العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ

جدلية العلاقة الفلسطينية بين السلطة والانتفاضة

من يقود من؟

طراد حمادة comments [at] alwasatnews.com

كانت الانتفاضة الفلسطينية الأولى فعلا سياسيا ضد الاحتلال، وموقفا احتجاجيا في مواجهة الموقف العربي الذي أعطى، في حينه، اهتماما للحرب العراقية على إيران، وترك الفلسطينيين يتدبرون أمرهم بعد سنوات قليلة على خروج القيادة الفلسطينية من بيروت وإقامتها في تونس وبقية مناطق الشتات العربي الأخرى.

وفي مؤتمر القمة العربية الذي عقد في عمّان، على مسافة قصيرة من فلسطين، أولى بعض العرب اهتمامهم لمشروعات صدام حسين الذي يملك جيشا كبيرا يفوق في تعداده أربعين فرقة، وكان صدام يتصرف كزعيم عربي قوي، وهو لا يقيم وزنا، لمنظمة التحرير الفلسطينية، بل يحفر لها في السر والعلانية، ويرسل مخابراته لاغتيال قادتها في تونس وفي بقية البلاد العربية ويناصب حلفاءها في لبنان العداء وكذلك الأمر في سورية.

ويذكر الصحافيون العرب، من الذين حضروا «قمة عمّان» أن الموقف من ياسر عرفات كان سلبيا، حتى أن عرفات استثني من دعوة العشاء التي أقيمت على شرف الملوك والرؤساء العرب. وحين حضر الصحافيون إلى الفندق، لتناول طعام العشاء مع عرفات، في حركة تضامنية ظاهرة، أجابت إدارة الفندق أن مطاعمها مغلقة الأمر الذي حمل الصحافيين إلى دعوة عرفات للعشاء معه في مطعم آخر في قلب العاصمة الأردنية المضيافة.

يكشف هذا الحادث، عن مستوى المأزق العربي لمنظمة التحرير آنذاك، وعن دور النظام العراقي السابق في تشديد الحصار السياسي والمعنوي، وحتى المادي والأمني على منظمة تحرير فلسطين ولذلك كانت حركة الانتفاضة في جانب منها، حركة فعل لكسر هذا الحصار، وإعادة القوة والزخم للمسألة الفلسطينية، بعد حرب لبنان.

كانت الانتفاضة الأولى، حركة خلاص الشعب الفلسطيني وحل مأزق حصار منظمة التحرير ولذلك دار نقاش واسع، في الأوساط الفلسطينية بشأن طبيعة العلاقة بين قيادة المنظمة، وقيادات الانتفاضة من الشبيبة الفلسطينية في الداخل، وكان محور النقاش الفلسطيني الداخلي البحث عن جواب لسؤال العلاقة بين البرنامج السياسي للانتفاضة الأولى، وبين قادة منظمة التحرير لهذه الانتفاضة وهل تكون م. ت. ف، القيادة المباشرة، أو يترك لقادة الداخل إدارة الوضع وتكتفي قيادات الخارج بتقديم العون المادي والمعنوي الأمر الذي يعطي للانتفاضة طابعها الشعبي المستقل، ويسمح لها بتحقيق مطالب وخصوصا بالضفة والقطاع، ويوفر على قيادة منظمة التحرير مسئولية الالتزام بكل ما تتوصل إليه قيادات الداخل، من تسويات لالتزام الوضع الفلسطيني العام. مقابل هذا الرأي، كان يوجد رأي آخر يقول بضرورة قيادة منظمة التحرير للانتفاضة، في اعتبارها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني وهي ملتزمة بكل مجريات الانتفاضة وما تحققه من مكاسب، أو سواها في حال الوصول إلى اتفاقات معينة مع حكومة الاحتلال. ورسا النقاش الداخلي على هذا الاختيار، وعليه تولى الشهيد خليل الوزير (أبوجهاد) الاضطلاع بالمسئوليات العملية للانتفاضة، من خلال ما كان يسمى بـ «القطاع العربي» وتولى عرفات ومساعدوه المسألة السياسية، وتلك كانت البذرة الأولى، التي أثمرت فيها بعد كل الاتفاقات المتتالية، من أوسلو إلى مدريد إلى غيرها. وثبتت قاعدة أساسية في الساحة الفلسطينية مفادها قيادة منظمة التحرير لنضال الشعب الفلسطيني. وفي الواقع، ان ياسر عرفات كان صاحب هذا الاختيار، ودافع عنه بقوة في الحوار الداخلي، ووضع قوته السياسية والمعنوية إلى جانبه، في الانتفاضة الفلسطينية الراهنة، التي دخلت عامها الرابع، ولايزال السؤال نفسه، يبحث عن جواب قاطع. ما هي العلاقة بين قيادة منظمة التحرير وفعل الانتفاضة؟

تغيرت أمور كثيرة بين الانتفاضة الأولى والثانية ولم تعد هناك قيادات في الخارج وقيادات في الداخل ولذلك يأخذ السؤال صيغة أخرى، ما هي طبيعة العلاقة بين السلطة الفلسطينية وفعل الانتفاضة؟ وهل تنضوي الحركات المشاركة في أعمال الانتفاضة، داخل السلطة والحكومة، أو أنها تحتفظ بهامش من الاستقلال يجعلها قادرة على رسم استراتيجية سياسية، تختلف في جوانب منها، عن استراتيجية السلطة، وما المتغيرات التي توجد رسم علاقة معينة بين هذه الأطراف، ثم ما الموقف العربي، وخصوصا الموقف المصري والأردني، وأثره في توجيه دفة الحوار، وطبيعة العلاقة، بعدما شهدت الساحة الفلسطينية نتائج المتغيرات العميقة، وبعدما شهد العالم العربي والوضع العالمي، متغيرات أكثر عمقا.

على رغم أن المشهد السياسي (الفلسطيني والعربي والدولي) يبدو وكأنه انقلب على قفاه، وأضحى مشهدا آخر فإن البحث عن جواب لسؤال العلاقة بين قيادة منظمة التحرير وفعل الانتفاضة لايزال هو نفسه وان اتخذ صورا جديدة وصيغا أخرى. فالعلاقة بين المنظمات الجهادية وقيادة منظمة التحرير، ممثلة بالسلطة والأجهزة الإدارية والأمنية الأخرى لاتزال تحفر حول جذور السؤال وتبحث له عن جواب واقعي، يلم شمل المتغيرات وينسجها في ثوب جديد.

بالنسبة إلى السلطة الفلسطينية لايزال الأمر على حاله، هي تنظر إلى نفسها باعتبارها قيادة شرعية موحدة للشعب ومسئولة عن فعل الانتفاضة ووضع السقف السياسي له. وعلى رغم أن الحركات الجهادية المستقلة أبدت مرونة ظاهرة وتفهما بينا لهذا الاتجاه، فإنها لاتزال تنظر إلى فعل الانتفاضة، بوصفه فعلا سياسيا قائما بذاته وقادرا على تحقيق المطالب الوطنية، من دون حصار السلطة السياسي والأمني. ولعل مشاورات رئيس الحكومة أحمد قريع (أبوعلاء) مع هذه الحركات، ينصب على دفعها للقبول، بصيغة القرار القديم الجديد، مستفيدة من تجربة الانتفاضة الأولى ومن التجارب العميقة للانتفاضة الراهنة، في ترقيها من حال إلى أخرى، عبر مواقع يومية، تبلغ في صورتها حال الحرب اليومية، فيما تجاوز الحوار مسألة عسكرة الانتفاضة أوحفاظها على طابعها الشعبي. ولكن هذه الصورة الجديدة، لم تلغِ حقيقة قيادة الشبيبة الفلسطينية، لفعل الانتفاضة اليومي، وهو ما يجعل السلطة والحكومة، في موقف صعب يشبه العلاقة بين الأب والأبناء في منزل واحد.

هل تستطيع حكومة قريع أن تقدم الجواب الواقعي عن السؤال القديم؟ إن قدرة الفعل في حركات الشعوب الساعية إلى التحرر من الاحتلال، توجب اشغال العقل على ابتكار أجوبة مصيرية هي في واقعها فعل ابتكار وفعل حرية على السواء...

العدد 393 - الجمعة 03 أكتوبر 2003م الموافق 07 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً