العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ

غزة في المشروع الأميركي - الإسرائيلي

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

عرض موقع هيئة الإذاعة البريطانية ملخصا مكثفا لأهم الكلمات التي ألقيت في الجلسة الخاصة التي عقدها مجلس الأمن الدولي على المستوى الوزاري لبحث الأوضاع في غزة، وما ينبغي أن يتخذ من قرارات أو إجراءات بشأنها. قراءة سياسية لتلك الكلمات تصنف المتحدثين في أربع كتل رئيسية:

الفئة الأولى، وتندرج تحتها كلمتا مندوبتي «إسرائيل» والولايات المتحدة، وجاء فيهما الموقف صارخا وواضحا من حيث انحيازه إلى «إسرائيل». فوزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس طالبت بوقف «الهجمات الصاروخية التي تعرضت لها المدن الإسرائيلية»، مدعية أن «شعب غزة يعاني بسبب حماس». أما المندوبة الإسرائيلية فلم تترد في الذهاب إلى اتهام المجلس بأن صدقيته «ستهتز لو طالب بوقف لإطلاق النار لأن حماس لن تلتزم به ولأنه لا يمكن وقف إطلاق النار وأن العملية العسكرية الحالية ليست عائقا أمام السلام وإنما متطلب من أجل تحقيق السلام».

الفئة الثانية هي التي ساوت في المسئولية بين «إسرائيل» والفلسطينيين، ومن أبرز أعضائها فرنسا و النمسا. فالمندوب الفرنسي طالب في كلمته «بفتح المعابر ووقف تهريب السلاح إلى داخل قطاع غزة، داعيا جميع الأطراف إلى اتخاذ كل الخطوات الممكنة من أجل إنهاء الصراع، بما فيها حماية حدود القطاع وفتح كل المعابر».

أما المندوب النمساوي فقال إن بلاده أبقت على علاقات ودية مع كل الدول في الشرق الأوسط وهي قلقة للغاية من الانهيار للأوضاع في غزة وحولها وهي تدين صواريخ حماس على «إسرائيل» لكنها تؤمن بأن العمليات العسكرية الإسرائيلية غير متكافئة وتؤدي إلى ضحايا مدنيين كثر بين الفلسطينيين».

الفئة الثالثة هي التي حاولت أن تحصر المسألة في النطاق الإنساني ومن أبرز المتحدثين كان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي دعا إلى «وقف فوري لإطلاق النار لأن الأوضاع الإنسانية في غزة صعبة للغاية، كنقص الوقود وانقطاع الكهرباء والماء عن سكان القطاع، والقصف الإسرائيلي للمدارس التي تديرها وكالة الأونروا التابعة إلى الأمم المتحدة».

الفئة الرابعة هي البلدان العربية ومن أبرز رموزها فلسطين، وليبيا والسعودية وجامعة الدول العربية، التي لم يكن بوسعها القفز على إدانة الهجوم الإسرائيلي، لكن ذيلت كلماتها بوصف للحالة الإنسانية لسكان غزة مطالبة بقرار يقود إلى «الوقف الفوري والتام للعدوان الإسرائيلي، لأن عدم الإسراع في وقف العدوان سيؤدي الى تعميق المأساة».

وأسطع مثال على هذا المزج غير المبرر بين الإدانة والتركيز على الجانب الإنساني هو ما جاء في كلمة الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى حين قال: «إن الجامعة العربية مهتمة بإعادة الأمور إلى أصولها الصحيحة وهي الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والحصار الذي تعاني منه غزة وحملات التجويع وتدمير البنية التحتية وإغلاق المعابر».

يمكن، ومن دون الحاجة إلى مجهر سياسي توقع محصلة نقاشات مجلس الأمن الدولي والقرارت التي سيخرج بها، والتي ستجرِّد القضية برمتها من بعدها السياسي - الاقتصادي كي تنقلها إلى غرفة عناية قصوى إنسانية. وسنرى الكثير من الدول، ولا نستبعد أن تكون الولايات المتحدة على رأسها تضع قضية غزة برمتها في غرفة إنعاش إنسانية.

والسؤال المنطقي، هو: هل هذا ما تحتاج إليه غزة؟ أو بالأحرى هل هذا المدخل هو الذي سيضع الأمور في نصابها»؟

أحداث غزة تعيدنا إلى أولويات العمل السياسي والعسكري، فالجميع على علم بأن مشكلة غزة في الجوهر ليست مشكلة إنسانية، فغزة لا تتعرض لهزة أرضية غير متوقعة أو زلزال مباغت، وبالتالي فحتى، لو هرعت إلى غزة كل مؤسسات العمل الإنساني العالمية والإقليمية والمحلية من أجل تقديم العون إلى أهالي غزة، لن تتجاوز جهودهم، مفترضين حسن النية في وصول المساعدات إلى من يحتاج إليها، ومتوقعين كفاءة أداء المؤسسات الضالعة في تقديم العون ومد يد المساعدة، حدود المهدئات التي تعالج الأعراض من دون أن تكون قادرة على الوصول، ولن نستبعد أن تمنع من الوصول إلى الأسباب.

هذا ينقلنا مباشرة إلى أسباب الغزو، فإن دوافع الغزو الإسرائيلي ليست محصورة في حرص «إسرائيل» على إسكات مجموعة من الصواريخ البدائية التي أطلقتها وسوف تستمر حركة حماس في إطلاقها. المسألة أعقد من ذلك وأكثر عمقا. يقف وراء الهجوم الإسرائيلي على غزة مجموعة من الأسباب من بين أهمها في هذه المرحلة بالذات سبيان رئيسيان:

أولهما ذو بعد إستراتيجي يخدم المشروع الإسرائيلي الأميركي للمنطقة، والذي يقوم على إعادة التوتر فيها من جديد. فحيث بات من الصعب إذكاء الأسباب التي يمكن أن تؤجج الصراع في الساحة اللبنانية كي يصل إلى مستوى الانفجار المسلح، وبما أن العراق بحاجة إلى شيء من الهدوء الظاهري الذي يغلف العمليات القائمة ويحول دون اتساع نطاقها الجغرافي أو العملياتي، تبقى الساحة الفلسطينية هي البؤرة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تحمل كل مقومات النجاح التي تعيد الصراعات المسلحة إلى المنطقة. وفي هذا خدمة للطرفين: «إسرائيل» التي تنتعش في الأزمات العسكرية، والولايات المتحدة التي تريد مندوبا عنها يخوض تلك الصراعات عندما تندلع.

ثانيهما ذو أفق اقتصادي، فأمام الأزمة الاقتصادية التي لاتزال تلم بالسوق الأميركية، ليس هناك أفضل منعش للاقتصاد الأميركي من اندلاع صراعات مسلحة محدودة زمنيّا وجغرافيّا، لا تتورط فيها واشنطن بشكل مباشر، لكنها تعطي صناعة الحرب الأميركية كل المبررات القوية التي تحتاج إليها لبيع منتجاتها، وخصوصا تلك التي تآكلت من القدم والصدأ الذي بدأ يعلوها، وليس هناك اليوم من يملك السيولة النقدية القادرة على دفع الفواتير الباهظة الثمن أفضل من الدول النفطية العربية. وإعادة الحياة إلى الصناعة الحربية الأميركية، والتي هي العمود الفقري للصناعة الأميركية برمتها، يعني تجديد دماء هذه الأخيرة التي باتت تئن تحت ضربات الكساد والركود اللذين ألما بها منذ أكثر من عامين.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2316 - الأربعاء 07 يناير 2009م الموافق 10 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً