العدد 394 - السبت 04 أكتوبر 2003م الموافق 08 شعبان 1424هـ

الصورة والمرآة في محنة الإعلام

محمد صادق الحسيني comments [at] alwasatnews.com

قال رسول الله «ص»: « اللهم ارني الاشياء كما هي، ثم ارني الحق حقا وارزقني اتباعه، وارني الباطل باطلا وارزقني اجتنابه».

في بغداد كما في كابول كما في طهران كما في واشنطن كما في لندن او دمشق او عمّان او الرياض كما في أي موقع حيوي ومهم في العالم يعيش الاعلامي في محنة قل نظيرها. وتنافر الاسماء هنا او ائتلافها لا يغير من اصل الموضوع في شيء. نعم قد يغير في شدة الموضوع او لونه او شكله.

فالاعلامي من وجهة نظري وما اظنه انها وجهة نظر الكثير من اهل الاختصاص ليس فيلسوفا يبحث عن الحقيقة الناصعة ولا سياسيا يتوق إلى تحقيق انتصارات لحزب او بلد او نظام، ولا دبلوماسيا يتحدث او يتعامل بلغة خشبية لا روح لها قادرة على ارضاء الجميع كيفما توزعت اتجاهاتهم وتياراتهم، ولا جاسوسا او عميلا يبحث عن المعلومة بأي ثمن حتى ولو ادى ذلك إلى تدمير نفس او نفوس وهذه الاخيرة بالذات ما يجب تحريمها على الاعلامي ونصحه بألا يقترب منها ايا كانت توجهاته وأيا كان الثمن المعروض عليه!

ان اقصى ما يتوق اليه الاعلامي - المسئول طبعا - هو ان يقترب من ملامسة وقائع وحوادث وقعت او في حال وقوع في الهواء الطلق تهم الرأي العام او تتعلق بالشأن العام ولا يريد او يفشل السياسي او الدبلوماسي او الفيلسوف او الفنان او الاقتصادي او ارباب الشأن العام على اختلاف تخصصاتهم في عرضها وشرحها للناس وتبيان الحقيقة بشأنها.

بعبارة اخرى، فالاعلامي عبارة عن الفدائي البديل الجاهز عن الآخر في عرض ما تكاسل عنه اصحاب الشأن او تغافلوا عن ضرورة عرضه.

وحدهم الخائفون من توسيع دائرة المشاركة الشعبية، والمشككون في آراء العامة من الناس وحسهم الجمعي والمرعوبون من رؤية «العدالة الخبرية والمعلوماتية والمعرفية» وقد عمت الجميع ولم تعد حكرا على فئة متسلطة تحتكر المعلومة والخبر والمعارف مستغلة مواقعها في السلطة او اعلى الهرم الاجتماعي هم الذين لا يستسيغون مجالسة الاعلامي ولا رؤية نشاطه بل ويصرون على ضرورة منعه من اداء واجبه بأي ثمن كان!

لكن هؤلاء مخطئون مرتين، مرة عندما يظنون ان بامكانهم تحقيق مثل هذا الهدف في الوقت الذي اضحى فيه العالم أبعد ما يكون عن مثل هذه المعادلة عمليا بعد التحولات التي طرأت على ظروف تداول المعلومات والاخبار والمعارف، وثانيا عندما يضرون انفسهم من خلال الترويج عمليا وبشكل غير مباشر لشبكة واسعة من العمل السري والمناشير السرية والعملاء السريين ومروجي الشائعات الذين سيغزون الاسواق بديلا عن الاعلام السليم والشفاف.

ثمة آخرون قد تتفتق عقولهم عن براعة يظنون انها من عبقرياتهم عندما يحاولون استبدال مهمة الاعلامي بالفيلسوف او السياسي او الدبلوماسي او الجاسوس، لا سيما الاخيرة منها... عندها ستكون «الكارثة» مضاعفة ومعقدة فهم بذلك يضرون «بالمهتمين» والأهم من ذلك يصدرون قرار الاعدام لكل الاعلاميين، من خلال اغراق العمل الاعلامي بمجموعة من المعايير والاساليب والادوات بما يجعل كل شيء «مشروعا!» للجميع، ثم يبدأون بالتباكي على الامن القومي مرة وعلى القيم مرة اخرى! وعلى مصالح النظام والطبقة الحاكمة! في كل الاحيان.

نحن الاعلاميين - المسئولين - بالمقابل والذين نعتز بمهنتنا «ونقدسّها» بالمعنى المجازي اي نسعى جاهدين لتطهيرها من التداخل المباشر مع «مهمات» الآخرين يهمنا ان نوجه نداء مفتوحا إلى كل من يهمه الامر بالقول: دعونا وشأننا نقوم بمهمتنا. ولكم منا ان نقدر ونحترم ونصون حدودنا في اطار من الحرية المسئولة ولكن غير المقيدة او «الملوثة» «بمهمات» وما ترونه ضروريا، وألا نحرف لكم كلاما او واقعة ولا نعتدي على صلاحياتكم، ولا نحرض على الامن العام او الاستقرار العام، وان كنا نعرف تماما بأن هذا اشبه بالعمل الفدائي العسير لكثرة ما تداخلت وتتداخل الامور لاسيما منذ ان قرر صناع القرار «الحجر» على الاعلامي في «قفص المعلومات الذهبي» الذي لا يشبع نهم المواطن في حقه للاطلاع على ما يجري وان كان يسهل المهمة على السياسي والدبلوماسي والفيلسوف وربما حتى على الجاسوس.

عذرا سادتي السياسيين وأرباب الشأن وصناع القرار، اذا كنا قد تربينا نحن الاعلاميين المسئولين اقصد على منهج رسول الله «ص» او هكذا نزعم ونأمل ان نكون على الاقل، وكما جاء في الحديث الشريف المذكور في بداية المقال، اي اننا كلنا امل بأن يرينا الله الاشياء كما هي اولا، اي حتى قبل ان ندرك معانيها ونميز الحق من الباطل منها.

وعذرا سادتي... ايضا اذا ما تجرأنا عليكم احيانا وعرضنا الاشياء كما هي، اي كما ارانا الله اياها ونقصد طبعا هنا الاشياء الخاصة بالشأن العام والرأي العام وما تصنعه ايديكم وما تنتجه او تفرزه او تعرضه دوائر مساعديكم واعوانكم ومستشاريكم وصناع القرار العام من موكليكم - نعم عرضناها او صورناها وعكسناها على اوسع نطاق من انطقة الرأي العام من اهلكم ومواطنيكم. وكلنا امل بألا تغضبوا ان رأيتم ما لا يناسبكم في هذه الصورة المعكوسة على «المرآة» الاعلامية او ان الصورة ارعبتكم او استوحشتم منها فهي في النتيجة صورة اعمالكم ولا دخل لنا في صناعتها.

واذا ما رغبتم في رؤية خلافها، لا ترجمونا رجاء سادتي الكرام فالحل ليس في رجمنا حتى في منعنا. الحل في تصحيح الصورة كما يقول الشاعر الايراني الكبير سعدي الشيرازي:

اذا ما عكست المرآة عيبك

صحّح صورتك ولا تكسر المرآة

إقرأ أيضا لـ "محمد صادق الحسيني"

العدد 394 - السبت 04 أكتوبر 2003م الموافق 08 شعبان 1424هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً