العدد 2599 - السبت 17 أكتوبر 2009م الموافق 28 شوال 1430هـ

نقلة نوعية في منهجية القضاء البحريني..تتجلى في قضية كرزكان

هادي حسن الموسوي comments [at] alwasatnews.com

تجلت منهجية القضاء البحريني في اعتماد الدليل والانحياز للعدل بعيدا عن المأثرات غير الموضوعية في التوصل إلى الحكم في قضية كرزكان، بشكل واضح، ومهني، وحرفي، بحيث أضحى الحكم الصادر من الأحكام التي أطلقت على أساس موضوعي مجرد من أي تأثير سياسي أو غيره.

لا يصح تسليط الضوء على كون القضاء بطبيعته متميز في الاستقلاليه في إطلاق الأحكام، والتجرد عن أي تأثير خارجي يفرض عاملا أو عوامل خارجية عن عناصر مكونات النظر في القضايا محل النزاع. ولكن تسليط الضوء عليها هنا، يأتي على خلفية منهجية مغايرة كنا قد اعتدنا عليها في قضايا كثيرة، لم يرقَ التعاطي فيها إلى أدنى مستويات القبول، لجهة استحواذ القرار السياسي أو غيره على توجيه مسارات القضايا نحو نهاياتها. وما تم في هذه القضية، فرض التنويه والإشادة بمساهمة هيئة القضاء في هذه القضية بفتح باب إثبات إمكانية التجرد والاستقلال والموضوعيه والوقوف على الحياد بين أطراف النزاع، والانحياز إلى العدالة في الأخذ بالأدلة أو رفضها.

بمعنى أن القضاء العادل يتميز بخصوصية تأكيد الارتكان لموازين العدالة والانحياز إليها في النظر في القضايا والبحث عن الدليل، والبرهان المادي والمعنوي المعتمد في إثبات الاتهام أو نفيه، وإنتصاف أطراف النزاع في كل مراحل التقاضي، وإعطاء الفرصة كاملة غير منقوصة لأطراف النزاع في عرض الأدلة والبراهين المادية وغيرها، والحق في نقض الدليل بالدليل، والحجة بالحجة.

ولقد أبلى فريق هيئة الدفاع الموقر بلاء حسنا في تقديمه مرافعات الدفاع التي اتسمت بالرصانة والمتانة في تفنيد الحجج والأدلة التي ساقته النيابة العامة في القضية.

إن القضاء النزيه، يقف على القضايا محل النظر على نفس المسافة بين أطراف النزاع، دون الانحياز إلى هذا الطرف أو ذاك، نعم الانحياز يكون إلى تحقيق العدالة ولا شيء غير العدالة. وبعرض سريع لحيثيات الحكم التي على أساسها أطلق القاضي حكمه في القضية، نجد أنها نقلة نوعيه في منهجية القضاء البحريني في القضايا التي تندرج ضمن هذا النوع من القضايا ذات الملابسات المشوبة بالعوامل السياسية والأمنية الحساسة، وهي كالتالي:

1 - الأخذ بالقاعدة القانونية أن الشك في إسناد التهم يكفي للحكم بالبراءة.

2 - الاعتراف في القضايا الجنائية عنصر استدلال للمحكمة للتعويل عليها متى ما اطمأن القضاء إلى صحتها وخلوها من أي شائبة، أوعدم التعويل عليها إذا ما خلت مما يدعو للاطمئنان إليها.

3 - تقريرات المتهمين بجميع محاضر جمع الاستدلالات واعترافاتهم أمام النيابة العامة قد صدرت تحت شبه الإكراه وقد عدلوا عنها في أول جلسات المحاكمة وأنكروا ما نسب إليهم ودفعوا بتعرضهم للإكراه البدني والتهديد من قبل التحقيقات الجنائية بإيذائهم في حالة عدم الاعتراف أمام النيابة العامة.

4 - اللجنة الطبية التي ندبت بتقرير الكشف الطبي على المتهمين- أفادت- أن بهم بعض الآثار لسحجات على الرسغين- في بعض المتهمين- وقد ذهب المتهمون على أن تلك الآثار ناتجة عن تعليقهم بالسقف.

5 - المحكمة لا تطمئن إلى شاهدي الإثبات الأول والثاني اللذين كانا برفقة المجني عليه وقت الحادث.

6 - تقرير الطب الشرعي الخاص بفحص جثة المجني عليه أثبت أنه قد وجدت به سحجات في ظهر المجني عليه وكتفه الأيمن وركبتيه وأوعز حصول تلك الإصابات أنه نتيجة للاحتكاكات والخدش بأجسام صلبة ذات سطح خشن وأضاف التقرير أن هذه الإصابات لا دخل لها بالوفاة، وقد سألت المحكمة عن سبب وجود هذه الإصابات بجسم المجني عليه لدى مناقشتها شاهدي الإثبات اللذين كان برفقته وقت الحادث، فقرر أحدهم أنه قام وزميله الشاهد الأول بسحب المجني عليه الذي كان راقد على الطريق الاسفلتي وذلك لتقريبه من السيارة في حين نفى الشاهد الأول هذه الرواية.

7 - كبير الأطباء الشرعيين الذي استدعته المحكمة لسؤاله، رجح سبب الإصابة برأس المجني عليه والتي أودت بحياته إلى سقوطه من السيارة وارتطامه بالأرض مما أحدث برأسه كسرا في الجمجمة ونزيفا داخليا هذا فضلا عن أن تقرير الطب الشرعي أثبت أن الحروق التي شوهدت بعنق ووجه المجني عليه وذراعه اليسرى ليس لها دخل في وفاته ومن ثم تنتفي علاقة السببية بين الأفعال المسندة إلى المتهمين وبين وفاته.

8 - التحريات التي أجراها الشاهد الثالث بارتكاب المتهمين للواقعة، لا تعدو أن تكون مجرد قول لقائله لا يمكن الاستناد عليه دليلا بإدانة المتهمين، خاصة أنه لم يؤيدها ثمة دليل مادي يشير بأصابع الاتهام لأي منهم، فلم يضبط لدى أي منهم أي من الأدوات التي تشير إلى ارتكاب الجريمة أو أي ملابس ملوثة بذات المواد الحارقة التي وجدت بمسرح الجريمة.

(سأفرد مقالا عن هذه الجزئية حيث كنت ممن تابع جزئية طلب الجهات الأمنية لملابس المتهمين بشكل متواتر في الأيام الأولى لاحتجازهم).

9 - ولم يشر تقرير مختبر البحث الجنائي الخاص بفحص القبعة والقناع الأسود المعثور عليهما بمسرح الجريمة إلى تطابق الخلايا البشرية التي وجدت بهما مع تحليل الخلايا البشرية لأي من المتهمين حتى يمكن التاطمئنان إلى وجود أحدهم على مسرح الأحداث وقت ارتكابها.

10 - إن شاهدي النفي اللذين استمعت المحكمة إلى شهادتهما في جلسة 16/2/2009 واللذين تطمئن المحكة إلى أقوالهما قررا بأنهما شاهدا السيارة موضوع الدعوى، ترتطم بالرصيف الأوسط ثم اتجهت إلى الطريق الآخر في الاتجاة المعاكس لاتجاهها، وعندئذ سمعت أصوات انفجار تنبعث من داخل السيارة وشاهداها تحترق وينزل منها الأشخاص الذين كانوا فيها ونفى الشاهدان وجود أي تجمهر أو أشخاص يقومون برمي تلك السيارة بأي شيء.

كما أن هناك حيثيات وملاحظات وتفاصيل تم سردها وتدوينها في مجمل ما عرضه القضاء من حيثيات حكم البراءة لا يسع ذكرها هنا، يمكن الرجوع إليها، ولكن كل ما تم تضمينه حيثيات الحكم، لا يدع مجالا للمراقب المنصف إلا أن يقدر الحكم القضائي، ويقدر الهيئة القضائية بعيدا عن الشخصنة والذاتيه، وإنما انطلاقا من فهم وإدراك واضحين للصورة الشفافة التي بدى عليها منهج الهيئة القضائية التي اتخذت حكمها في القضية بناء على الانحياز لموازين العدالة والموضوعية الحكمية.

ما يعرف بقضية المعامير ينظر إليها القضاء الآن، وهي قضية تنتظر ذات المنهجية والموضوعية من هيئة القضاء الموقرة، حيث الدليل يقارع الدليل والبرهان ينقض البرهان ولا يعلو ميزان العدالة أي ميزان، ولا عنوان للقضاء النزيه غير العدالة كعنوان، وهي نقطة مضيئة كما عبر عنها الأمين العام لجمعية الوفاق الوطني الإسلامية الشيخ علي سلمان، كلما اتسعت ساهمت في إضاءة بقعة القضاء البحريني وهو مكسب للوطن كل الوطن

إقرأ أيضا لـ "هادي حسن الموسوي"

العدد 2599 - السبت 17 أكتوبر 2009م الموافق 28 شوال 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:26 ص

      الا القضاء !!

      القضاء طول عمره نزيه ومستقل وغير مسيس وليس في هذه الدعوى فقط و لا يحتاج الى صك براءه من السياسيين ورجال الدين .. نرجو ترك القضاء وشئنه و عدم اصدار احكام البراءة او ثبوت التهم من على صفحات الجرائد او على منابر المساجد والمآتم , البعض بمجرد ان يصدر القضاء حكما بما لاتهوي انفسهم دندنوا على عدم استقالية القضاء وعدم حياديته .. نتمنى البراءه لمتهمي النويدرات .. ولكن اذا اصدر القضاء حكاما مخالفا لما نتمنى سنرى ما يقول المرجفون

اقرأ ايضاً