العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ

جرائم شعورية!! ...Equilibrium

شاهدت لك

تطل علينا هوليوود بين الحين والآخر بصرعات وتقليعات جديدة... صرعات تمس جميع شئون حياتنا وتفاصيلها عموما، وجميع ما يتعلق بالفن السابع وأساليبه وتقنياته خصوصا. حديثا، طالعتنا بإحدى هذه الصرعات الفنية التي جاءت في صورة أسلوب معين ونمط خاص تسير عليه أفلام الخيال العلمي. فهذه الأفلام، التي كانت لفترة طويلة لا تمت للواقع بصلة لا في قصتها ولا في هدفها، تأتي اليوم بحلة جديدة توظف من أجلها تقنيات فنية ورقمية عالية جدا لتقدم إلينا صورا وأصوات تأسر الحواس وتقرب المشاهد إلى الواقعية. ولم يكن التطور الحادث في خيال هوليوود العلمي مقتصرا على الاستفادة من التطور الرقمي الهائل، بل انه تعدى ذلك ليصل إلى الموضوعات التي تناقشها هذه الأفلام والتي تتطرق إلى أمور فلسفية عميقة، أو ايديولوجية معقدة، هذا عدا عن تضمين الفيلم بعض المشاهد الدرامية ليصبح تصنيف هذه الأفلام (دراما خيال علمي) وليس مجرد (خيال علمي). هذا التطور بدا واضحا في سلسلة أفلام The Matrix التي جاءت بحلة جديدة، وابتدعت هذا النمط التقني المذهل الذي لا يمكن نكران روعته والذي أعجب الكثيرين من المشاهدين، وإن كانت نسبة لا بأس بها منهم لم تتمكن من هضم القضايا الفلسفية التي تناقشها قصة الفيلم. ويأتي فيلم هذا الأسبوع Equilibrium ليقتفي أثر فيلم The Matrix على الأقل من الناحية التقنية.

يناقش هذا الفيلم الذي تدور حوادثه في القرن الواحد والعشرين قضية أقرب ما تكون إلى القضايا السياسية، ولكن من خلال المناقشة تلك يتم التطرق إلى تفاصيل سيكولوجية مثيرة كما يتم تطعيم الحوارات التي ترد ببعض العبارات الفلسفية الشعرية هنا أو هناك.

تدور القصة في عالم المستقبل الخيالي وفي أعقاب حرب عالمية ثالثة دمرت الكون ودفعت بأحد الأنظمة، التي أرادت القضاء على الحروب، إلى اللجوء إلى قمع مشاعر الناس، وإلى حظر تعاطي الفنون الجميلة والشعر والأدب والموسيقى لتصبح الكتب من المحرمات قانونا، وليصبح اقتناء اسطوانات وشرائط أي أنواع الموسيقى جريمة يعاقب عليها القانون. والنظام يضع مبرراته لكل ذلك، فهو يرى أن هذه المحظورات تثير مشاعر الحب أو الكره أو الألم أو الحزن أو الغضب، وهي المشاعر التي أدت الى قيام جميع الكوارث والحروب التي دمرت الكون، وهكذا يصبح تعاطي هذه الأمور جريمة يعاقب عليها القانون، وعقوبتها هي الموت إما في مسرح الجريمة أو حرقا في غرفة خاصة.

لكن يبدو وكأن المدينة تمتلئ بمرتكبي جرائم الإحساس هؤلاء، الأمر الذي يجعل جون بريستون (كريستيان بايل)، العميل الحكومي عالي المستوى والمسئول عن القبض على هؤلاء المجرمين، في سعي دائم لتعقبهم والقضاء على خلاياهم. ويبدو جون مخلصا في عمله إلى حد كبير فهو يسلم زوجته التي ارتكبت جريمة شعورية ليتم قتلها حرقا، كما يتولى إعدام زميله في العمل (شون بين) الذي يقع في يده كتاب شعري فيجد في نفسه استجابة «شعورية» لمادة الكتاب، وهكذا يصبح أحد مرتكبي جرائم الشعور وأحد المستحقين للإعدام بعد اكتشافهم بالجرم المشهود، إذ يفاجئه جون حين يكون الثاني منهمكا في قراءة كتاب الشعر هذا، مستكشفا مع كلماته متعة القراءة الشعرية. وليتمكن جون من الوصول إلى هذه المرحلة اللاانسانية التي تجعله شبيها بالآلات حتى في ملامح وجهه، يجب عليه، كما هي الحال مع كل فرد من أفراد هذه المدينة، أن يحقن نفسه يوميا بجرعة «بروزيوم» وهو مستحضر يعمل على احداث تغيرات دماغية تكون نتيجتها قتل المشاعر وتجميدها.

يخطئ جون يوما ويفقد جرعة «البروزيوم» المخصصة له، وهكذا يجد نفسه في موقع ضحاياه ويبدأ هو نفسه بارتكاب جرائم شعورية. يتطور به الأمر بعد أن يقرر التوقف عن حقن نفسه بـ «البروزيوم» ليجد نفسه إنسانا آخر ومرتكبا للكثير من الجرائم الشعورية، فهو يتألم ويحزن ويحب، بل ويشعر برغبة جنسية عابرة تجاه إحدى السجينات المتهمات بارتكاب جريمة تعاطي الفن والموسيقى (ايميلي واتسون)، كما انه يصبح الشخص الوحيد القادر على القضاء على هذا النظام الاستبدادي. لكن الأمور لا تسير كما يريد إذ تساور الشكوك زميله الجديد في العمل (تاي ديجز) الذي يقتفي أثره ويبلغ عنه رؤساءه ثم يحبك ضده مؤامرة ليوقعه في يد النظام وليوقع به أشد العقاب. لكن، وكما هي الحال في جميع أفلام الأكشن والاثارة التي تنتجها هوليوود، يتمكن جون من القضاء على العشرات من الجنود والحراس ليصل إلى مقر الرئاسة ويقضي على رئيسه وعلى زميله في العمل على رغم احاطتهما بعشرات الحراس الشخصيين المجهزين بكامل العتاد.

جاء نص الفيلم الذي كتبه كيرت ويمر وكأنه يقدم ايحاءات وأفكارا جديدة إلى أية جهة ترغب في السيطرة على أي كان، فالسيطرة على الشعور هي الأساس في التحكم في الإنسان الذي إن تخلص من مشاعره أصبح كالآلة التي يمكن برمجتها وتوجيهها لفعل أي شيء. كما يشير الفيلم إلى بعض الجهات قد تعتقد أنها تحسن صنعا، فالنظام الاستبدادي هنا يهدف إلى تخليص البشرية من الحروب، وهو هدف نبيل سام، لكنه يخطئ الأسلوب، كما تخطئ الكثير من الجهات في اختيار أساليبها، بالاضافة إلى أن قياداتها لا تحمل نوايا مخلصة، وكأن هناك لمحة ولو كانت بعيدة إلى واقع نعيشه فيما تسميه أميركا بـ «الشرق الأوسط» الذي تحمِّله مسئولية الكثير من العنف والإرهاب العالميين، وهكذا يبدو وكأن النص ذو توجه أميركي مطلق. بالاضافة إلى ذلك يبدو وكأن الكثير من التفاصيل مأخوذة من نصوص أفلام أخرى، كما انه يحوي بعض المغالطات، فزميل جون الذي يوقع به تدفعه غيرته من جون إلى مراقبة تحركاته والايقاع به في نهاية المطاف... أليست الغيرة شعورا؟! فلماذا اذن لم يتمكن «البروزيوم» من القضاء عليها؟!

أما من الناحية الفنية فقد اعتمدت مشاهد القتال بشكل كبير على التقنيات الفنية ذاتها التي استخدمت في فيلم The Matrix ولذلك جاءت هذه المشاهد مشابهة بشكل كبير لتلك الموجودة في سابقه، ولذلك يتهم الكثيرون من النقاد فيلم Equilibrium بتقليد الكثير من الأفلام واقتباس الكثير من أفكارها ولعل أهمها فيلمThe Matrix. ومهما يكن من أمر فقد أبدع المخرج في اقتباساته وفي تقديمه للقصة وفي عرضه لكل مشاهدها.

لكن ما يحسب فعلا للفيلم هو انه يحوي فكرة على رغم كل شيء، وان فكرته أبسط بكثير من تلك التي قدمها The Matrix بجزئيه، كما أنها عرضت بشكل مباشر ولم تعتمد الترميز الذي يوحي بعدم امتلاك كاتب قصة The Matrix أو مخرجها أية جرأة أو شجاعة في الطرح، وهو الأمر المطلوب لكل من يخوض بحورا عميقة كتلك التي خاضها ذاك الفيلم أو هذا.

يمكن الحصول على نسخة الفيلم من محلات مدينة الليزر Laser Town - شارع البديع، هاتف: 693110

العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً