حين نفكر في السينما المكسيكية فإن أول ما يتبادر إلى الذهن أفلام مثل تلك الأفلام التي قدمها المخرج لويس بونويل الذي لم يكن مكسيكيا لكنه عمل في المكسيك، أو نجوم مثل كارمين ميراندا أو بدرو ارمينداريز اللذان تركا المكسيك من أجل هوليوود ليحققا الشهرة والثروة. هذا إذا لم نكن قد شاهدنا فيلم Amores Perros أروع الأفلام التي تم عرضها في العام 2001.
عندما اعتلى مخرجه اليخاندرو غونزاليز ايناريتو المنصة ليتسلم جائزة البافتا عن أفضل فيلم أجنبي في العام 2001، رحب به الجمهور بحماس شديد، وذلك لأن هذا المخرج الذي كان يقوم سابقا باخراج اعلانات تجارية كان مبتهجا للغاية بالمقارنة مع معظم من فازوا في المهرجان ذاته، لدرجة انه لم يتمالك نفسه، وكذلك لم تتمالك السينما المكسيكية نفسها أيضا منذ أن حقق فيلمه هذا النجاح العالمي.
وقد كان فيلم Amores Perros مرشحا للحصول على جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وهي المرة الأولى التي يتم فيها ترشيح فيلم مكسيكي لنيل هذه الجائزة منذ العام 1976، كما تم عرضه في بريطانيا وفي أماكن أخرى من العالم، وقد قارنته الكثير من المراجعات والتقارير النقدية بفيلم Reservoir Dogs. ولكن ايناريتو كان يعلم جيدا أن التفوق على فيلم Amelie الفرنسي الذي حقق نجاحا هائلا كما انه كان الفيلم المفضل لدى الفرنسيين، وفي مهرجان البافتا، يعني أمرا استثنائيا للمخرج وللسينما في بلده.
وفي اثر هذا الفيلم أتى فيلم آخر حقق نجاحا كبيرا ومبيعات عالية وهو فيلم Y tu mama tambien (And Your Mother Too) للمخرج الفونسو كوارون، وهو مخرج آخر ذو براعة استثنائية لكنه أكبر سنا من اليخاندرو. ويدور الفيلم الذي أسعد المتفرجين حول مراهقين ثائرين جنسيا يسافران برا مع امرأة جميلة متزوجة، بحثا عن شاطئ أسطوري يدعى شاطئ هيفنز ماوث، وقد استطاع هذا الفيلم أن يقدم مادة جريئة وظريفة على رغم كآبتها وشاعريتها.
ويصعب الآن التصديق بأنه منذ فترة ليست بطويلة، كانت السينما المكسيكية التي أسست منذ زمن طويل تعتبر ميتة، وتعاني دائما من أزمة مزمنة تشبه الأزمة التي مر بها البريطانيون، والتي يرى البعض أنها لا تزال تعاني منها، ما جعل إنتاج الأفلام يتلقى صفعة مدمرة من الأزمة الاقتصادية التي مرت بها البلاد في العام 1994. مع حلول العام 1998، فان الصناعة التي كانت تنتج عشرات الأفلام في كل عام، تحقق الكثير منها أرباحها بمبيعاتها في أميركا إذ يقبل على شرائها الآلاف من المكسيكيين المهاجرين هناك، أصبحت تنتج ما معدله 11 فيلما في العام فقط، وهو رقم صغير لم يسمع به في تاريخ أي سينما منذ الثلاثينات.
حتى المحنك ارتورو ريبستين الذي كان يوما مساعد مخرج مع بونويل، ومنتج افلام المكسيك الأكبر الذي توجد أعماله بشكل دائم في مهرجانات الأفلام الرئيسية في العالم، حتى هذا الشخص لم يتمكن من أن يجذب الجمهور المكسيكي بأفلامه، على رغم جودة أفضل أفلامه مثل فيلم Profundo Carmesi (Deep Crimson) الذي يعتبر إعادة مميزة لفيلم The Honeymoon Killers.
بعدها حدث أمر مدهش، حين تم تقديم عمل كوميدي تمتزج فيه السعادة بالألم ويدعى Sex, Shame and Tears للمخرج انطونيو سيرانو الذي كان مثل ايناريتو، يقدم فيلمه الأول. لم يحقق فيلمه نجاحا عالميا ولم يستحق ذلك لكنه في الداخل حقق اكبر مبيعات لم يحققها أي فيلم آخر عبر تاريخ السينما المكسيكية الذي يبلغ 60 عاما. فقد بلغت مبيعاته أكثر مما حصل عليه فيلم Star Wars: The Phantom Menace، وفي دولة تزودها هوليوود بانتظام بما لا يقل عن ثمانية من كل أشهر عشرة أفلام تعرض في دور السينما لديها في كل عام، وقد اعتبر ذلك كظاهرة لم يستطع تجاهلها حتى أكثر الناس تشاؤما.
وقد جعل هذا المنتجين والموزعين وأصحاب دور العرض يغيرون آراءهم عن امكانات النجاح التجارية للمنتج المحلي، كما شجع المخرجين الناشئين مثل الفونسو اروا، ولويس ماندوكي، وغويليرمو ديل تورو على التفكير في العودة إلى المكسيك لتقديم أفلامهم.
إن فيلم Amores Perros حسم الأمر، وفي المكسيك نفسها، أصبح أشهر فيلم بين الأفلام المحلية والخامس على قائمة الأفلام الملحمية العالمية مثلGladiator، Mission Impossible II. وقد أنتجته شركة التافيستا للأفلام، وهي شركة جديدة في ذلك الوقت سياستها الوصول إلى نقطة وسط بين إسعاد المتفرجين التجاري والمحافظة على فن صناعة الأفلام. وقد ظهرت الآن شركات أخرى مثل فيديوساين، وهي تمثل الفرع المختص بتقديم الأفلام لشركة تيلي فيزا، وهي أقوى شبكة تلفزيونية في البلد.
ولكن التمويل الرئيسي للفيلم كان من شركة ايماسين، الشركة الحكومية التي ساهمت بشكل كبير في إنقاذ السينما المكسيكية خلال سنوات ضعفها. وعلى رغم هذه الانتصارات الساحقة، بقيت بعض السحب القاتمة فقد أخفق فيلم Sin dejar huella (Without a Trace) لماريا نوفارو بشكل كبير، كما يعلم الجميع بأن هوليوود لا تزال هي المسيطرة في كل دولة من دول أميركا اللاتينية، ومع ذلك فمن الواضح أن السينما المكسيكية لم تعد تعاني من الركود.
أحيانا يتطلب أمر الوصول الى نهاية سعيدة او للدولة التي عمل فيها بونويل لفترة طويلة، فيلمين أو ثلاثة أفلام من هذه النوعية يقدمها مخرجون ذو جرأة في الطرح
العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ