العدد 381 - الأحد 21 سبتمبر 2003م الموافق 25 رجب 1424هـ

نحو هيئة شرعية مشتركة

وليد نويهض walid.noueihed [at] alwasatnews.com

كاتب ومفكر عربي لبناني

ينهي «مؤتمر التقريب بين المذاهب الإسلامية» أعماله اليوم في المنامة. والخوف ان يعود العلماء والقضاة ورجال الفكر إلى ديارهم وكأن شيئا لم يكن. فالمطلوب من أعضاء المؤتمر عدم الاكتفاء بالنصوص وطرح الدراسات والأفكار بل تطوير تلك الجهود الذهنية وتحويلها إلى برنامج عملي يضع آلية للمتابعة والاشراف والملاحقة. وفي هذا الصدد لماذا لا ينتخب أعضاء المؤتمر (521 ممثلا) هيئة للعقد والحل تتمثل فيها كبار المراجع الدينية المشهود لها بالحكمة والاعتدال؟ ولماذا لا تبدأ الهيئة اذا انتخبت أعمالها في اليوم التالي وتعمل على وضع تصميم لفكرة يمكن تطويرها وهي تشكيل لجان إسلامية منتخبة في كل بلد عربي أو مسلم تكون نواة أو المرجع الصالح للاستفسار والاستعلام وتكون معلوماتها وتقاريرها اشبه بمستندات يمكن الركون اليها لاتخاذ خطوات وقرارات أو حتى فتاوى مشتركة تجيب عن أسئلة الحاضر.

هيئة «العقد والحل» باتت ضرورة ملحة بسبب الظروف الصعبة التي تمر بها الأمة وبسبب التشتت الذي أصاب مرجعياتها أو بسبب الضعف الذي اعترى المراجع الرسمية أو الخاصة التي كانت مفوضة سابقا باصدار الفتاوى التي تتسم بالحكمة والاتزان وترد على أسئلة يحتاجها كل مسلم يعيش في بيئات مختلفة ويمر في حالات سياسية واجتماعية ليست بالضرورة متوافقة او متجانسة مع مسلم آخر يعيش في بيئة مغايرة.

توحيد الفتاوى وحصر صدورها في نطاق هيئة شرعية مشتركة تتمثل فيها كل المذاهب السنية الكبرى الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية إلى المذاهب الجعفرية والاسماعيلية والاباضية والزيدية... يخفف عن الأمة الكثير من البلاء ويحد من المخاطر المشتركة ويحصرها في نطاق ضيق.

عدم وجود مرجعية مركزية تتمثل فيها كل الهيئات والمؤسسات والدول والمذاهب على أطيافها واجتهاداتها اسهم الى حد كبير في تشتت المسلمين الذهني وجعلهم لقمة سائغة لمنظمات التطرف التي تصدر «الفتاوى» من دون دراية وعلم وتورط الأمة بأسرها في معارك لا تقوى على مواجهتها دفعة واحدة فتنجر اليها في غفلة من الزمن من دون عدة وعتاد.

المسلم المعاصر الآن في حال من الضياع فهو لا يعرف هويته، ولا يستطيع اتخاذ القرار الذي يحدد له الاتجاه الصحيح. وهو ايضا حائر بين التزاماته الدينية وواجباته تجاه أمته وعدم قدرته على فهم أو تفسير الكثير من الحوادث التي تعلن باسمه احيانا. فهناك بعض المسلمين التبست عليهم اعمال العنف وبعض التجاوزات. فهل يدافع عن فعلة 11 سبتمبر/ ايلول أم يعارضها، وهل يؤيد مسألة نسف تمثال بوذا في أفغانستان أم يرفضها، وهل... وهل؟

هناك الكثير من الأمور تحصل وتورط المسلمين في قضايا يمكن الاستغناء عنها، وهي تضر بالعقيدة ولا تفيد الأمة بشيء إلا بالمزيد من المواجهات والمجابهات غير المدروسة وتعطي الذريعة للخصوم الذين يتربصون ويصطادون في الماء العكر لتحقيق أهداف سياسية واستراتيجية واقتصادية لا صلة لها بالدين ولا بالحضارات والثقافات.

والمسلم في هذه الاجواء يعيش في ضياع وحيرة ولا يعرف ماذا يقول وبماذا يجيب وكيف يرد وما هو الموقف الشرعي من كل ما يحصل؟ المشكلة انه لا يحصل على اجوبة محددة، وان سمع بها تكون اصوات التطرف والمغالاة هي الاقوى، لأن وكالات الانباء ومحطات التلفزة تسارع الى نقلها وتذهب معها اصوات العقلاء وأصحاب الكفاية والدراية وأهل العلم والمعرفة.

وجود هيئة مركزية واحدة (على طريقة الفاتيكان) تملك الامكانات والقدرات وزمام المبادرة والشرعية من الدول والناس والهيئات تستطيع ان ترد على الكثير من الأسئلة وتجيب بروح المسئولية عن عشرات القضايا التي يسمع بها ولا يرى إلا اجوبة مفككة عنها وغير متفق عليها.

وما يزيد الطين بلة ان المهاجمين (اعداء العرب والمسلمين) يعرفون ما يريدون، ولكنهم لا يحددون أهدافهم بوضوح. فهم يطرحون مجموعة شعارات متناقضة (ضد المسلمين أحيانا وضد الاسلام احيانا أخرى) تجمعها يافطة عامة مرة ومبهمة مرات، وتتوسل موضوع «الارهاب» واسطة للنيل من الاسلام كعقيدة توحيدية.

إنها حملة كبيرة يختلط فيها «الحابل بالنابل»، ولكنها في النهاية تتجمع روافدها لتصب في خانة تجميع العداء للاسلام لاهداف غير دينية. فالحرب سياسية في جوهرها وان تغطت شعارات الحملة بعناوين ثقافية وفكرية. وحتى ينجح المسلمون في صد تلك الحملة لابد لهم من التركيز على جوانبها السياسية وكشف اهدافها المصلحية التي تريد وضع اليد على المنابع والمصادر وخطوط الامداد والتموين.

إلا ان وجود هيئة شرعية مشتركة للعقد والحل يعطي صدقية للمواجهة السياسية، ويوحّد جهود الامة في خط واحد مشترك من دون ان تلغى التعددية المذهبية والتنوع في الاجتهاد. فالوحدة المطلوبة هي سياسية - شرعية لدرء المخاطر والدفاع عن المشترك الإسلامي.

يغادر اليوم وغدا المنامة أعضاء «مؤتمر التقريب» والمطلب الوحيد الذي يمكن ان نتمناه هو استمرار الاتصال لتشكيل تلك الهيئة المشتركة قبل ان يفوت الأوان.

إقرأ أيضا لـ "وليد نويهض"

العدد 381 - الأحد 21 سبتمبر 2003م الموافق 25 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً