العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ

القوميون يفوزون في انتخابات نقابة المحامين

النقابة الأولى بعد سقوط صدام

عصام فاهم العامري comments [at] alwasatnews.com

.

سواء في بيوتهم او في المقاهي يتواصل الحديث بين العراقيين عن تداعيات الوضع في بلادهم بعد سقوط نظام صدام حسين، وتزداد سخونة الحديث كما هو الصيف اللاهب إذا ما ذكر أحد المتحاورين «العروبة» أو «القومية العربية». فقد أصبحت الهوية العربية اليوم «سبة» في العراق. العراقيون باتوا يعتقدون انهم ظلموا من العرب وظلموا من صدام بداية، ويقولون إن العرب ظلمونا عندما سكتوا عن جرائم نظام صدام بدءا من التهجير القسري لمئات الآلاف من العراقيين في العامين 0791 و0891 وانتهاء بالمقابر الجماعية.

الوضع الجديد على الساحة السياسية العراقية أو ما يسميه البعض «معاداة العروبة» او التنكر للعروبة الذي ولد من حرب «تحرير العراق» وشعار العراق للعراقيين الذي يجد صداه على الأرض الآن هو «نتيجة طبيعية للتقهقر الذي أصاب التيار القومي في الوطن العربي اثر الهزائم والفشل الذي مني به هذا التيار من ستينات القرن الماضي حتى يومنا الحاضر» كما يقول الامين العام لمنظمة العمل الوطني والقيادي البعثي في الستينات معاذ عبدالرحيم. الذي يضيف: «ومن الطبيعي ان تفعل هذه الهزائم المستمرة في تقهقر التيار القومي في العراق أيضا، الذي كانت سلطة نظام صدام ممثلة له وكانت تجسيدا للدكتاتورية البشعة من جانب والفساد من جانب آخر والهزيمة من جانب ثالث».

وفي رأي الكثير من العراقيين ان رد الفعل للتجربة القاسية والمريرة - التي عانى منها العراقيون من نظام صدام البعثي والمحسوب على التيار القومي وموقف الدول العربية اللامبالي مما كان يجري في العراق - جعل شعار «العراق اولا» يقفز الى الواجهة، لا سيما وان الدكتاتورية والاستبداد قد ارتبطا بشكل أكثر قسوة مع التيار القومي عندما تولى السلطة في أكثر من دولة عربية خلال نصف القرن الماضي.

غير أن عضو المكتب السياسي للحركة الاشتراكية العربية قيس جواد العزاوي يعتبر رد الفعل المناهض للعروبة والقومية في العراق ما هو الا مجرد «فورة عابرة يعرفها المتابع الدقيق لحركة التاريخ، فورة حدثت من قبل في لبنان أثناء رئاسة بشير الجميل وحدثت في الكويت إبان الغزو العراقي، لكنها لم تصمد طويلا في البلدين. وعادا كلاهما الى الحظيرة العربية». ويضيف: «صحيح ان اللبنانيين إبان الاجتياح الإسرائيلي جاءت عليهم فترة كفروا فيها بالعرب والعروبة تماما كما يفعل بعض العراقيين اليوم، غير أنهم اكتشفوا كما سيكتشف العراقيون لاحقا انهم عرب في السراء والضراء... العروبة هويتهم وقدرهم وملاذهم وكرامتهم ولو كثر المنافقون ودعاة التقوقع».

لكن استاذ التاريخ في كلية التربية عبدالامير دكسن يرى «ان التيار القومي في العراق تاريخيا كان دوره ضعيفا، ولم يعلُ شأنه إلا عبر السلطة التي استحوذ عليها وصار يمارس القمع والاستبداد بحق التيارات الاقوى من خلالها ليبقى وحيدا وطاغيا في الساحة بينما توارت التيارات الاخرى تحت الارض او هجرت قسرا الى خارج الحدود». ويشرح دكسن «ان العناصر القومية العربية تتميز بضآلة وضعف دورها في الساحة العراقية مقارنة بهيمنة التيار الاسلامي تاريخيا ومؤسسيا وزعامته على الرأي العام العراقي». ومرد ذلك في اعتقاد دكسن هو ان العراقيين لم يكونوا في تاريخهم الحديث جماعة سياسية واحدة، ليس فقط بسبب وجود الكثير من الأقليات العرقية والدينية كالأكراد والتركمان والاشوريين واليزيديين والصابئة والشبك وغيرهم؛ بل ايضا لأن العرب انفسهم وهم الأكثرية في البلاد كانوا يتشكلون الى حد بعيد من جملة من المجتمعات المتمايزة والمنغلقة على الذات، على رغم تمتعهم بسمات مشتركة. ويؤكد: فعلا كان كل من عرب العشائر وعرب المدن على وعي بكونهم عرب، لكن وعيهم هذا لم يكن مماثلا للوعي القومي السياسي المتمثل في التيار القومي. ان عروبتهم لم تكن عروبة دينامية ولم تشكل العروبة مركزا لاستقطاب مشاعرهم وولائهم.

وعلى العكس يرى القيادي البعثي السابق وزعيم حزب الإصلاح الديمقراطي الذي أعلن تأسيسه حديثا صلاح عمر العلي «ان الساحة السياسية العراقية تظل بحاجة الى تيار العروبة السياسي، وان المشهد السياسي العراقي الراهن وعلى رغم أنه متخم بالأحزاب فإنه مازال يخلو من وجود مشروع وطني كامل لبناء عراق حر وديمقراطي ينفتح على العراقيين والعرب على حد سواء». وأضاف «هذا التوجه فقط... اقصد الاتجاه السياسي الوطني العراقي ذا اللب القومي من شأنه ان ينهض بمسئوليات المرحلة الراهنة في العراق».

وإذا كان التيار القومي في العراق الآن، وفي ظل تيار عراقي رافض للقومية، يدعو الى العروبة المنفتحة والديمقراطية فإن السؤال الذي يثيره مناصرو العروبة هو: لماذا تناسى الألمان والفرنسيون قرونا من الحروب ليصبحوا عمليا دولة واحدة؟ ولماذا تجمع الهوية الأوروبية بلدين متناقضين مثل اليونان وإسبانيا؟ المروجون للتيار القومي العروبي والعاملون على ترسيخ موقعهم في المشهد السياسي العراقي يرون ان الهزيمة ولاشيء غيرها هي التي تدفع الوضع العراقي نحو مزيد من التشرذم والتشتت ونحو مزيد من الانكفاء على الذات والانعزالية.

لكن معارضي المد القومي لهم رأي آخر... الكاتب والمحلل السياسي علي الخفاجي يقول « ان العرب ينظرون إلى حياة العراقيين غير ما ينظرون إلى حياتهم، وتلك لعمري قسمة مجحفة... فالعرب في حياتهم العملية يتعاملون بواقعية جدا، لكنهم يطالبوننا نحن العراقيين بتطبيق شعارات الوطنية والعروبة... وهذا ما فعله صدام... أعطانا الوطنية والعروبة واخذ الوطن والسلطة واحتل العراق من أول شبر في الشمال حتى آخر شبر في الجنوب».

وفي مقابل وجهتي النظر هاتين المؤيدة والمعارضة للتوجه القومي، فإن الوقائع على الأرض تشير الى ان التيار القومي في العراق مازال يشكل كتلة بشرية كبيرة جدا قد لا تكون منظمة بالقدر الكافي بسبب النظام الشمولي السابق، إلا ان فوز عدد كبير من رموز الحركة القومية في انتخابات النقابات ومؤسسات المجتمع المدني الجديدة تؤكد كما يقول قيس العزاوي «ان وجود التيار القومي العروبي على الخريطة السياسية في العراق وجود حقيقي وواسع، لأن مؤسسات المجتمع المدني لا تنتخب إلا من له حضور حقيقي وتأثير فاعل... وما يشاع الآن عن ضعف التيار القومي في العراق ليس له قيمة فهو متجذر فيه».

ويذكر ان النقابة الوحيدة في العراق - التي تشكلت بعد سقوط النظام بموجب انتخابات ديمقراطية جرت في جميع انحاء العراق - هي نقابة المحامين ومعظم من فاز في هذه الانتخابات شخصيات ناصرية وقومية معروفة في الوسط العراقي. وتشير التقديرات إلى ان التيار القومي ورموزه من المؤمل ان يفوز في انتخابات نقابات العمال التي يجري العمل على اجرائها في الاسابيع المقبلة.

مناصرو العروبة يعملون جاهدين على توحيد صفوفهم عبر برنامج للتحالف الوطني الديمقراطي وتنسيق المواقف مع القوى والحركات السياسية الرافضة للاحتلال الأميركي، بينما لا يجد معارضو العروبة غضاضة في ان تجتمع «مصلحة العراقيين» كما يقولون مع مصالح الأميركان.

وإزاء هذا الأمر الذي يبدو غريبا على الساحة السياسية العراقية يتساءل رموز التيار القومي ومؤيدوه في العراق: إذا كانت الهوية العربية قد أصبحت عبئا على العراق، فهل لدى المتحمسين لنعي العروبة هوية بديلة مقترحة؟ وهل فكروا بمستقبل هذا العراق الذي يعني الكثير للعرب كل العرب؟ يقول الكاتب الخفاجي «الهوية البديلة للعروبة هي العراق... العراق بكل مكوناته هو البديل، فالعراق أصبح الآن اكثر التصاقا ببلده وثروته وخيراته... والثقافة الشائعة اليوم على رغم اعتراض المعترضين تقول ان العراقي هو الأول والأخير في هذا البلد».

لكن العلي مثله مثل العزاوي وبقية القومييين لا يرون تناقضا بين عراقية العراقي وعروبته. ويضيف العلي في هذا الصدد «في عصر التفتيت العشائري وما دون العشائري لا تصح عروبة العراقي أساسا ما لم يكن عراقيا صادقا مثلما لا تصح عروبة الفلسطيني إلا إذا كان فلسطينيا صادقا. وبالتالي حتى الكيانية الانعزالية مقبولة إذا مورست بصدق فلم تميز بين الطوائف الدينية والاقليات العرقية والمحرومين طبقيا». أما قيس العزاوي فيقول «العراق عربي ودليل عروبته حتى أولئك الذين يقولون ان العراق للعراقيين فقط ويساهمون في تعميق الفجوة... هؤلاء أرسلوا وفدا الى الدول العربية بحثا عن شرعية ما... إذا لا يمكن للعراق ان يستغني عن محيطه العربي... وهذه ليست حقيقة جغرافية ولكنها حقيقة تاريخية وثقافية وحضارية لا يستطيع أحد ان ينكرها»

العدد 373 - السبت 13 سبتمبر 2003م الموافق 17 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً