العدد 391 - الأربعاء 01 أكتوبر 2003م الموافق 05 شعبان 1424هـ

التاريخ... حين يكون أقل عاطفية

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

«ادوارد» اسم ينتمي الى الغرب بكل هواجسه وهوسه، و«سعيد» هو في الصميم من «تعاسة» الشرق!

رجل اشتغل بالمقارعة، وذهب الى الحدود القصوى من البرهان على ان الغرب ضالع حتى العظم في موهبة التزوير والتعتيم وليّ الحقائق! وبين موقفه المضاد لاتفاقات أوسلو وعمله الدؤوب والفارق على موضوعة « الإستشراق» يتبين الخط الرفيع في بداية اشتغاله على ممارسة المنفى في وطن هيأ له كل اسباب بطالة المواطنة، ولكنه أبى إلا ان يمعن في انتمائه بالتوغل في المنبع النائي، في الصميم من فضح لعبة التزوير وتعريتها.

أن تكون استاذا في بيئة تتنفس هواء صهيونيا كجامعة كولومبيا، وأن تكون أستاذا للأدب المقارن في جامعة هي في العمق من التيه اليهودي في بعده الجارح، فذلك يعني ان عليك ان تتحول الى أبجدية في صورتها المستسلمة والبدائية.

هل يمكننا الحديث عن مثقف سخي يكشف لنا عن بخل الجهل الذي يحيط بالعالم؟ في كتابه «الإستشراق» عمد ادوارد سعيد الى تأسيس اركيولوجيا «الصدمة»... الصدمة في بيانه وبلاغته التي قاربت القبض على الإدانة تجاه مفهومين ظلا غائمين على الغرب: الإسلام والعرب «... غائمين من حيث الأثر الذي تركه تكثيف الإستهداف والتعمية في وسائل الإعلام الأميركية... والإدانة من حيث وعي تلك الوسائل بالدور الذي تمارسه بعيدا عن الوعي والتفهم».

كان مقدسيا بامتياز وان تورط في حضوة «النيويوركي»... وانشغل بالخريطة والجغرافيا والإنتماء وتعدد الهويات... في اشارة له «أنا مسكون بشعور عميق بأن لي هويات متعددة... أفضل أن أكون هكذا على أن تكون هويتي صلبة وجامدة». إلا ان ذلك التعدد لم يفقده شيئا من روحه المحلقة في المكان الأول والهجرة الأولى والمذابح الأولى والإغتراب الطارئ والمقيم معا! تجاوز الزواج من المطلق، ظل حذرا من الإستجابات التي تفرضها بورصة العلاقات الدولية... قام بتنحية كل ذلك جانبا ليتفرغ للسان من نار لتأسيس مرجعيات هي على تماس مع الحسم.

ومنذ كتابه « صورة العرب» الذي اصدره في العام 8691 وولادة كتابه «الإستشراق» في العام 8791، مرورا بـ «الثقافة والإمبريالية» في العام 3991. أصبحت لإدوارد نكهة فارقة... نكهة خسف القناعات والثوابت في فكر عالمي متهم بانحيازه للقوة والبطش والآلة!

في «الإستشراق» عرى العلاقة الحقيقية بين الثقافة والبطش الغربي إزاء الشرق. وفي مجمل كتاباته التي وسمت حضوره في المشهد السياسي العالمي قارئا ومتتبعا ومحللا جريئا تبدى موقفه من اتفاقات أوسلو، من خلال تلك القراءة لحقيقة الكيان الطارئ على الجغرافيا والتاريخ... قراءة مستمدة من تراث عريق تلمسه ورصده من المجازر والترحيل وطمس الهويات على مستوى المكان والتاريخ والإنسان. ولم تكن كلمة الروائي الهندي الأصل البريطاني الجنسية سلمان رشدي وشهادته التي أطلقها ذات عزلة ضربا من الجنوح في الرؤية والرؤيا حين قال: «ان هذا الرجل يقرأ العالم بنفس القوة والوضوح اللذين يقرأ بهما الكتب».

كما لم يتجاوز الكاتب في «ليبراسيون» جان بيير بيران، لم يتجاوز الحقيقة حين اشار: «قليلون هم المفكرون الملتزمون الذين كتبوا وناضلوا بمثل هذه القوة حتى يكون التاريخ اقل عاطفية وأكثر تعقيدا وعقلانية».

فاصلة

حياة ملؤها الروح... سفر ملؤه الحضور في البعيد من التفاصيل... اختلاف ينشد الألفة... وسهر يرتب عقل العالم... لم يكن محض عقل... كان بوصلة تربك الجهات... وجهات تبرر حضور البوصلة!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 391 - الأربعاء 01 أكتوبر 2003م الموافق 05 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً