العدد 374 - الأحد 14 سبتمبر 2003م الموافق 18 رجب 1424هـ

احتلال العراق... بداية أفول دور المحافظين الجدد في أميركا

متى يتخلص بوش من رامسفيلد؟

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

يسود اعتقاد في الاوساط السياسية والدبلوماسية وخبراء في السياسة الخارجية بحدوث تغيير جوهري في خطاب البيت الابيض والادارة الأميركية فيما يتعلق بالعراق، وان الخطاب الذي القاه الرئيس الأميركي جورج بوش الاحد الماضي هو ابرز دليل على ذلك التغيير. ويرى هؤلاء ان اكثر هذه التغييرات أهمية، ما يبدو انه ضعف في المسار الهابط الاحادي الجانب الذي اقام عليه صقور الجناح اليميني الحاكم في البيت الأبيض السياسة الخارجية للولايات المتحدة قبل عامين، الذي بدأ يفقد بسرعة لم تكن متوقعة، قوة الدفع بعد الاحتلال السريع للعراق في ابريل/نيسان الماضي والانتصار الذي اعلنه بوش في خطابه من على ظهر حاملة الطائرات ابراهام لينكولن في الاول من مايو/ايار الماضي. ويرى هؤلاء الخبراء ان هذا المسار الذي اختطه المحافظون الجدد في واشنطن يهبط بسرعة إلى الحضيض.

ويبدو ان ادارة بوش عشية الذكرى السنوية الثانية لكارثة 11 سبتمبر/ أيلول قررت انها لا تستطيع حقا ادارة العراق، ناهيك عن ادارتها للمنطقة ككل بمفردها، وانه يجب عليها ان تعتمد على الآخرين - وحتى على الأمم المتحدة التي تم احتقارها كثيرا - للمساعدة في ذلك. وعن مسألة ما اذا كانت الامم المتحدة ستوافق على ذلك، وبموجب اية شروط لاتزال تحتاج إلى البت فيها ولكن هذه للمرة الاولى خلال عامين يبدو فيها، ان الاتجاه الأكثر ميلا إلى التعدية الدولية الذي يقوده وزير الخارجية كولن باول، أخذ يتحرك فعلا إلى مركز القيادة. وعلى رغم ان المعركة من اجل السيطرة أبعد ما تكون عن النهاية فإن الدلائل على ما يسمى بصورة لطيفة «تعديل في السياسة» برزت فعلا.

ولكن باول لم يعط سلطة لمجرد بدء مفاوضات جدية بشأن مشروع قرار جديد لمجلس الأمن الدولي سيقلل بالتأكيد تقريبا من سيطرة واشنطن على العملية السياسية واعادة اعمار العراق، ولكن حتى المتطرف في الاتجاه المنفرد وكيل وزارة الدفاع (البنتاغون) للشئون السياسية دوغلاس فيث الذي كان مكتبه مسئولا عن خطط ما بعد احتلال العراق، اصر علنا على انه حبذ منذ فترة طويلة الذهاب إلى الامم المتحدة من اجل المساعدة في اعادة الأمن والاستقرار في العراق واعادة اعماره.

فبعد أكثر من خمسة شهور على احتلال الولايات المتحدة للعراق والاطاحة بنظام حكم الرئيس صدام حسين الذي شكل انتصارا للمحافظين الجدد المؤيدين بشدة للكيان الصهيوني، بعد ان روجوا في معرض تبريرهم لغزو العراق ان ذلك يسهم في تحويل العراق إلى نموذج تتطلع اليه دول المنطقة في التحول نحو الديمقراطية واعادة بناء مرافق الدولة وتحسين الخدمات الاساسية وانعاش اقتصاد العراق. بعد خمسة شهور شهد العراق تصاعدا في اعمال المقاومة ضد قوات الاحتلال التي يصر بوش وكبار مساعديه حتى الآن على الإدعاء بأنهم محررون، وشاهد العالم العراق وهو يتحول إلى ساحة للنهب والسلب والقتل والترويع، عجزت فيها سلطة الاحتلال الاميركي - البريطاني عن توفير الحد الادنى من الأمن اللازم لحياة المواطن العراقي العادية التي زادت من بؤسها ممارسات الارهاب والترويع التي تقوم بها قوات الاحتلال نفسها، وفي الوقت نفسه فإن رئيس ادارة الاحتلال الأميركي بول بريمر لا يعرف متى سيتم نقل السلطة بالكامل إلى العراقيين وانسحاب القوات الاميركية من العراق.

واحتجاجات فيث التي نادرا ما تكون جديرة بالثقة تؤكد المستوى الذي وضع فيه الصقور، وخصوصا وزير الدفاع دونالد رامسفيلد ونائبه بول وولفوفيتز في موقف الدفاع، وان تأكيداتهم المتكررة التي اشيد بها حديثا وحتى شهر يوليو/ تموز، باعتبارهم عباقرة استراتيجيين، ان كل شيء يسير وفق الخطة على رغم التصاعد المستمر والثابت في الاصابات في صفوف جنود الاحتلال الاميركي، فإن سلسلة من التفجيرات الكارثية والتقديرات المرتفعة جدا للكلف المالية للاحتلال التي كان آخر تقديراتها ما طلبه بوش من الكونغرس 78 مليار دولار للعام المالي المقبل الذي يبدأ في الأول من اكتوبر/تشرين الاول المقبل، او اربعة اضعاف موازنة وزارة الخارجية الادارية والمساعدات الخارجية، وأصبحت تندرات هزلية روتينية في السهرات، ومثار غضب متزايد في القطاعات المؤسساتية الرئيسية وخصوصا الجيش الاميركي والجمهوريين في الكونغرس.

ودفعت صرخات وولفوفيتز وحلفائه في وسائل الاعلام الاميركية والمدبرة بعناية للابقاء على المسار نفسه في العراق لهزيمة ما يسميه البيت الأبيض «الارهاب الدولي» مرة واحدة، دفع اعضاء الكونغرس الجمهوريين الذين عادوا إلى العمل الاسبوع الماضي بعد عطلة الصيف لمطالبة البنتاغون بسرعة ان تبتكر «استراتيجية مخرج» لمأزق اميركا في العراق، والذين استحضروا بوضوح ذكريات حرب فيتنام، وطالبوا بأن تريهم هذه الاستراتيجية «ضوءا في نهاية النفق». وقال مصدر في الكونغرس إن «وولفوفيتز لا يتمتع في الحقيقة إلا بصدقية ضئيلة في هذا المجال» وأعاد هذا المصدر إلى الاذهان ان وولفوفيتز قاد الحملة لاقناع الكونغرس بأن لدى العراق كميات هائلة من «اسلحة الدمار الشامل» وان له روابط وثيقة بـ «القاعدة» قبل غزو العراق. واعترف منذ ذلك الحين بأن المعلومات الاستخبارية بهذا الشأن كانت «قاتمة» وان وولفوفيتز إلى جانب نائب الرئيس الاميركي ديك تشيني جادلا ايضا بأن القوات الاميركية ستلاقي ترحيب الشعب كـ «محررين بدلا من محتلين». وبالنسبة إليه فإنه الرجل المركزي الذي يجادل بأن العراق هو الآن المعركة الحاسمة في «الحرب على الارهاب» وهو بذلك يتجاهل الادراك العام. واضاف هذا المصدر ان وولفوفيتز هو المشرف على التخطيط لعراق ما بعد الاحتلال الذي يعتبر الآن فشلا مخيفا.

ولكن في الوقت الذي اعرب فيه اعضاء الكونغرس عن عدم صبرهم المتزايد ازاء كلفة الحرب في الارواح الاميركية وفي الأموال لاحتلال غير محدد بزمن بعد ان عادوا من اجتماعات عقدوها مع دوائرهم الانتخابية في مناطقهم، ولم يبق للانتخابات التشريعية المقبلة في نوفمبر/تشرين الثاني 4002 سوى عام واحد تقريبا فإن ضباطا عسكريين كبار بمن فيهم رؤساء هيئة الاركان المشتركة للقوات الاميركية قرروا على ما يبدو ان رؤساءهم المدنيين يمثلون تهديدا رئيسيا لمؤسساتهم.

وكانت صحيفة «واشنطن بوست» ذكرت في 4 سبتمبر الماضي ان رئيس هيئة الاركان الجنرال ريتشارد مايرز ونائبه الجنرال بيتر بيس طوقا القيادة المدنية للبنتاغون في قيامهما بأعمال اللوبي من اجل دعم جهود باول بالتحول إلى مجلس الأمن اصدار قرار جديد عن العراق. وكانت النتيجة انه عندما قدم باول الفكرة إلى الرئيس بوش الاسبوع الماضي كان قادرا على ان يتحدث بالنيابة عن عسكريين وعن وزارة الخارجية مقوضا بذلك بصورة فعالة رامسفيلد وولفوفيتز.

وان رغبة كبار ضباط الجيش في تجاهل قيادتهم المدنية هو امر جدير بالملاحظة، ولكن عدم ارتياحهم ازداد بقفزات واسعة لأنه حتى قبل العدوان على العراق عندما هاجم وولفوفيتز علنا رئيس اركان الجيش الاميركي آنذاك الجنرال اريك شنسيكي لابلاغه الكونغرس علنا بأن الأمر يحتاج على الاقل إلى 002 ألف جندي للحفاظ على الاستقرار في العراق، وهذا التقدير وصفه وولفوفيتز بأنه «بعيد عن الهدف بصورة غريبة»، ويبدو الآن أن تنبؤ شنسيكي صحيح. وبسبب «عدم لباقته» ارغم شنسيكي على التقاعد بصورة عادية في حالة كحالته.

والآن فإن الجيش الأميركي يرى انه انتشر ابعد بكثير عن حدوده في كل من العراق وحول العالم محققا بذلك تحذيرا آخر من شنسيكي في خطابه الوداعي في شهر يونيو/ حزيران الماضي اذ قال «احذروا من استراتيجية الـ 21 فرقة لجيش مكون من 01 فرق». وشجع هذا كبار الضباط المتقاعدين على إطلاق انتقادات لم يسبق لها مثيل لرامسفيلد وكبار مساعديه الرئيسيين، ففي اجتماع عقد يوم الرابع من الشهر الجاري لمئات من ضباط المارينز والبحرية الأميركية، وجه قائد القيادة المركزية السابق الجنرال المتقاعد انطوني زيني هجوما حادا إلى أداء قيادة البنتاغون للحرب في العراق وشبّه ذلك بحرب فيتنام وقال: «أيها المعاصرون لي... ان مشاعرنا واحاسيسنا تم تزييفها في ميادين المعركة في فيتنام إذ اصغينا إلى حثالة الاقوال والاكاذيب ورأينا التضحيات» وأضاف: «انني اسألكم، هل هذا يحدث ثانية؟» واشتكى زيني بمرارة من تخطيط البنتاغون لمرحلة ما بعد غزو العراق وقرار تطويق الامم المتحدة في الذهاب إلى الحرب وقال: «نحن بالتأكيد تجاوزنا الامم المتحدة، ولا اعرف لماذا. والآن نعود اليها كمتسولين».

وقال الجنرال المتقاعد بول فان رايبر الذي عمل قائدا في حرب الخليج: «انني لم ار قط امتعاضا بهذا القدر الكبير بين اسرة المتقاعدين» وقال رايبر في اجتماع مع ثمانية من الجنرالات الاميركيين المتقاعدين الاسبوع الماضي ان احدهم تساءل عن رامسفيلد الذي كان في زيارة لم يعلنها مسبقا لبغداد آنذاك قائلا: «متى سيتخلصون من هذا الرجل؟».

وساهمت مثل هذه المواقف من جنرالات الجيش، في تعزيز الدعوات داخل الكونغرس إلى إقالة رامسفيلد وولفوفيتز، لكن الرئيس بوش دافع عن رامسفيلد. ويرى خبراء ان تخلي بوش عن رامسفيلد او وولفوفيتز في هذا الوقت يعني اعترافا منه بخطأ تقديرات البنتاغون وصقور ادارته عن العراق، والطريقة التي تعالج بها القيادة المدنية للبنتاغون الوضع في العراق في ظل الاحتلال الاميركي.

العدد 374 - الأحد 14 سبتمبر 2003م الموافق 18 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً