العدد 2599 - السبت 17 أكتوبر 2009م الموافق 28 شوال 1430هـ

ضد تدمير الآثار: شهادة للتاريخ

الشيخة مي بنت محمد ال خليفة comments [at] alwasatnews.com

وزيرة الثقافة والإعلام البحرينية

لا شيء مثل تخريب الآثار، بحجم ما حدث عبر الاعتداء على قنوات الري الأثرية الفريدة، يكشف هزال تعامل البعض منا مع هوية البحرين وثقافتها ومقومات عراقتها في التاريخ.

كان يفترض بالموقع الأثري أن يكون أنقاضا. كما كان يفترض بقنوات الري التي تعود إلى الفترة الإسلامية المبكرة أن تطمس إلى أبد الآبدين، كان يفترض ذلك لو أن من اعتدى على حرم هذه القنوات نفذ مخططه كاملا من أجل مصالح ومكاسب ضيقة وغير مكترث بثروة البلاد.

من هنا، ومن دون تحميل الأمور فوق ماتحتمل، ينبغي أن نشرع في حماية وحفظ حقوق الأجيال المقبلة من موارد وثروات الرصيد الأثري لهذه الأرض. فقد طمست اليوم معالم قنوات الري الإسلامية في مدينة حمد، وغدا ربما يمتد التهور والجهل اللامسئول إلى قلعة البحرين أو سلاسل التلال الأثرية أو قلعة الفاتح أو مسجد الخميس.

إذا كان هناك من يريد لهذه الحادثة أن تمضي على «خير»، وبسرعة عبر بعض اللياقة في «مشاطرة الأحزان»، وبذل الوساطات وترويج معزوفة: «كلنا مع الثقافة وكلنا مع الآثار...» إلى آخر الكلام المكرر والجمل المجهزة للانطلاق من الحناجر في مثل هذه المواقف، إذا كان هناك من يفكر بهذه الطريقة نقول: يستحسن عدم الوقوع في فخ تلبس هذا الدور. ليس ممكنا أبدا أمام جسامة ماحدث البحث عن ادارة متذاكية للعبة الاحتماء بالبيانات وخلط الأوراق وممارسة الضغوط لطي الملف. المطلوب على العكس من ذلك، الدفع باتجاه بلورة وعي حقيقي، وإجراءات صارمة وتدابير متكاملة ملموسة لصيانة الآثار والهوية الحضارية لمملكة البحرين، صيانتها من العبث والخفة والرعونة والمسعى المشبوه وغير المسئول.

إن الاعتداء السافر على معلم أثري مسور ومحمي بالقوانين والمواثيق والتوصيات والقرارات الدولية والقارية والإقليمية والمحلية يرمي في وجوهنا جميعا تحديات اختبارية كبيرة يطول تعدادها، إذ إن من قام بهذا العمل يقع تحت طائلة مساءلة دستورية ومدنية وجنائية، فالقانون يحظر إتلاف الآثار أو تخريبها أو تشويهها أو إلحاق أي ضرر بها، بما في ذلك تغيير معالمها أو فصل أي جزء منها أو تحويلها. ويشمل هذا الحظر أي شخص طبيعي أو معنوي، يتعرض لثروات الدولة طبقا للمادة 11 من دستور مملكة البحرين، والمادة 848 من القانون المدني.

ووحدها وزارة الثقافة والإعلام هي الجهة المختصة للإشراف على جميع مايتعلق بشئون الآثار والمحافظة عليها، وليس لجهة أخرى حق التصرف في المناطق الأثرية والتاريخية إلا في الأحوال وبالشروط المنصوص عليها في قانون الآثار، وهو قانون نافذ صادر بمرسوم ينص على أن مثل هذه الأماكن واقعة تحت سلطة وإشراف واختصاص وزارة الثقافة والإعلام ويحظر إبرام أي تصرف بالنسبة لهذه الأماكن إلا بعد الرجوع للوزارة.

إن مسئولية الأخذ على أيدي المحاولات العابثة، تقع بدرجة حاسمة على الجميع، ولاسيما أن لقنوات الري التي انتهكت أبعاد تتشابك مع اختصاصات جهات عدة، فهي فضلا عن قيمتها الأثرية الدالة، ذات دلالة تنموية واقتصادية كونها تترجم مسعى الإنسان البحريني إلى الترشيد ورفع الجدوى الاقتصادية للاستخدام الأمثل للمياه كأهم مورد طبيعي. وهي مرة أخرى ذات دلالة بيئية تتمثل في إيجاد بدائل آمنة لأنظمة الري، بأقل فاقد من المياه وبنظم للحد من التسبخات ومستنقعات تجمع المياه على الأرض. وهي من جديد، قنوات ذات دلالة على البراعة الهندسية لإنسان هذه الأرض بما أنجزه من شبكات صرف زراعي ومشاريع ري ونقل وتخزين وتوزيع للمياه على امتداد المسطحات الخضراء طوال العصور الغابرة.

لقد وقع المحذور الآن، على نحو لم يسبق الاجتراء على فعله من قبل. وما أفظع ما وقع، والمهم هنا أن يدفعنا هذا الفعل الطائش دفعا إلى إعادة النظر في أسلوب معالجتنا لمثل هذه الانتهاكات، فالاعتداء المرتكب أكد أننا نحتاج إلى حمل مسئوليتنا عن آثار وتاريخ وهوية البحرين على محمل الجد، على مستوى السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية.

تدمير قنوات الري درس تعلمناه، وجرس إنذار كان لا يسمع، وخبرة مؤلمة يجب ألا تتكرر مرة أخرى. وللتاريخ أشهد: اتخذوا كل التدابير

إقرأ أيضا لـ "الشيخة مي بنت محمد ال خليفة"

العدد 2599 - السبت 17 أكتوبر 2009م الموافق 28 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 14 | 2:05 م

      صحيح ما أفظع ما وقع وما سيقع في المستقبل

      لقد تابعت اللقاء التلفزيوني مع سمو الشيخة مي بنت محمد خلال النشرة الإخبارية واعتصرني الألم والحسرة على انتهاك وتدمير الآثار في وضح النهار ويشكل متعمد وقالت أنها وصلها الخبر أثناء زيارتها لفرنسا ورجعت بسرعة لتفقد الموقع ورؤية حجم الدمار والتشويه وهذه الجريمة يجب ألا تمر بدون عقاب رادع ونحن معها في كل ما قالته بالأمس وكتبته اليوم والمشاعر تهتز عند سماع مثل هذه الأمور مثل ما أحسسنا بالقهر عندما سرقوا الآثار العراقية وتم نهب المتاحف والمواقع الأثرية جميعها في بداية الغزو الأمريكي على العراق ,

    • زائر 12 | 3:46 ص

      نبي فعل

      عزيزتي الوزيرة كلامج حلو و مضبوط عشان هللون نبي نشوف عقاب رادع للي يعتدون على الآثار و اللي مازلوا مستمرين في هدم الأثار لأنهم يعرفون محد يحاسبهم

    • زائر 11 | 3:41 ص

      ابيض او اسود وليس منطقة رمادية

      صحيح" مكاسب ضيقة وغير مكترث بثروة البلاد" - " فقد طمس اليوم معالم قنوات ....الخ"
      اتفق مع الوزيرة على " من قام بهذا العمل يقع تحت طائلة مساءلة دستورية ومدينة وجنائية" كل الجناه يطبق عليهم هذا القانون ماذا عن تدمير قبور عالي وغيرها من الاثار هل سيتم تطبيق القانون عليهم ؟
      هذا الموضوع ام ابيض او اسود وليس منطقة رمادية اليس كذلك

    • زائر 10 | 3:24 ص

      من هو المسئول ؟

      أتفق معك في أشياء كثيرة يا وزيرة الثقافة ولكن:
      لماذا يهمل مشهد الخميس إهمالا متعمدا ؟
      لماذا لا يعترف بالآثار في مقبرة أبو عنبرة وشبيهاتها ؟
      لماذا يتهدد تيار الأصالة بهدم تلال عالي ولا من يتصدى لهم ؟
      والتراث يا وزيرتنا العزيزة يعني أيضا الإرث الإنساني والذي يشوهه البعض بكتب مرخصة من قبل وزارتكم العتيدة، إذا أردت أن أرسل لك الكتب والكتيبات التي تنكر وجود البحارنة على الأرض سأفعل أم أنك لا تدرين عنها ؟
      الحديث ذو شجون في هذا الباب ولكني اقتصرت على هذا القليل بسبب قلة المساحة
      تحياتي

    • زائر 8 | 2:25 ص

      البكاء على الاطلال

      باين من كلام الوزيرة انها تتألم لألام الارض الغالية وهذا شي جميل .. وباين أيضا ان في كلامها شوية غصة ولسان حال يقول العين بصيرة والايد قصيرة .. وباين ايضا في كلامها غضب على العابثين بتراث الاجداد والوطن وهذا شيء طبيعي انك تشوف ماتبقى من تراث اجدادك يدمر على يد حفنة من المخربين الخارجين على القانون ولا تقدر تحرك ساكن ضدهم شي طبيعي تغضب .. اطالب الوزيرة بمناشدة المجتمع الدولي للتدخل والضغط على حكومة البحرين من اجل كبح جماح هذه الفئة الفاسدة المفسدة . والله يحفظ البحرين من شر الاشرار.

    • زائر 7 | 2:25 ص

      وماذا عن آثر منطقة الجنبية !!!

      كلام جميل ولا نختلف عليه ، فمن يعتدي على آثر البلد فقد اعتدى على ثروة ثقافية هي ملك لكل اجيال هذا البلد، ولكن هل قناة الري هو الموقع الأثري الأول والوحيد الذي تم الاعتداء عليه ؟!! الم يتم الاعتداء على مساحة واسعة جدا في منطقة الجنبية (سار) تعتبر ثروة وطنية اثرية وثقافية تم هدرها والتعدي عليها!!! لماذا لم يتم محاسبة المتنفذ الذي فعل هذه الفعلة الشنيعة لماذا !!

    • زائر 6 | 2:25 ص

      وين تراثنا

      اسألش ياوزيرة الثقافة وين راح تراثناو انتين أصلا من اللي ما يهتمون بالتراث ، وين القرية التراثية ، راحت ادراج الرياح ولا احد حرك ساكن ، سؤال آخر التخصصات اللي تخرجت من الجامعة في التراث يحاولون يحصلون على تدريب مو وظيفة مو عاطينهم مجال أي تراث تتحجين عنه ، انتون يالمسؤولين اللى تمحون تراثنا ، تدرون لو لا

    • زائر 5 | 1:47 ص

      رد؟؟؟؟؟؟

      لن يكتفوا بالأثار فقط بل بحرق البلاد بأكملها

    • زائر 4 | 1:13 ص

      على السريع

      اقتباس: " فالقانون يحظر إتلاف الآثار أو تخريبها أو تشويهها أو إلحاق أي ضرر بها، بما في ذلك تغيير معالمها أو فصل أي جزء منها أو تحويلها. ويشمل هذا الحظر أي شخص طبيعي أو معنوي، يتعرض لثروات الدولة طبقا للمادة 11 من دستور مملكة البحرين، والمادة 848 من القانون المدني " ... نحن معكم في تطبيق هذا القانون ولكن ألا تلاحظين معنا سعادة الوزيرة أن القانون ينتهك في تلال عالي في بناء فلل

    • زائر 2 | 12:18 ص

      وماذا عن تدمير الإنسان وتدمير البيئة؟

      بلا شك أن كل مواطن يشعر بالإنتماء والإعتزاز بهذا الوطن هو ضد تدمير الآثار ونحن مع الوزيرة في هذا، ولكن نتمنى منها أيضا أن تدافع عن الإنسان في هذا الوطن، وعن البيئة التي تدمر في كل يوم، السواحل التي تسرق وأخرى تدفن وتخرب، الأسماك قاربت على الإنقراض إن لم تكن أنقرضت، أرزاق الصيادين قطعت، من يعمل على تغيير هوية البحرين في الليل وفي النهار بتغيير التركيبة السكانية وحتى جغرفيا البحرين وتاريخها بل حتى الجغرافيا لم تسلم من هؤلاء الذين لا يشعرون بالإنتماء للوطن فعقدت الإنتماء ستبقى تطاردهم.

    • زائر 1 | 10:36 م

      والله ؟

      ( فقد طمست اليوم معالم قنوات الري الإسلامية في مدينة حمد، وغدا ربما يمتد التهور والجهل اللامسئول إلى قلعة البحرين أو سلاسل التلال الأثرية أو قلعة الفاتح أو مسجد الخميس ) ...سلاسل التلال الاثرية .. في اين ؟ في عالي ؟ .. لن يمتد التهور والجهل (غدا )لطمسها .. اتعرفون لماذا ؟ لانه قد امتد ( امس )ولم يحرك المسؤولين ساكنا او لاكون دقيقا تم ذلك يمعرفة المسؤولين ان لم يكن مباركتهم , عموما لنتفاءل خيرا بجهود الشيخة مي وان لا يستمر التدهور اكثر وكفى ما مضى

اقرأ ايضاً