العدد 390 - الثلثاء 30 سبتمبر 2003م الموافق 04 شعبان 1424هـ

الرئيس الباكستاني يقترب من تل أبيب للحد من الضغوط الهندية

في مسعى للبقاء في السلطة بدعم أميركي

محمد دلبح comments [at] alwasatnews.com

.

لم يشهد العرض الذي كان الرئيس الباكستاني الجنرال برويز مشرف قدمه خلال زيارته لواشنطن في نهاية يونيو/حزيران الماضي عن إبداء استعداده الاعتراف بالكيان الصهيوني وإقامة علاقات دبلوماسية معه، لم يشهد تطورات جديدة. وكانت الضغوط التي تعرض لها الجنرال مشرف من الرئيس الأميركي جورج بوش وكبار مساعديه وأنصار الكيان الصهيوني خلال زيارته لواشنطن أسفرت عن إبداء ذلك الاستعداد. وسارع مشرف إلى جس نبض الشارع الباكستاني والقوى السياسية في باكستان إزاء المجازفة التي ينوي القيام بها كما تعتقد مصادر كثيرة ربما قبل نهاية العام الجاري مؤملا نفسه بالحصول على جائزة أميركية كبرى بمنحه حماية أميركية تطيل في أمد حكمه.

وأثارت تصريحات مشرف بصورة طبيعية عاصفة من المعارضة والجدل والبحث داخل باكستان. وعلى رغم أن الاتصالات غير الرسمية وعلى مستوى منخفض مع الكيان الصهيوني وجدت في السابق إلا أنه لم يتم اقتراح شيء مثل هذا من قبل ولكن الآن فإن هناك في باكستان من يعتقد بشكل واضح أن مثل هذه العلاقات تعتبر حيوية لمصالح باكستان.

وكان مشرف أعلن خلال زيارته لواشنطن وبعد ذلك في لقاء تلفزيوني 6 يوليو/ تموز الماضي بأنه حالما يتم إقامة دولة فلسطينية فإن باكستان قد تعيد النظر في سياستها إزاء الكيان الصهيوني «بعد التشاور مع الدول العربية الشقيقة» محذرا القوى السياسية في بلاده المعترضة على مثل هذا التوجه بأن المداولة حول الاعتراف بالكيان الصهيوني ينبغي ألا تجري من خلال العاطفة.

واستخدم الجنرال مشرف لاحقا صيغة مختلفة قليلا في مقابلة مع صحيفة «الخليج» الإماراتية في 61 يوليو الماضي عندما قال إن حكومة باكستان يمكنها أن تبحث فقط مسألة الاعتراف بـ «إسرائيل» إذا تم تسوية الصراع في المنطقة. وأن باكستان ستأخذ قرارها في اللحظة المناسبة وستأخذ في الاعتبار شعور الدول الإسلامية والرأي العام في باكستان.

وفي اليوم ذاته تلقى مشرف دعما من رئيس الرابطة الإسلامية في باكستان - التي تعتبر حزب مشرف - شودري شوجاعات حسين، حين قال في مقابلة مع قناة تلفزيونية مستقلة في لندن أن «الاعتراف بـ «إسرائيل» يمكن أن ينظر فيه عندما يكون هناك سلام في الشرق الأوسط وتقام دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة.

وتلقفت حكومة الكيان الصهيوني مغازلة مشرف لها بسرعة إذ قال ممثلها لدى الاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي عوديد عيران: رأينا بيان الرئيس مشرف بشأن مسألة اعتراف باكستان بـ «إسرائيل». إنه بيان إيجابي ونحن نأمل ألا يتبين أنه بيان للمنفعة السياسية، وإن وجهات نظره ستترجم إلى عمل بإقامة علاقات دبلوماسية بين «إسرائيل» وباكستان. وذهب عيران خطوة أخرى بقوله إن «إسرائيل» سيكون لها موقف متوازن تجاه الهند وباكستان عندما تعترف باكستان بـ «إسرائيل». غير أن عيران تجنب الحديث عما إذا كان ذلك سيقود إلى تقديم معدات عسكرية إلى باكستان، قائلا «إن أمامنا طريقا طويلا لنسير فيه. إننا نريد أن تكون لنا علاقات طيبة مع الدول الإسلامية، وإن باكستان بلد مهم جدا. فعندما نبدأ بحث مجالات التعاون فعند ذلك فقط نستطيع أن نفكر بمثل هذا المجال».

وكشفت صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية عن زيارة قام بها رجل أعمال باكستاني كبير مقرب من مشرف إلى تل أبيب قبل أسبوعين من لقاء بوش. ونسبت الصحيفة إلى رجل الأعمال الباكستاني الذي لم تفصح عن هويته تأكيده أنه سيبلغ رئيسه بما جرى معه في تل أبيب، وأضافت أن الإسرائيليين الذين أجروا اتصالات معه تولد لديهم شعور بأن زيارته لم تكن تجارية بحتة وإنما تهدف إلى جس النبض وتفحّص إمكانية إقامة علاقات أولية بين البلدين. وأوضحت «هآرتس» أن زيارة رجل الأعمال الباكستاني الذي نقلت صحيفة «نيوز» الباكستانية تأكيدا من وزارة الخارجية الباكستانية أنه شخصية واسعة التأثير، تمت بالتنسيق مع وزارة الخارجية الإسرائيلية التي أظهرت حفاوة كبيرة بالزيارة.

ونسبت صحيفة «ذي نيشن» (الأمة) الباكستانية في الوقت نفسه إلى مصدر كبير في مؤسسة الشئون الخارجية في باكستان قوله إن باكستان قد لا تعترف بالكيان الصهيوني على الفور ولكن إجراء دراسة لإقامة نوع من العلاقات السياسية مع «إسرائيل» أصبحت في الأفق. وأضاف أنه علاوة على ذلك فإن من المرجح أن تعطي الحكومة الباكستانية أيضا خيارات وتوصيات قريبا من أجل البدء ببعض الروابط الدبلوماسية مع الكيان الصهيوني.

التوقيت

وعلى رغم أن نظام مشرف لم يحدد تاريخا ثابتا للاعتراف بالكيان الصهيوني، إلا أن عملية تمهيد الطريق قد بدأت بوضوح وأن من المحتمل أن مشرف الذي وضع مصيره في سلة حكومة بوش من أجل البقاء سياسيا قد استجاب لضغوط واشنطن في محادثاته مع بوش في كامب ديفيد. وأن الاعتراف بالكيان الصهيوني يمكن أن يكون «خدمة أخرى» يريدها الأميركيون منه مقابل ألا تقوم واشنطن بقلب القارب في باكستان. ويسود اعتقاد بأن الصحافة الباكستانية النشطة ستقوم قريبا بالكشف عن السبب الحقيقي الذي من أجله اختار نظام مشرف هذه المرحلة من الوقت للسير على طريق الاعتراف بالكيان الصهيوني. وليس السبب هو أن الكيان الصهيوني يعتبر «بعيدا» عن السلطات الباكستانية. فمن حين لآخر كانت الاتصالات تتطور بين الجانبين. فإلى جانب الانتقادات والتي كانت مسموعة للجميع كانت هناك اتصالات سرية بين الجانبين.

ففي مذكرة حديثة في مارس/آذار 0002 قام أحد الباحثين في مركز جافي للدراسات الاستراتيجية في جامعة تل أبيب بتوثيق مختلف الجهود والاتصالات بين باكستان والكيان الصهيوني بهدف إقامة علاقات دبلوماسية. وتشير المذكرة إلى أن عددا كبيرا من المسئولين والدبلوماسيين الباكستانيين قد اجتمعوا وبحثوا وفي بعض الأحيان تناولوا طعام العشاء مع بعضهم بعضا. ومثل هذه الاتصالات عقدت بصورة رئيسية في واشنطن، لندن أو في مقر الأمم المتحدة في نيويورك. وفي الوقت نفسه، فإن عددا من الأماكن الأخرى مثل يانغون في ماينمار وكاتمندو في نيبال وطوكيو في اليابان ولاغوس في نيجيريا وأنقرة في تركيا وطهران في إيران في عهد الشاه وكراكاس في وبروكسل وروما كانت أماكن اجتماع لدبلوماسيين إسرائيليين وباكستانيين. وبعض هذه الاجتماعات كانت خاصة وثنائية، بينما كانت رتبت اجتماعات أخرى في أعمال نظمتها دول مضيفة أو بعثات أجنبية معينة لدى دول مضيفة. وسجل الدبلوماسيون الإسرائيليون بانتظام وقدموا تقارير عن تحركات نظرائهم الباكستانيين. وأشارت مذكرة مركز جافي إلى أن قادة يهود فعالين مثل إدموند دي روتشيلد شغل ومول بصورة خاصة في بعض الأحيان جهودا لتشجيع التطبيع الباكستاني-الإسرائيلي.

وفي أعقاب دخول الاتحاد السوفياتي إلى أفغانستان لدعم النظام الوطني التقدمي في كابول في شتاء 9791 جاءت واشنطن إلى إسلام آباد بحمولات من الأموال والأسلحة. وكان الهدف هو عدم ترك أي جهد من جهود الغرب لمحاصرة الوجود السوفياتي في أفغانستان وإنهائه. وكانت باكستان تحت ديكتاتورية الجنرال ضياء الحق، تواقة للاستجابة إلى ذلك. وتدفقت عليها الأسلحة والأموال وأدخلت واشنطن أيضا مخابرات إسرائيلية وغربية لمساعدة «المجاهدين» الأفغان ومجموعات المخابرات الباكستانية. وخلال تلك السنوات طورت وكالات المخابرات الباكستانية الداخلية (إي إس إس) والمخابرات الإسرائيلية علاقة خاصة معقدة.

وبالمثل فقد ذكر تقرير آخر في مايو/ أيار 6991 أن مسئولين أمنيين باكستانيين اجتمعوا مع كبار الضباط في المخابرات الإسرائيلية أثناء مؤتمر حول مكافحة الإرهاب في الفلبين. وكشف التقرير النقاب عن أنه في فبراير من ذلك العام وفي جلسات عدة أثناء المؤتمر اجتمع اثنان من كبار الضباط برتبة جنرال وثلاثة ضباط برتبة عميد من المخابرات الإسرائيلية مع مسئولين باكستانيين كبار للاستماع إلى أساليبهم وتوضيحها وإلى استراتيجياتهم للتعامل مع موجة المقاومة الفلسطينية التي يواجهها الكيان الصهيوني والنشاط المعارض الذي تواجهه باكستان والتي تزداد سوءا.

وقد ذكرت وسائل الإعلام الباكستانية في أغسطس 7991/آب أن وفدا من زعماء دينيين باكستانيين أمضى أسبوعا في فلسطين المحتلة قام بزيارة الأماكن المقدسة في القدس واجتمعوا مع مسئولين من وزارة الخارجية الإسرائيلية، وأقروا فكرة تشجيع «السياحة الإسلامية من باكستان.» وقد اعترف محمد أجمل قادري من قادة جمعية علماء الإسلام في باكستان أنه ترأس ذلك الوفد في العام 3991 وأنه يؤيد إقامة علاقات بين باكستان والكيان الصهيوني.

وكانت تل أبيب تتجنب في الماضي الحديث علنا عن الاتصالات السرية بينها وبين إسلام آباد، غير أنها عدلت عن هذه السياسة، وللمرة الأولى يكشف الصهاينة علنا عن تلك الاتصالات مع بلد يحظر رسميا على مواطنيه زيارة فلسطين المحتلة.

وقد نقلت الصحافة الإسرائيلية عن مصادر مطلعة النقاب أخيرا عن بعض تفاصيل ملف الاتصالات السرية بين تل أبيب وباكستان، وأوضحت أن الأمم المتحدة كانت إحدى بؤر الاتصال بين الطرفين التي كانت بدايتها وفق هذه المصادر العام 3591 حين عينت باكستان محمد أسد نائبا لرئيس بعثتها في الأمم المتحدة، ومحمد أسد هو يهودي نمسوي يحمل اسم ليوفولد فايس، اعتنق الإسلام وتقدم في السلك الدبلوماسي الباكستاني إلى أن وصل إلى هذا المنصب الذي دشن من خلاله الاتصالات غير الرسمية بين الطرفين.

ومنذ ذلك الوقت لم تنقطع الاتصالات السرية بينهما، لكنها تطورت في التسعينات، إذ أجرى السفير الصهيوني في الأمم المتحدة جاد يعقوبي خلال السنوات من 2991 5991 اتصالات ولقاءات مع السفير الباكستاني جمشي ماركر، ونجح في 71 مارس 3991 في عقد لقاء سري بين ماركر وإسحق رابين. وطبقا لما ذكرته الصحافة الإسرائيلية فإن ذلك اللقاء تم في منتصف الليل في فندق وولدورف استوريا في نيويورك. وعبر رابين خلاله عن أمله بإقامة علاقات مع باكستان. وتكررت اللقاءات بين ممثلي الجانبين في واشنطن في تلك الفترة بوساطة السفير التركي باكي يلكين وفي منزله. ونشطت الاتصالات بين الجانبين في الفترة التي تولى فيها الجنرال مشرف مقاليد السلطة في إسلام آباد.

وفي سبتمبر/ أيلول 7991 أوضح زعيم حزب عوامي قيادت، ميرزا إسلام بيغ الذي كان يتولى رئاسة هيئة أركان الجيش الباكستاني من عام 8891-1991 في أعقاب الحادث الغامض الذي أدى إلى مقتل ضياء الحق آنذاك، في العام 8891 أوضح أفضلياته بقوله «إنه ليس لباكستان خلافات مباشرة مع «إسرائيل» ولذلك نحن طرف ثالث في الصراع. وليس لنا صراع طويل مع «إسرائيل». ولذلك فإن علينا ألا نتردد في الاعتراف بـ «إسرائيل» وقد كرر بيغ بعض ذلك خلال زيارة قام بها إلى واشنطن في مطلع أغسطس الماضي.

ويشير التقرير الإسرائيلي الأخير إلى أن باكستان أرسلت أخيرا وفدا تجاريا إلى فلسطين المحتلة وتقول بعض التقارير الأخرى أن مشرف أرسل مبعوثا خاصا إلى الكيان الصهيوني في مهمة سرية قبل بعض الوقت.

وقد وقفت بعض العوامل في طريق التطبيع بين باكستان والكيان الصهيوني. ومن بين أبرز هذه العوامل عاملان لم يعد أي منهما فعالا: أولهما مسألة الهند. فقد كانت الهند من بين أول الدول التي تعترف بـ «إسرائيل» في العام 8491، ولكن بسبب موقفها المؤيد لفلسطين في الصراع العربي - الإسرائيلي أخذت نيودلهي 54 عاما أخرى لتطوير روابط دبلوماسية كاملة مع تل أبيب. وهناك عامل له الأهمية نفسها هو أولوية الهند بالنسبة إلى حاجتها إلى النفط واسترضاء الدول العربية المنتجة للنفط. وكان هناك طلب عربي واحد هو ألا تطور الهند علاقات دبلوماسية كاملة مع «إسرائيل». وطالما أن الهند وهي من الدول ذات الأكثرية الهندوسية أبقت «إسرائيل» بعيدة عنها (على رغم أنها طورت أيضا الكثير من الروابط السرية مع «إسرائيل» خلال تلك الفترة) فقد كان من المستحيل تقريبا لباكستان أن تعترف بـ «إسرائيل». وبالنسبة إلى باكستان فإن الإسلام والتضامن الإسلامي عملا حواجز، ولكن الظروف تغيرت الآن.

واقامت الهند علاقات دبلوماسية كاملة مع «إسرائيل» في العام 2991. وسارعت نيودلهي في تعزيز روابطها العسكرية مع تل أبيب منذ ذلك الحين. وهذا التطور الأخير كان دافعه أيضا إنحيازا قويا ضد باكستان. وربما قد أصبح من الواضح لإسلام آباد الآن بأن الهند كانت ولا تزال تحصل من «إسرائيل» على أنظمة تسلح معقدة ودراسات تستهدف تحقيق تفوق عسكري بعيد المدى على باكستان. وقد أشارت صحيفة التايمز في لاهور في 91 يونيو 3002 إلى دراسة قام بها الجيش الباكستاني في العام 4991 اقترح فيها أن تحمي باكستان مصالحها الاستراتيجية بالاعتراف بـ «إسرائيل». وقدرت هذه الدراسة بأن حضور باكستان في تل أبيب قد يجبر «إسرائيل» على «موازنة» علاقاتها مع الهند والاعتراف بأهمية باكستان الاستراتيجية في المنطقة.

وتبدو أهمية رد عيران على الأخبار عن تحسن في العلاقات بين باكستان و«إسرائيل» حيث جاء في بيانه بأن «إسرائيل» تعترف بباكستان كدولة «مهمة جدا».

والقضية الثانية هي الأسلحة النووية. ففي إحدى المراحل في نهاية الثمانينات من القرن الماضي كانت هناك شائعة قوية روجت لها معظم الأكاديميات الغربية قد تم تعميمها لدرجة أن نيودلهي كانت على اتصال مع تل أبيب لشن هجوم مفاجئ على منشآت الأبجاث النووية الباكستانية الموجودة في كاهوتا. وكان رئيس المخابرات الداخلية الباكستانية الجنرال حميد غول الذي كان مصدر الكثير من المعلومات الخاطئة عبر السنين، كان قاطعا في هذا التقييم. ولم يحدث الهجوم المفاجئ. وبدلا من ذلك فإن المفاعل النووي العراقي، تموز قد تحول إلى رماد في غارة جوية إسرائيلية، ولم يكن لدى «إسرائيل» نية في عمل الشيء نفسه لمفاعل كاهوتا في باكستان. ولكن بعد تجارب التفجير النووية في مايو/ أيار 8991 في تلال شاجي في وقت كانت فيه الدراسات الجوهرية تتحدث عن تطوير باكستان لما تسميه الولايات المتحدة و«إسرائيل» «قنبلة إسلامية»، أوضح عدد من المحللين الإسرائيليين أن «إسرائيل» ليست قلقة من القنبلة الباكستانية بحد ذاتها، ولكن من تأثيرها على الموازنة النووية بين الدول التي تعتبرها «إسرائيل» بأنها تشكل تهديدا كامنا لها.

فالصهاينة يرون في تصريحات مشرف حول العلاقة مع الكيان الصهيوني تحولا حقيقيا مهما في موقف إسلام أباد تجاه تل أبيب، ووصفوه بالتحول بالغ الأهمية. لكن الأمر الذي أوجد دافعا أكبر لدى الصهاينة للاهتمام بإقامة علاقات مع باكستان، يتعلق بالمشروع النووي الباكستاني الذي جعل باكستان الدولة الإسلامية الوحيدة التي تملك قنابل نووية، وهو ما ولّد الخشية لدى تل أبيب من احتمالات تعاون إسلام آباد مع دول عربية في تسريب أسرار التصنيع النووي، الأمر الذي حوّل باكستان إلى هدف مهم للصهاينة وأجهزتهم الاستخبارية.

ولدى «إسرائيل» وجهة نظر مشابهة تجاه برنامج الهند النووي. وهناك أسباب كثيرة لإحساس تل أبيب بالارتياح والاقتناع بأن باكستان لم تقم بصنع ما يسمى القنبلة الإسلامية. وكانت باكستان في أواسط الثمانينات بعثت برسالة إلى البيت الأبيض تؤكد فيها أن باكستان لن تساعد قط الدول العربية على امتلاك «قنبلة إسلامية» وأن برنامج باكستان النووي يستهدف فقط تحقيق توازن لمثل هذه الأسلحة مع الهند وأنها لن تساعد أعداء «إسرائيل» على امتلاك مثل هذه الأسلحة.

وذكر شي فيلدمان في «جي سي سي إس» للتقييمات الاستراتيجية في يونيو 9991 أربعة أسباب تجعل من غير المحتمل بالنسبة لباكستان أن تنقل مواد نووية حساسة وتكنولوجيا إلى دولة إسلامية أخرى.

الأول: أن باكستان طورت قدرتها النووية ردا على البرنامج النووي الهندي وكنتيجة لقلقها من موقفها الاستراتيجي الشامل تجاه الهند.

والثاني: ان باكستان كانت في ذلك الوقت مضطرة إلى إقناع الولايات المتحدة لرفع العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها. وحتى أكثر الزعماء السياسيين الباكستانيين المتحمسين للقنبلة النووية كان يتعين عليهم مجابهة العواقب الاقتصادية القاسية لرد الفعل الأميركي على التجارب النووية. وبدلا من المجازفة بهذه العواقب، فإن باكستان سوف لا تنقل المواد النووية من أجل إغضاب أقرب حليف للولايات المتحدة في المنطقة، «إسرائيل».

الثالث: إن قدرة باكستان النووية لها بعد إسلامي «إنها ورقة في سعي باكستان من أجل النفوذ في العالم الإسلامي. ومع ذلك فإن مثل هذه المقدرة يمكن أن تمد باكستان بالنفوذ بين هذه الدول طالما أنها تواصل تمتعها بالاحتكار النووي بين الدول الإسلامية. إن نقل مواد نووية حساسة وتكنولوجيا إلى دولة إسلامية أخرى سيساهم في فقدان هذا الاحتكار ويؤدي إلى تآكل أي نفوذ باكستاني تم اكتسابه بين الدول الإسلامية من خلال التجارب النووية الأخيرة.

الرابع، أكد فيلدمان أن التجارب النووية الباكستانية لم تغير الوضع بأي شكل من الأشكال. وحتى قبل هذه التجارب، فلم يكن هناك سوى شك ضئيل في المنطقة فيما يتعلق بمقدرة باكستان النووية. ويتنبأ فيلدمان بأن مختلف العوامل التي أبعدت باكستان عن نقل المواد النووية والتكنولوجيا في الماضي ستجعل من المرجح امتناع باكستان من نقل مثل هذه المواد في المستقبل. وهو الأمر الذي لا ترى فيه «إسرائيل» أي تهديد لها من باكستان.

ويرى دعاة إقامة علاقات بين باكستان و«إسرائيل» وجود عدد من الأسباب التي يتعين بموجبها على باكستان الاعتراف بـ «إسرائيل». وأشار أحمد قريشي في مقال نشرته صحيفة «نيوز» في يوليو الماضي إلى حاجة باكستان إلى تحييد المجمع العسكري الصناعي الإسرائيلي المتعطش للمال، وتحييد اللوبي اليهودي الإسرائيلي في واشنطن، «فالأول يستطيع وقف نقل التكنولوجيا العسكرية إلى الهند والثاني يستطيع المساعدة في تأمين الأهداف الاستراتيجية الباكستانية الرئيسية فيما يحص العلاقات الباكستانية-الأميركية على المدى الطويل».

وتقول مجلة «جينز» المتخصصة بالشئون العسكرية ان باكستان قلقة بشأن المستوى العالي من مبيعات الأسلحة الإسرائيلية إلى الهند وهي تأمل في الحد من مدى هذا «التحالف الآخذ بالبروز» عن طريق الاعتراف بـ «إسرائيل». ويأمل المسئولون في حكومة مشرف بتدشين عملية مبيعات أسلحة إسرائيلية إلى باكستان، كما يأملون أيضا بأن يكون لهذه الخطوة وقع حسن في واشنطن وتخفف من معارضة الكونغرس الأميركي لتعهدات حكومة بوش بتقديم مساعدات بثلاثة مليارات دولار لباكستان حتى العام 8002. ومن الطبيعي أن «إسرائيل» تريد أن تقيم علاقات مع دولة إسلامية كباكستان لأنها تأمل أن يكون تحقيق مثل هذا الاعتراف إلى تآكل المعارضة لـ «إسرائيل» في دول أخرى إسلامية وغير عربية. ويأمل المسئولون الإسرائيليون أيضا بأن يسمح لهم الاعتراف الباكستاني بـ «إسرائيل» بكسب بعض الوسائل لمراقبة برنامج باكستان النووي بصورة يمكن الاعتماد عليها وللعب دور في المعادلة الاستراتيجية التي تربط المنطقة العربية وجوارها وجنوب آسيا.

وألقت الهند بعامل ضغط في هذه العملية. إذ ذكر أن نيودلهي حذرت الحكومة الإسرائيلية من أن مبيعات أسلحة لباكستان ستقود الهند إلى التراجع عن صفقات عسكرية مع «إسرائيل» تقدر بعدة مليارات من الدولارات بما في ذلك بيع نظام الفالكون. وفي الوقت الذي لا تعارض الهند إقامة علاقات ثنائية بين باكستان و«إسرائيل»، إلا أنها تخشى بوضوح أن تجعل باكستان مثل هذه العلاقات مشروطة بمقدرتها على شراء أنظمة أسلحة إسرائيلية متطورة مماثلة للتي تشتريها الهند، وهي مسألة لا يمكن التغاضي عنها، وقد أبدت معارضتها لذلك بشكل واضح. وقد يعرض للخطر روابط «إسرائيل» مع الهند إذا كانت العلاقات مع باكستان - وهي جائزة رئيسية لـ «إسرائيل» - مشروطة بمبيعات أسلحة إسرائيلية لباكستان.

وطبعا فإن هذه المعضلة الإسرائيلية تعبر عن الروابط الاستراتيجية بين جنوب آسيا والمنطقة العربية وليس أقلها مساعدة باكستان لبرنامج إيران النووي والذي تعتبره «إسرائيل» أكبر تهديد لها.

وما يشجع دعاة إقامة العلاقات مع «إسرائيل» هو ضعف الموقف العربي الرسمي. إذ يرى هؤلاء أنه لا يوجد سوى القليل مما يمكن أن يدعو إلى القلق بشأن ذلك أيضا وخصوصا بعد عرض السعودية لسلام كامل مع «إسرائيل» إذا وافقت على الانسحاب من الأراضي العربية المحتلة عام 7691 وإقامة دولة فلسطينية. كما أن ما يشجع هؤلاء في دعواتهم هو ما يقال عن انخراط الاتحاد الأوروبي وروسيا والأمم المتحدة في عملية التسوية في المنطقة طبقا لخريطة الطريق لدرجة أن باكستان والسعودية و35 دولة إسلامية أخرى عضوا في منظمة المؤتمر الإسلامي وافقت على الاعتراف بـ «إسرائيل» في موعد أقصاه عام 5002.

ويعتقد المحلل السياسي الصهيوني يوسي ميلمان أنه إذا استطاع الكيان الصهيوني تحقيق اختراق مهم في العلاقة مع باكستان فإن هذا الكيان «يستطيع أن يسجل لنفسه إنجازا سياسيا استراتيجيا مهما في جهوده التاريخية لإزالة العداء الذي يواجهه في العالم العربي والإسلامي».

فباكستان التي يفوق عدد سكانها 041 مليون نسمة تعد واحدة من أكبر ثلاث دول إسلامية في العالم، وتحقيق اختراق على جبهتها سيقود إلى تحقيق إنجازات سريعة مع دول أخرى مثل بنجلاديش التي ألمح أحد مسئوليها البارزين وهو شمشار تشودهاري عقب تصريحات مشرف، أنها تفكر هي الأخرى في الاعتراف بالكيان الصهيوني، كما أن دولا إسلامية أخرى مثل ماليزيا وإندونيسيا ستجدان كما يرى الصهاينة في اعتراف باكستان خطوة مشجعة في الاتجاه ذاته.

لكن الكيان الصهيوني وهو يحقق خطوات مهمة على طريق إقامة علاقات رسمية مع باكستان، لم يخف قلقه من احتمالات نجاح من يصفهم القوى والأحزاب الإسلامية التي يصفها بـ «الأصوليين المتشددين» في عرقلة هذه الجهود، ولا سيما أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة زادت من نفوذهم بصورة كبيرة في الحياة السياسية الباكستانية، وجعلتهم التيار الشعبي الأقوى. ويقول مسئولون صهاينة إن «الأصولية الإسلامية تبقى الحاجز الذي يحول دون حدوث انطلاقة في العلاقات مع «إسرائيل»».

وأوضحت الأحزاب الإسلامية التي لها نفوذ قوي في أوساط الشعب الباكستاني أن لها رأيا آخر يخالف مشرف، إذ عبرت عن غضب شديد إزاء تصريحاته التي رأت فيها هرولة رسمية باتجاه تل أبيب.

وحذر أمير الجماعة الإسلامية في باكستان قاضي حسين أحمد، الرئيس مشرف من تقديم أية تنازلات بخصوص العلاقة مع الكيان الصهيوني، وهدد بأن الأحزاب الإسلامية ستناضل بقوة لإزاحة مشرف عن السلطة إذا اتخذ أية خطوات باتجاه الاعتراف بالكيان الصهيوني.

العدد 390 - الثلثاء 30 سبتمبر 2003م الموافق 04 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً