العدد 2595 - الثلثاء 13 أكتوبر 2009م الموافق 24 شوال 1430هـ

حماس و«قميص غولدستون»

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

مبالغة حركة «حماس» في المراهنة على «تقرير غولدستون» لتعويم سمعتها واسترداد شعبيتها وتحسين صورتها قد ترتد عليها إذا استمرت في سياسة المناوشة الأيديولوجية وتهربت من استحقاق المصالحة الوطنية الفلسطينية. من حق «حماس» أن تنتهز الفرصة وتستغل الخطأ الذي ارتكبته السلطة لإثارة عاصفة غبار تغطي تلك الكارثة التي أصابت قطاع غزة خلال وبعد العدوان الإسرائيلي... ولكن حين يتجه استخدام «الحق» نحو تكريس التقسيم الأهلي وتقويض شرعية منظمة التحرير الفلسطينية يتحول إلى نوع من الانتهازية التي تطمح بالوصول إلى غايات حزبية في وقت يستمر الاحتلال في تهويد القدس وتوسيع المستوطنات.

مبالغة «حماس» في استخدام «تقرير غولدستون» الذي رفضته عندما صدر تُعتبر ورقة خاسرة في الأمد الطويل؛ لأن منطق الأمور بدأ يكشف عن وجود أجندة خفية تتجاوز حدود الخطأ. فالخطأ عادة بحاجة إلى تصحيح وتصويب وليس إلى خطأ آخر يفاقم من تداعياته ويورط الشعب في تجاذبات تصب في النهاية في مصلحة الاحتلال.

إضاعة البوصلة والخروج على الأهداف وتشتيت الانتباه كلها عناصر ذهنية تصب سياسيا في دائرة خدمة الاحتلال. فالحكومة الإسرائيلية هي الطرف المستفيد من ارتفاع حرارة الانقسام الفلسطيني وتأجيل موعد المصالحة الفلسطينية. وذهاب «حماس» في هذا الاتجاه أعطى ذريعة للثنائي نتنياهو - ليبرمان لتحميل الطرف الفلسطيني مسئولية التهرب من المفاوضات.

الانقسام في الجبهة الفلسطينية يعتبر أفضل هدية تقدمها «حماس» حتى لو كانت بسبب «تقرير غولدستون». فالتقرير ورقة يحتاج إلى آليات للتنفيذ وهيئة للمراجعة وقنوات للمتابعة وإلا تحول إلى مجموعة أفكار وفقرات وبنود سياسية لا قيمة قانونية لها في إطار المؤسسات الدولية. وحتى يعطي «تقرير غولدستون» مفعوله الإجرائي والقضائي لابد من وجود طرف مضاد يمتلك خطة عملانية تسعى يوميا إلى ملاحقة ملفاته. وهذا الأمر لا يمكن الحصول عليه إلا بالوحدة وتشكيل فريق عمل متوافق على برنامج وطني مرحلي تتجمع على بنوده كل الفصائل الفلسطينية.

«تقرير غولدستون» بحاجة إلى تصويب من الطرفين الفلسطينيين: الأول توضيح السلطة الفلسطينية خلفيات الخطأ والاعتذار من الهفوة والبدء في تنشيط العلاقات الدولية والإقليمية لكسب أكبر كمية من المؤيدين. الثاني تصويب «حماس» موقفها من التقرير وإعادة تقويمه إيجابيا وسحب اعتراضاتها عليه والتفاهم مع حكومة رام الله على خطة عمل مشتركة تضمن نجاح إدراجه في جدول أعمال مجلس حقوق الإنسان في أسرع وقت.

غموض موقف «حماس» من التقرير يحتاج فعلا إلى قراءة جديدة توضح حقيقة المسألة والاتجاه الذي تريد السير نحوه. هل حقا «حماس» معجبة إلى هذا الحدّ الجنوني بتقرير غولدستون أم أن الإعجاب «مناورة» سياسية للمزايدة اللفظية على السلطة؟ إذا كانت حكومة غزة تحب «غولدستون» بهذا المقدار فلماذا لا تعتذر عن مواقفها السابقة وتسحب اعتراضاتها وتعترف بمضمونه وتبدأ بخوض معركة سياسية - قانونية إلى جانب حكومة رام الله لانتزاع مكاسب مشتركة للقضية الفلسطينية؟

حتى الآن تبدو مواقف «حماس» من التقرير مبهمة. فهي من جانب ضد غولدستون لأنه وضع الجلاد والضحية على سوية واحدة، وهي من جانب آخر معه لأنه تحول إلى «قميص» ترتديه وتخلعه بحسب ما تقتضيه المصلحة الحزبية.


سياسة النكايات

أي موقف تتجه «حماس» إلى اتخاذه قبل أن يقترب موعد إعادة النقاش بشأن التقرير. فهل هي ضد غولدستون وتقترح تجميد العمل به لأنه يبرر أعمال «إسرائيل» ويتهم «حماس» باستخدام المدنيين لحماية قواعد الصواريخ أم أنها سحبت اعتراضاتها على غولدستون وباتت تعتبر التقرير وثيقة سياسية تدين حكومة تل أبيب وتفضح أعمالها العدوانية؟

هناك وقت أمام «حماس» لتفكر خلاله وتختار الاتجاه المناسب للشعب الفلسطيني. ولكن الوقت لا يعني أن هناك فرصة لتكريس الانقسام والانشقاق وإعطاء ذريعة لحكومة نتنياهو بالتهرب من المسئولية واستخدام التقرير واسطة لقضم المزيد من الأراضي ومواصلة سياسة الاستيطان والتهويد.

«إسرائيل» واضحة في مواقفها فهي ضد التقرير من جانب وضد الوحدة الفلسطينية من جانب. وبهذا المعنى تعتبر تل أبيب أن حكومتها فازت على المقلبين لأنها نجحت في إبعاد غولدستون عن الصورة واستبدلته بالانقسام الفلسطيني وذاك الانشقاق الذي وصل إلى حده الأقصى في الابتذال والتشفي.

هناك مسئولية تاريخية تتحملها «حماس» وهي لا تقل أهمية عن تلك المهمات التي قادتها «فتح» في تاريخ كفاحها الطويل. والمسئولية تقتضي من حكومة غزة أن تتعامل مع القضية الفلسطينية كطرف وطني يخاف عليها من الضياع لا كطرف حزبي ينافس مع الفصيل المركزي المضاد من دون انتباه لمخاطر الانقسام والانشقاق وتأثيره السلبي على مكاسب الحد الأدنى في إطار معركة تحتاج إلى كل الأدوات والأسلحة.

تحديد الأولويات مسألة مهمة في المعارك سواء كانت مركزية أو ثانوية حتى لا تستهلك الأهداف الكبرى في عواصف غبارية تقدم خدمات مجانية للاحتلال. إضعاف السلطة تستفيد منه «إسرائيل» لأنه يعطيها ذريعة للتهرب من المفاوضات ورفض تجميد الاستيطان. تقويض شرعية منظمة التحرير الفلسطينية يساعد تل أبيب على التفرغ للاستيطان والقضم والتهويد. التخلي عن مبادرة السلام العربية قبل التوصل إلى صيغة بديلة قابلة للدفاع والتطبيق تدفع عمليا نحو فراغ ميداني يعطي فرصة للاحتلال لاستكمال خططه التي لا يتردد في الإعلان عنها.

كل هذه العناصر السلبية لا يمكن أن تكون غير واضحة في سياسة «حماس». فهل الحركة غير ناضجة حتى لا تدرك أن الانقسام الفلسطيني يخدم «إسرائيل» ويضر بالقضية؟ وهل من المعقول أن تكون الحركة غير منتبهة إلى أن مشروع تقويض شرعية منظمة التحرير يشكل سياسة استراتيجية إسرائيلية؟ وهل تمتلك «حماس» تلك البدائل الموضوعية القادرة على تعديل موازين القوى وإذا كانت فلماذا لا تطرحها حتى تكون مدار نقاش تشارك فيه كل الأطياف والفصائل؟

أسئلة كثيرة تثار بشأن مبالغة «حماس» في استثمار «قميص غولدستون» لإشعال معركة داخلية في وقت تعلن حكومة نتنياهو أنها غير جاهزة للتفاوض مع طرف منقسم وغير مستعدة للسلام إذا لم يعترف الجانب الفلسطيني بيهودية الدولة الإسرائيلية. فهذه المبالغة تكشف عن وجود أوراق مجهولة تتجاوز الإطار السياسي للخطأ باعتبار أن «حماس» رفضت تقرير غولدستون ثم عادت وأيدته نكاية بالسلطة من دون أن توضح الملابسات. حتى الآن لم تراجع «حماس» تلك القراءات بغرض تصويب الموقف التضامني لا تسريع الانقسام والتهرب من توقيع ورقة التفاهم في القاهرة.

هناك معركة كبرى يخوضها الشعب الفلسطيني وهي قد لا تؤدي إلى عودة المفاوضات وإنما الاضطرار إلى خوض انتفاضة ثالثة دفاعا عن القدس ولكبح عجلة الاستيطان. وهذه المعركة المحتملة تشكل أولوية مركزية وغيرها يصبح من الثانويات والنوافل.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 2595 - الثلثاء 13 أكتوبر 2009م الموافق 24 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:29 ص

      رجاءا (عبد علي عباس البصري)

      ارجو من الاخ العزيز وليد ا ن يقرأ مقالات عبد الباري عطوان في جريده القدس العربي.

اقرأ ايضاً