العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ

عن طرد عرفات

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

هل يمكن عزل قرار الحكومة الإسرائيلية «المبدئي» بطرد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات من بلاده عن مجموع التطورات التي تراكمت دوليا وعربيا منذ ضربة 11 سبتمبر/أيلول 1002؟

من الصعب عزل الأمور عن بعضها بعضا. وبالتالي لا يمكن قراءة القرار من دون عودة إلى جملة التطورات التي رسمت سلسلة مسارات ساعدت حكومة ارييل شارون على التصرف باستقلال عن الفضاءات الدولية. فتلك الفضاءات شهدت الكثير من التأزم في العلاقات الأميركية - الأوروبية. كذلك اضعف انقسام الموقف الأوروبي وتوزعه على محاور عدة قدرة روسيا على المراهنة على قوة أوروبية بديلة. وأنتجت مجموعة هذه الانقسامات الدولية سلسلة انهيارات إقليمية كشفت إلى حد كبير منظومة الدفاع العربية وعطلت إمكانات نهوض موقف مشترك يتناغم على سياسة موحدة من القضايا الساخنة.

ولاشك في أن إمكانات الدول العربية مجتمعة أقل بكثير من المطلوب لمواجهة عاصفة الغضب الأميركية، إلا أن تلك الإمكانات على قلتها ليست ضعيفة إذا أحسن استثمارها. فالدول العربية ليست قوية إلا أنها ليست ضعيفة إلى حد عدم الاكتراث بمصيرها وأمنها ومستقبلها. المشكلة في الدول العربية انها استضعفت نفسها وبات حالها كحال «المتسول» الذي يطلب العطف والشفقة من قوى كبرى تنظر إلى العرب كقوة واحدة ومتجانسة.

وهذا هو مكمن التعارض. الدول الكبرى تنظر الى الدول العربية كقوة واحدة تملك الكثير من الخصائص المشتركة تعطيها القدرات التي تجعلها - في حال استخدمت - من أقوى الأمم أو التكتلات الإقليمية الكبرى. بينما الدول العربية تنظر إلى نفسها في مرآة مقلوبة وتظهر أمام العالم كقوة مشردة ومعطلة لا غطاء يحميها ولا سياج يحصنها ولا سياسة ترد عن كرامتها الضربات المتلاحقة.

لاشك في أن التفكك الدولي زاد من احتمالات التفكك العربي، إلا أن الدول العربية لم تبذل الجهد الكافي للبحث عن بدائل أو حتى التخطيط لسياسات ترد عنها الهجوم الكبير الذي استغل الفرصة التاريخية للانقضاض على العرب دولة بعد دولة.

حتى تلك الدول الأوروبية (فرنسا وألمانيا واليونان وبلجيكا وغيرها) التي وقفت إلى جانب روسيا والصين ضد الحرب على العراق أخذت اليوم تساوم الولايات المتحدة وتفاوضها على مشروعات لتدويل الأزمة العراقية في وقت لم تتفق فيه الدول العربية على سياسة موحدة لإدارة الأزمة واستيعاب تداعيات الحرب والتهديد بتوسيعها واستكمال أهدافها ومنها ابتزاز بعض العواصم العربية وتصفية القضية الفلسطينية.

لاشك في أن شارون هو المسئول الرئيسي عن انهيار الهدنة التي أعلنتها فصائل المقاومة، وهو يتحمل مسئولية تجميد «خريطة الطريق» التي أعلنتها أميركا وتعطيل كل محاولات الحلول السياسية التي تبنتها اللجنة الرباعية... إلا أنه ليس المسئول الوحيد. فواشنطن تتحمل إلى جانب تل أبيب مسئولية كبيرة في هذا الشأن نظرا إلى دعمها المطلق واللامحدود لسياسة شارون. فالصداقة القائمة على تبادل المصالح الشخصية بين الرجلين أسهمت في تشجيع شارون على استغلال الغضب الأميركي ونقمة إدارة البيت الأبيض على فشلها في منع هجمات سبتمبر وانتقامها الغريزي من كل مخالف لرأيها.

إلا أن رمي المسئولية على الآخر لا يكفي لقراءة الحوادث ومحاولة تفسيرها. فالمسئولية أيضا تقع على الدول العربية التي استوطت حيطها وأهملت نفسها واتكلت على الكبار لحماية حقوقها ومصالحها... وذلك أوصل الوضع إلى ما وصل إليه من استهتار بالدول العربية وازدراء بمشاعر دولها وكرامة شعوبها. وما يحصل في فلسطين هو صدى لما يحصل في العراق وربما أفغانستان.

قرار الطرد أثار موجة من الغضب بدءا من البحرين وصولا إلى الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة. فالقرار شكل شرارة أوقدت النيران وأسهم في تشكيل إجماع دولي - عربي يعترض على مبالغة «إسرائيل» في استغلال الظروف التي تمر بها المنطقة بعد الحرب على العراق واحتلاله. والاجماع يؤكد من جديد وجود ممانعة عربية يمكن أن تتحول إلى نواة صلبة تقف عليها جامعة الدول العربية لإعادة تأسيس «موقف قومي» يشترك في رسم سياسات عامة تمثل الحد الأدنى الذي لا يمكن التهاون به أو التنازل عنه. فالغرور الإسرائيلي وصل إلى حد إهانة «كرامة العرب والمسلمين»، كما أشار عاهل البلاد في كلمته. كذلك وصل التحدي الإسرائيلي إلى درجة لم يعد بالإمكان سكوت الدول العربية عن نتائجه الكبرى. فقد حان، كما ذكر عاهل البلاد، الوقت «ليكون للعرب موقفهم» إذ لا يجوز أن تعامل الأمة «بهذا الأسلوب».

... إنه نداء وحان وقت تحويله إلى خطة عمل.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً