العدد 2594 - الإثنين 12 أكتوبر 2009م الموافق 23 شوال 1430هـ

جدوى المشاركة الحذرة ومخاطر المقاطعة المطلقة (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

تموج الساحة السياسية البحرينية اليوم بالكثير من النقاشات بشأن أشكال العمل السياسي المناسبة للمرحلة المقبلة. والمقصود بالمرحلة المقبلة تلك التي سوف تتمحور حول انتخابات الدورة الثالثة من الحياة البرلمانية، والتي ستمتد من اليوم حتى الإعلان عن نتائج الانتخابات النيابية المقبلة. تتمفصل النقاشات حول المواقف الآتية:

1. الموقف اللامبالي، ويسود هذا الموقف صفوف نسبة عالية من المثقفين ومعهم رجل الشارع العادي، الذين وصل مستوى الإحباط لديهم، من عدم نجاح البرلمان، من وجهة نظر هذه الفئة، في إحداث النقلة النوعية المطلوبة في خريطة العمل السياسي البحريني، إلى درجة بات معها البرلمان والقضايا التي يعالجها هامشية، ولا تستحق حتى مجرد عناء المتابعة، دع عنك المشاركة الفعلية في وقائعها. وتطورت هذه الحالة كي تصبح ما يشبه الإيمان العميق، بأن الأوضاع التي سبقت البرلمان لم تكن أسوأ مما هي الآن. وتستدعي هذه الفئة، لتعزيز إطروحاتها، الكثير من الظواهر السلبية التي ولدتها المرحلة البرلمانية، بما فيها سلوك بعض النواب الذي تحول من الدفاع عن المصالح العامة الواسعة إلى التخندق في الدفاع عن القضايا الطائفية الضيقة في أحسن الأحوال، أو الانغماس في اللهث وراء المطالب الحياتية الآنية البعيدة كل البعد عن مهام المجلس التشريعية.

2. الموقف المقاطع، ويسود هذا الموقف قطاعا واسعا ممن انخرطوا في صفوف العمل السياسي السري إبان مراحل سيادة «قانون أمن الدولة» السيئ الصيت. وللإنصاف، لم يعد هذا الموقف محصورا في صفوف مناضلي الجبهة الشعبية في البحرين، وهي القوة السياسية التي دعت إلى مقاطعة انتخابات محلس 1973، بل يقف معهم أيضا، ولربما يتقدم صفوفهم اليوم، في بعض الفعاليات المدافعة عن صحة الموقف المقاطع، مناضلون كانوا في صفوف جبهة التحرير الوطني، وهي الفصيل السياسي الذي شارك في تلك الانتخابات، ومعهم أيضا مجاهدون من القوى الإسلامية المختلفة. دعوة المقاطعة هذه تستند في الدفاع عن موقفها، إلى الثغرات التشريعية والدستورية التي تسير، وفق نظرة هذا الموقف، الحياة النيابية، وتؤدي إلى تقليص صلاحيات المجلس إلى درجة تفقده مبررات وجوده، ومن ثم أهمية الدفاع عن استمراره في عمله، ناهيك عن المشاركة المباشرة في الفعاليات السياسية ذات العلاقة به، بما فيها الموقف من الانتخابات لعضويته.

3. الموقف المشارك، ويضم هذا الموقف شريحة سياسية واسعة تشمل أولا، أولئك المناضلين الذين اكتووا بنيران «قانون أمن الدولة»، ودفعوا ضريبة وطنية باهظة، وتوصلوا إلى قناعات راسخة، مصدرها الخبرة الغنية، وليس الخوف من، أو التردد عن، تقديم المزيد من التضحيات، بأن العمل السياسي العلني ومن بينه القبة البرلمانية الحالية وفق القوانين التي تحكم عملها، بغض النظر عن نواقصها، يبقى هو الأفضل، والأجدى، والأكثر ملاءمة للواقع السياسي البحريني، وعلى وجه الخصوص في هذه المرحلة. لا ينبغي أن نسقط من حساباتنا، عند الحديث عن هذه الفئة، أنها تضم بين صفوفها أيضا، قوى أخرى غير تلك التي قدمت التضحيات، وهذه القوى، باتت لها مصلحة مادية واجتماعية في استمرار البرلمان كإحدى نوافذ العمل السياسي، وأن ترشحها، ومن ثم فوزها يفتح أمامها قنوات بوسعها تجييرها لتحقيق تلك المصالح الذاتية والحفاظ عليها.

4. الموقف المهدم، وهو السلوك الذي يحكم القوى التي لها مصلحة مباشرة في إغلاق البرلمان، وهي لاتزال غارقة في أحلام إمكانية إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، والرجوع إلى أيام «قانون أمن الدولة»، بكل ما يعنيه ذلك من مصادرة مطلقة لحقوق المواطن، وتسلط لا محدود في رقاب العباد. مثل هذه القوى، والتي لاتزال ليست قليلة العدد ولا ضعيفة الإمكانات، والتي هد البرلمان الكثير من، وليس جميع، مواقع نفوذها، لا تكف، ومن منطلقات سيئة، عن تسفيه البرلمان، وتشويه صورته علها تنجح في تحقيق مآربها في الاستدارة نحو الخلف والعودة بالبلاد إلى ما يشبه السجن الكبير الذي تسيره هي وفق مصالحها.

5. الموقف الانتظاري، وهو الموقف الذي يقف متربصا بانتظار نتائج الصراع كي ينضم إلى الطرف المنتصر، دون أن يتردد في تبرئة نفسه من أية علاقات من القوى الخاسرة. هذا الموقف لا يكف عن توجيه النقد لكل الأطراف، لكنه يقوم بذلك في الخفاء وبأشكال غير مباشرة، وعبر قنوات لا تكشف عن هويته الحقيقية.

6. الموقف الحذر، الذي يرى أن البرلمان إحدى قنوات العمل السياسي، لكنها ليست الوحيدة، ومن ثم يعتبر البرلمان إحدى قطع لوحة شطرنج العمل السياسي، وليست جميعها. وتميز القوى التي تأخذ بهذا الموقف بوضوح، بين الديمقراطية بأجنحتها السياسية المختلفة، وبين البرلمانية كأحد تلك الأجنحة وليس أكثر من ذلك. هذه القوى، والتي ربما لاتزال في المراحل الجنينية، لكنها تمتلك الكثير من مقومات النمو والانتشار في صفوف الجماهير، وعبّرت عن نفسها في العديد من الفعاليات السياسية التي عرفتها البحرين منذ تدشين المشروع الإصلاحي. تحاول هذه القوى المقارنة، بشكل موضوعي، ومن منطلقات وطنية صرفة، بين المقاطعة المطلقة، وبين المشاركة غير المدروسة، من أجل التوصل إلى موقف متوازن يضع في يد المعارضة البحرينية العديد من أوراق العمل السياسي القادرة على استخدامها في الوقت المناسب، وعلى الوجه المناسب، وعبر القنوات المناسبة.

والسؤال المنطقي والطبيعي الذي يرتفع اليوم فوق سارية العمل السياسي البحريني، آخذا بعين الاعتبار هذه المواقف كافة، باحثا عن إجابة صحيحة وقابلة للتنفيذ هو: ما هي الاستراتيجية السياسية التي تتبناها المعارضة البحرينية الأكثر ملاءمة للظروف القائمة اليوم، وبما يضع مصلحة الجماهير والدفاع عن حقوقها في مقدمة أي مشروع للعمل السياسي، سواء من داخل أروقة البرلمان أو من خارج دهاليزه؟

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2594 - الإثنين 12 أكتوبر 2009م الموافق 23 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً