العدد 381 - الأحد 21 سبتمبر 2003م الموافق 25 رجب 1424هـ

«إسرائيل» تسعى إلى الإيقاع بين الرياض وواشنطن

مخطط تقوده أجهزة المخابرات الاسرائيلية

سمير عواد comments [at] alwasatnews.com

ولت تلك الأيام حين كان السفير السعودي في واشنطن الأمير بندر بن سلطان يظهر باسما في الحفلات التي كان يجد صعوبة فائقة في تلبيتها كلها. منذ عامين وبعد هجوم 11 سبتمبر/أيلول على الولايات المتحدة وإصرار الأميركيين على أن 51 شخصا من الذين نفذوا الهجوم الذي تم تحميل منظمة «القاعدة» مسئوليته، كانوا يحملون جوازات سفر سعودية... غابت البسمة. ورفض عمدة مدينة نيويورك تبرعا ماليا قيمته عشرة ملايين دولار أراد أحد الأمراء السعوديين تقديمه لمدينة نيويورك وكانت هذه خطوة سابقة في تاريخ العلاقات بين البلدين الحليفين التي يرجع عهدها إلى أكثر من 07 عاما. بيد أن السعودية التي سحبت الجنسية من أسامة بن لادن وكانت بين الدول التي أعلنت انضمامها إلى الحرب المناهضة للإرهاب، إلا أن كل الإجراءات التي قامت بها السلطات لتعزيز الأمن في أراضيها والتأكيد أن المملكة ليست طرفا في هجوم 11 سبتمبر لم تقنع خصوم المملكة في الولايات المتحدة بل أن مساعيهم مستمرة لوضع واحدة من أبرز البلدان العربية على قائمة «الدول المارقة» ما يخدم هدفا استراتيجيا اسرائيليا قديما بالسيطرة على منابع النفط.

وتغذي الاستخبارات الإسرائيلية أجهزة الأمن الغربية خصوصا في الولايات المتحدة وألمانيا وبريطانيا بمعلومات يصفها الإسرائيليون بأدلة تكشف أن السعودية تدعم الجماعات والمنظمات التي تتضمنها قائمة المنظمات الإرهابية. وسجل المحققون الألمان والأميركيون باهتمام وجود بطاقة تعريف تخص أحد الدبلوماسيين السعوديين في برلين عند تفتيش شقة المواطن المغربي منير المتصدق الذي حكم عليه حديثا بالحبس 51 بعد إدانته بالانتماء إلى خلية محمد عطا التي خططت لهجوم 11 سبتمبر. لم يعد سرا أن السفارة السعودية في برلين وسفارات سعودية في عواصم أوروبية أخرى أصبحت منذ وقت تخضع لرقابة أجهزة الأمن التي تسعى حاليا بصورة خاصة للضغط على سفارات الرياض كي تتوقف عن تمويل تنظيمات إسلامية يقول الغرب انها تمارس الإرهاب. وكانت هذه الإجراءات مقتصرة حتى وقت قريب على سفارات الدول التي توصف بالمارقة. بعد أن امتثلت الحكومة الألمانية لطلب «اسرائيل» بحظر نشاطات مؤسسة «الأقصى» الخيرية في مدينة آخن بحجة أنها تعمل في تمويل حركة «حماس» على رغم أن هذه المؤسسة الخيرية كانت تعمل في جمع مساعدات إنسانية تقدمها إلى اليتامى والمحتاجين. تقوم «اسرائيل» بدور مماثل على الساحة الأميركية وتسعى إلى زيادة الهوة بين السعودية والولايات المتحدة. في تقرير لموقع«شبيجل أون لاين» ذكر أن قسم مكافحة الإرهاب في واشنطن أطلق العنان لحالة إنذار. وصدرت اتهامات تقول ان السعودية أكبر جهة مانحة للأموال للمنظمات المتطرفة التي تهدد أمن «إسرائيل». وقال التقرير ان الإسرائيليين حصلوا عند مداهمتهم مكاتب في مدينة غزة على وثائق تشير إلى قيام المملكة بتقديم أموال للمنظمات الفلسطينية. وكانت حكومات الاتحاد الأوروبي فرضت حظرا على أموال «حماس» في مصارفها في خطوة منها لمجاراة الولايات المتحدة و«إسرائيل» بعد عملية التفجير التي تمت حديثا في مدينة القدس.

في معرض تعليقه على هذه الاتهامات قال مستشار ولي العهد السعودي لقضايا السياسة الخارجية عادل جبير انها اتهامات مضحكة ونفى نفيا قاطعا أن تكون الحكومة السعودية قدمت أموالا لحركة «حماس» لا بصورة مباشرة أو غير مباشر. ومضى عادل جبير يقول: لماذا يتعين على كل العالم أن يقول انه يجب وقف هذا الدعم؟ لماذا يتعين على ولي العهد السعودي أن يقول علنا أننا لا نريد دعم «حماس»؟ إن هذا سيشجع البعض على التبرع لـ «حماس» سرا.

لكن ليس هناك ما يؤكد أن الإدارة الأميركية تصدق كلام عادل جبير. وفقا لمعلومات نشرتها صحيفة «نيويورك تايمز» قبل أيام حصلت الإدارة الأميركية على أدلة تفيد أن السعودية قدمت أموالا لحركة «حماس» بصورة مباشرة تم استخدامها ضد «اسرائيل» وهذا هو الوقود الذي يحتاج إليه خصوم السعودية في الولايات المتحدة للمطالبة بوضعها على قائمة «الدول المارقة». ونسبت الصحيفة الأميركية لمسئولين حكوميين في السعودية قولهم ان المملكة قدمت تبرعات مالية للفلسطينيين تصل قيمتها إلى مئة مليون دولار وأكد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل «ان هذه التبرعات تقدمها المملكة بصورة دعم مباشر إلى السلطة الفلسطينية بوصفها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني وقال الفيصل «ان بلاده لا تقدم تبرعات إلى «حماس» ولا إلى جمعيات خيرية تابعة لها أو لسواها من المنظمات الفلسطينية».

تقول «اسرائيل» انها تجد الحقيقة غير ذلك تماما وتعمل في إقناع الإدارة الاميركية كي تصدق مزاعمها مثلما صدقت أكاذيبها حين اتهمت الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بصرف مساعدات مالية للاستشهاديين واستعانت بوثائق عملت على تزويرها بعد الحصول على أختام وأوراق رسمية في مكاتب السلطة الفلسطينية. وبالأسلوب نفسه قالت «اسرائيل» ان قواتها حصلت في ديسمبر/كانون أول الماضي على وثائق تؤكد حصول «حماس» على تبرعات سخية من الرياض. الوثيقة المزعومة عبارة عن محضر اجتماع بين عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل مع ولي العهد السعودي الأمير عبدالله. ووفقا لما ذكرته صحيفة «نيويورك تايمز» شارك مشعل في أكتوبر/تشرين الأول العام 2002 في مؤتمر انعقد في الرياض لتقديم تبرعات لحركة «حماس» وقام على هامش المؤتمر بعقد محادثات مطولة مع ولي العهد السعودي. وحسبما جاء في محضر الاجتماع قدم مشعل وقادة آخرون في «حماس» شكرهم إلى المضيفين السعوديين على كرمهم وخصوصا السماح للمواطنين السعوديين بان يقدموا تبرعات للفلسطينيين ووصف مشعل الموقف السعودي بأنه موقف شجاع.

وقامت الحكومة الإسرائيلية بنقل نسخة من هذا المحضر إلى واشنطن. ويعتقد المحققون الأميركيون أنهم حصلوا على وثيقة مهمة وقام موظف حكومي إسرائيلي سابق بإرسال نسخة أخرى عن المحضر إلى صحيفة «نيويورك تايمز». النسخة الأصلية باللغة العربية وفي أعلى الصفحة شعار حركة «حماس» أما الترجمة الإنجليزية فقد تولاها الجيش الإسرائيلي. وارسلت نسخة من المحضر إلى الحكومة السعودية التي قالت ان هذه الأوراق لا تدل بأي شكل من الأشكال على أن حكومة الرياض قدمت تبرعات مالية لحركة «حماس» كما نفت الحكومة السعودية أن يكون مسئولون في «حماس» شاركوا في المؤتمر الخيري الذي استضافته الرياض. وكانت وزارة المالية الأميركية قد وضعت خالد مشعل على قائمة الأشخاص الذين يمولون الإرهاب. وقالت صحيفة «نيويورك تايمز» ان مشعل يشكل قناة لحركة «حماس». وبحسب بيانات أميركية تشكل المساعدات السعودية على الأقل نصف قيمة الموازنة السنوية لـ «حماس» البالغة عشرة ملايين دولار. وتعتبر خمسة ملايين دولار مبلغا زهيدا قياسا مع مئات الملايين من الدولارات التي تقدمها الرياض سنويا إلى مؤسسات خيرية. وتواجه السلطات الأميركية والسعودية صعوبة في فرض رقابة على التبرعات التي تجرى عبر أقنية من الصعب مراقبتها وخصوصا أنه يجرى تقديم التبرعات نقدا وليس عن طريق التحويلات المصرفية. وتقول مصادر ان من اهداف جولة وزير المالية الأميركي جون سنو في المنطقة منذ الأربعاء الماضي هو زيادة الضغط على السلطات الإقليمية لوقف الدعم المالي عن «حماس». وقال سنو في «اسرائيل» ان البيت الأبيض طالب سورية التي يقيم فيها مشعل بأن تتخذ إجراءات مناهضة لحركة «حماس».

العدد 381 - الأحد 21 سبتمبر 2003م الموافق 25 رجب 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً