العدد 379 - الجمعة 19 سبتمبر 2003م الموافق 23 رجب 1424هـ

بين «العم سام» و«الأخ الأكبر» أكثر من برنامج تلفزيوني

منصور الجمري editor [at] alwasatnews.com

رئيس التحرير

تلفزيون الشرق الأوسط (إم بي سي) وقع اتفاقا قبل عدة أيام لاستخدام احدى فلل «أمواج» لتصوير برنامج «الأخ الأكبر» المتوقع بثه في فبراير/ شباط المقبل. ومصطلح «الأخ الأكبر» بريطاني المنشأ وله مدلولات عدة في الثقافة السياسية البريطانية. وبفضل الانتاج التلفزيوني المتطور استطاعت احدى الشركات اختراع برنامج تمكنت من تصديره لاحقا إلى 52 دولة.

مصطلح «الأخ الأكبر» البريطاني يوازي في سمعته مصطلح «العم سام» الأميركي، وكلاهما يحمل في مضامينه مفاهيم سياسية وفلسفية عدة، وربما نحن نستورد مثل هذه المصطلحات من دون وعي للمدلول.

المصطلحان ليسا سيئين في جذورهما، فمصطلح «العم سام» اخترعه أحد رسامي الكاريكاتير الأميركان (قبل الحرب العالمية الأولى). و«العم سام» باللغة الانجليزية Uncle Sam، ولذلك فإن أول حرف من كل كلمة هو (US) بمعنى الولايات المتحدة. ويشير الكارتون إلى الحكومة الفيدرالية للولايات المتحدة، وكيف أن الولايات الأخرى تشكك في نواياها، وكيف أن الحكومة الفيدرالية تطلب كثيرا ولا تتوقف عن المطالبة بالمزيد من الضرائب والمزيد من نقل الصلاحيات من حكومات الولايات إلى الحكومة الفيدرالية. فلسفة الحكم في الولايات المتحدة تقوم على أن الأساس في المعادلة هي الولايات، وأن هذه الولايات تتنازل عن جزء من صلاحياتها للحكومة الفيدرالية من أجل المصلحة العامة لحفظ كيان الولايات المتحدة الأميركية. فالمصدر في السلطة هو الولاية وليست الحكومة الفيدرالية. ولكن مع الأيام استطاعت الحكومة الفيدرالية الاستحواذ على أكثر الأمور أهمية وحاولت قلب المعادلة. ولذلك فإن كاريكاتير «العم سام» يهزأ بهذه الحال.

مع الأيام تحول «العم سام» من التسلط على الولايات الأميركية إلى التسلط على كل بلدان العالم... وأصبحنا في حاجة إلى الاستهزاء بالمبررات التي ترددها الإدارة الأميركية للسيطرة على مقدرات العالم شرقا وغربا، شمالا وجنوبا.

«الأخ الأكبر» مصطلح اخترعه المفكر البريطاني «جورج ارديل» في منتصف القرن الماضي، مشيرا بذلك إلى «الدولة» التي تتسلط على المواطن وتضطهده تحت حجة أنها ترعاه ومسئولة عنه، والأخ الأكبر (الدولة) يقسو على الأخ الأصغر (المواطن) ويراقبه ويتدخل في حياته ويقرر مصيره تحت أعذار مختلفة. وأصبح مفهوم «الأخ الأكبر» في بريطانيا متغلغلا في النفوس ومنتشرا في الثقافة السياسية كما هي الحال مع مصطلح «العم سام».

ولكن احدى شركات انتاج البرامج التلفزيونية استعارت المصطلح وحولته إلى شيء آخر، فقامت بوضع عدد من الشباب (ذكور وإناث) في منزل لعدة أسابيع ونصبت فيه أجهزة تصوير ومراقبة وسلطت عليهم المجتمع يراقبهم كل دقيقة من خلال الانترنت. ثم من خلال حلقة تلفزيونية أسبوعية يقوم خلالها الجمهور بالتصويت على طرد المشاركين واحدا واحدا والذي يبقى من دون طرد (لانه يعجب المجتمع) يصبح الفائز والنجم اللامع.

البرنامج أحدث هزة كبيرة في المجتمع البريطاني لأن المشاهد التي يتم التقاطها لا يمكن بأي حال قبولها في مجتمع مسلم. وحتى في بريطانيا كانت هناك دعوات مضادة للبرنامج ولكن شعبية الانتاج والمشاركة الواسعة من جيل الشباب مكّنا الشركة المنتجة من تصديره إلى بلدان العالم الأخرى.

والمرء يتساءل: كيف سيتم استيراد هذا البرنامج وما التعديلات التي سيجريها عليه منتجوه باللغة العربية؟ تحديات كبيرة تواجه مستوردي البرنامج نأمل أن يستطيعوا تجاوزها، ولكن أملنا أيضا أن نستفيد من فلسفة المصطلح الداعية إلى تمكين المواطن من شئونه وإبعاد تسلط الدولة غير المشروع على المجتمع.

إقرأ أيضا لـ "منصور الجمري"

العدد 379 - الجمعة 19 سبتمبر 2003م الموافق 23 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً