشاركة المعارضة، وبالتالي إصرارها على رفض أي مطلب وطني لدفع القوى الثورية إلى اتخاذ مواقف متطرفة من غرار المقاطعة.

واجهتنا الإشكالية ذاتها في فترة المناقشات للانتخابات النيابية...

لقد تقطعت كل الخيوط مع الداخل، بعد استشهاد أبونفور، وبقاء غالبية العناصر القيادية في السجن، واضطرار البعض إلى مغادرة البحرين، للعمل في المجالات السياسية أو الإعلامية للجبهة، ما أعطى للكادر الموجود في الخارج دورا أكبر في تقرير الموقف الذي يجب اتخاذه حيال الانتخابات...

ويبدو أن ما تم تسميته بالكتلة الشهابية لم تعد موجودة في تلك الفترة، باستشهاد بونفور، ومغادرة عدد من العناصر ذات الصلة بالحركة الثورية، بالإضافة إلى الدور النشط لجبهة التحرير التي استقطبت الكثير من العناصر البارزة ضمن توجهها للمشاركة في الانتخابات، وبالتالي برزت كتلة الشعب التي ضمت الكثير من العناصر الديمقراطية ذات المنابع التنظيمية المختلفة، سواء من الجبهة الشعبية أو جبهة تحرير شرق الجزيرة أو جبهة تحرير الخليج أو جبهة التحرير التي لعبت دورا محوريا في صياغة تحالفات تلك الفترة للانتخابات النيابية.

كان من الضروري تحديد موقف من الانتخابات النيابية في البحرين، وكان من الضروري أن تتخذ جبهة قيادية أو جبهة تخول من قبل اللجنة التنفيذية المركزية مناقشة الموضوع واتخاذ القرار الذي تراه مناسبا.

ولا شك أن الأجواء التي حكمت الكثير من القرارات السياسية في تلك الفترة انطلقت من الموقف الراديكالي الذي تبنته الجبهة، والتصدي للأنظمة السياسية انطلاقا من الموقف الاستراتجي بضرورة إسقاط هذه الأنظمة وإقامة نظام ديمقراطي شعبي على أنقاضها، بغض النظر عن القدرات والإمكانيات الموضوعية وقدرات القوى الاجتماعية في هذه المنطقة أو تلك، وبالرغم من تراجع هذا التفكير الراديكالي، إلا أن التراجع لا يمكن أن يتم دفعة واحدة عن الأحلام الثورية الكبيرة، وكان التفكير بضرورة مراجعة استراتيجيتنا النضالية محطة كبرى لكنها كانت بداية في ظل الهجمة المعادية العسكرية والسياسية التي تعرضت لها الجبهة من ظفار إلى بقية المناطق.

كان التصور الأولى للجنة التنفيذية المركزية أن من الصعوبة بمكان المشاركة في الانتخابات على ضوء ذات الأرضية التي اتخذنا فيها موقف المقاطعة للانتخابات المجلس التأسيس، فلا تزال الأحكام العرفية موجودة، ولا تزال المرأة ممنوعة من المشاركة، وأضيف إلى ذلك تلك الحملة الواسعة من الاعتقالات التي شملت الكثير من القيادات والكوادر.

العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً