العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ

فيكي فوناري... صدقية الفن

رحلة الكاميرا عبر المأسوية والألوان

قدمت فيكي فوناري فيلم Pauline الذي فاز بجائزة لجنة التحكيم في مهرجان سان فرانسيسكو العالمي للأفلام في العام 1998، وهو فيلم روائي توثيقي تقوم فيه جنيفر مايتورينا تايلور بالتجوال عبر قناة مكسيكية خضراء ذات رائحة نتنة تمتلئ بالذكريات والعواطف والألوان التي يبرز من بينها لون بشرة باولين البني القاتم، واللون الأخضر الذي هو لون الأكاذيب والخيانة والعلاقات العاطفية الخاطئة التي تقام بين الأسر والتي نجد لها حضورا روحيا في هذا الفيلم، ويدور الفيلم حول قصة باولين كروز سوريز وهي فتاة مصابة بلعنة الكذب منذ كانت صغيرة في السن وقد قام والداها ببيعها لتعيش حياة ملؤها الألم والعبودية.

وينجح الفيلم في تتبع رحلة باولين التي تصل إلى نهاية سعيدة إلى حد ما، كما ينجح في أن يوضح لنا الكيفية التي يفيدنا فيها الألم والتمسك بالذكريات المؤلمة في تهدئة نفوسنا ومعالجة جروحنا، على الأقل بالنسبة إلى باولين، ويبدو وكأن الفيلم يريد أن يقول «لا تصرف الذكريات من ذهنك، اجعل من حياتك قصاصات من المشاعر، وتركيبات من الألم والمتعة والحيرة»، وينقل الفيلم رسالته هذه من خلال قصة قوية وأداء معبر، وجميعها تأتي تحت إخراج فيكي فوناري الرائع والمميز.

وقد توصلت فيكي - التي نشأت في المكسيك - إلى فكرة الفيلم من «باولين» التي كانت تعمل خادمة في منزل أسرتها والتي كانت بالنسبة إليها أُما ثانية، كما كانت ابنتها روزا ماريا أخت صغرى لفيكي.

تقول باولين «غادرنا المكسيك عندما أصبحت في الحادية عشرة من عمري وذهبنا إلى الولايات المتحدة، افتقدتُ باولين وابنتها وشعرت وكأنني فقدت جزءا من العائلة وعندما أصبحت شابة رغبت في زيارة المكسيك وحين ذهبت إلى هناك والتقيت بباولين التي روت لي قصة حياتها، فتأثرت كثيرا وشعرت وكأنها فتحت بابا بين عالمينا وبين حياتي وحياتها، وعرفت حينها أن هذه المرأة التي اعتبرتها أما ثانية كانت غريبة عني ولم أكن أعرف عنها أي شيء، وهكذا جاء الفيلم كمحاولة لاستكشاف حياتها وللتعرف على الأسباب التي جعلتها غريبة وغامضة بالنسبة إلي. أردت أن أركز على علاقتها مع مستخدميها وعلى الغموض المحيط بها لكنني وجدت نفسي أتجه إلى طفولتها، والى أسرتها والى سكان المدينة التي عاشت فيها والذين كانوا يعاملونها بالطريقة نفسها التي عاملها بها الكثير من مستخدميها الذين حولوها إلى ما يريدون وليس ما تريده هي».

لاقى فيلم «باولين» نجاحا كبيرا كما حصد عددا من الجوائز بالإضافة إلى استحسان الجمهور وحبهم له وعن ذلك تقول فيكي «شعرت أن جهودي لم تضع سدى فلقد قضينا أنا وباولين وجنيفر التي شاركت في الإنتاج والتأليف، عشر سنوات في كتابة هذا الفيلم، وهي السنوات التي فقدت فيها حماسي للقصة بل وحتى عواطفي تجاه حوادث القصة، نسيت أن الفيلم عاطفي على رغم انني كنت مشغولة بالتفكير فيه الى حد كبير، ولذلك أصبت بدهشة كبيرة حين بكى الجمهور بعد عرضه وقد شعرت بامتنان كبير خصوصا بسبب الطريقة التي بدأت تشعر بها باولين والتي كانت تخشى من ان يسخر منها الناس لكنها وجدتهم وقد تفاعلوا مع قصتها بشكل كبير بل وبدأوا يحكون لها حكاياتهم»، لكن نجاح الفيلم كانت له أبعاد أخرى فباولين التي لم تكن سوى خادمة في المنازل بدأت تستمع بحياة الشهرة والنجاح الفني وهي الحياة الصاخبة التي كانت مختلفة تماما عن حياتها الرتيبة المملة، تقول فيكي «شعرت وكأنني أربكت حياتها وهو الأمر الذي لم أكن أقصده، فبعد عام واحد من السفر والتنقل والاستمتاع بالشهرة هدأت الأمور، وعادت باولين إلى عملها القديم وهو الخدمة في المنازل، في آخر مرة تحدثنا أخبرتني أنها تشعر وكأنها سجينة مع انها كانت تشعر بالقناعة في عملها لأنه كما كانت تقول كان يشعرها بالأمان».

درست فيكي في جامعة نيويورك وخلال سنتها الدراسية الأولى تعرفت على ليزي بوردين التي قدمت فيلم Born in Flames وكانت في ذلك الوقت تنتج فيلم Working Girls وقد عملت معها فيكي في هذا الفيلم كمساعدة في إخراجه، بعدها وفي العام نفسه أخرجت فيكي فيلما توثيقيا باسم Alternative Conceptions يتحدث عن الفتيات الشاذات اللواتي ينجبن أطفالا عن طريق متبرعين، وهو الأمر الذي كان غريبا وشاذا في وقت إنتاج الفيلم. بعد تخرج فيكي من الجامعة سافرت إلى نيكاراغوا والمكسيك وهناك التقت بباولين وظهرت فكرة انتاج الفيلم، لكنها كانت بحاجة إلى تعلم المزيد عن الإخراج، الأمر الذي دعاها إلى السفر إلى سان فرانسيسكو ومنذ ذلك الحين بدأت في العمل في إخراج الأفلام بشكل مستقل، وكان آخر عمل أخرجته هو عمل Skin-es-the-si-a الذي يدور حول القوانين والشرائع الثقافية في جسد الأنثى ويستكشف حركات الجسد من خلال الطريقة التي نتحدث بها ولم يعرض الفيلم في الكثير من المهرجانات لتصويره جسد امرأة عار طوال مدته التي لا تزيد على ثمانية عشر دقيقة.

في فيلم Pauline عالجت فيكي الألوان بطريقة بارعة استطاعت من خلالها احداث تأثيرات صوتية وبصرية رائعة، تقول فيكي «كان ذلك جزء من ثقافتي المكسيكية وجزء من أسلوبي أيضا وكلاهما أمر واحد فأنا كنت في المكسيك منذ كنت في السابعة حتى الحادية عشر من عمري، ومنذ ذلك الحين وأنا أشعر دائما بأنني جزء من هذا المكان وانني بحاجة إلى العودة إليه دائما لأبقى حية وكل ذلك لأن إدراكي للأمور بدأ حين كنت أعيش هناك.

وقد جاء اختياري للألوان المشرقة كما تعمدت إشباع المشاهد بأصوات الطبيعة وليس بالأصوات الحادة الخشنة، فاستخدمت أصوات الحشرات وكل ما يوجد في الطبيعة، وقد اعتمدت في اختياري للأصوات على الطريقة التي استجبت بها لقصة باولين والكيفية التي نتشابه بها، ومن الطريقة التي نستجيب بها للنباتات والحيوانات وعلاقتنا معهم. إن الألوان تحاول أن تصور المكان وشعور الأشخاص وشخصية باولين الحيوية والمتغيرة وهكذا فقد أردت أن تكون الألوان زاهية ومشرقة كباولين».

مساعد مدير مهرجان سان دييغو للأفلام

العدد 359 - السبت 30 أغسطس 2003م الموافق 03 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً