العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ

معالجة المخلفات الصلبة في البحرين (3)

مجيد جاسم Majeed.Jasim [at] alwasatnews.com

.

قرأت في الملحقات البيئية للصحف الإنجليزية والأميركية مقالات عديدة عن فحوى انهيار سوق إعادة التدوير (recycling) في العالم و قد نتج عن هذا الانهيار تراكم مئات الآلاف من القمامة في المخازن في المدن الأميركية و البريطانية. ويبدو أن جذور هذا الانهيار السريع لأسعار المواد القابلة للتدوير في هذا السوق البيئي نابع من الأزمة المالية العالمية لأن الانكماش في الطلب من قبل المستهلكين أدى الى خفض مباشر لحاجة المصانع المنتجة لمواد التعبئة و التغليف الورقية والبلاستيكية وبالتالي انخفضت أسعار البلاستيك والورق المقوى والزجاج بنسبة كبيرة مسببة خسائر جسيمة لتجار الجملة في الصين، وبالتالي توقف هؤلاء عن استيراد المواد القابلة للتدوير من الدول المستهلكة.

فبمقارنة سريعة للأسعار في البورصات العالمية للسلع فسنرى انخفاضا حادا وسريعا منذ بداية فصل الصيف الماضي الى الفترة الحالية. فمثلا سعرعلب الألمنيوم انخفض من 2.3 دولار لكل كيلوجرام الى دولار واحد فقط، أما طن أوراق الصحف المستخدمة فقد انخفض من 150 دولارا الى 28 دولارا. هذا التراجع في الأسعار وبنسبة مئوية كبرى أدت الى خسائر جسيمة لتجار الخردة وبالتالي فلا غرابة من سماع أنباء عن حالات إفلاس لمصانع إعادة التدوير، لكن المشكلة الكبرى للدول الغربية تكمن في توقف الشركات الصينية (المشترية لنصف إنتاج المواد القابلة للتدوير عالميا) عن الاستيراد وبالتالي تعاظم مشكلة تراكم المخلفات الصلبة في هذه البلدان بسبب اعتمادها على مصدر خارجي لامتصاص العرض المحلي.

تداعيات هذه الأزمة أدى الى التفكير في حلول اخرى لكيفية التعامل مع بعض مكونات المخلفات الصلبة. فبالنسبة للدول الغربية هناك ضرائب عالية في حال القيام بالطمر الصحي. المفاجأة هي تفضيل معظم الكتاب البيئيين لعملية الحرق لتكون بديلا لاستراتيجية إعادة التدوير. الأسباب العلمية لهذا الاختيار التفضيلي تنصب في إعلان اتحاد المهندسين المدنيين البريطاني ان حساباتهم أثبتت ان عملية حرق المخلفات الصلبة مع إنتاج الطاقة ستوفر سدس احتياجات بريطانيا من الطاقة، وبالتالي تنعدم الحاجة لبناء المزيد من محطات الطاقة النووية أو التي تعمل على الفحم. وثانيا ان البصمة الكربونية للمملكة المتحدة -وأي بلد آخر- من الممكن خفضها لأن كمية الطاقة المسترجعة (energy recovery) من بعض مكونات القمامة في عملية الحرق مع إنتاج الطاقة تفيد أكثر من حال إعادة تدويرها.

لذلك ينتقد هؤلاء الكتاب قيام بعض البيئيين بمحاولة تخويف الرأي العام من إنشاء مصانع حرق المخلفات الصلبة وخاصة عند ذكرهم للتأثيرات الضارة وخاصة مركب الدايكسن. و في رأيي أن هؤلاء الكتاب الغربيين على جادة الصواب، فالمصانع الحديثة الإنشاء والقادرة على التعامل مع المخلفات الصلبة والمعتمدة على الحرق مع إنتاج طاقة قادرة على التخلص من معظم هذه المركبات الضارة بل خفض تركيزاتها الى مستويات متوافقة مع المعايير العالمية.

و أخيرا، فلنتخيل ان وزارة البلديات قامت باختيار إعادة التدوير كاستراتيجية للتعامل مع مليون طن من المخلفات الصلبة المحلية سنويا ومن ثم قامت شركات خاصة بفصل القمامة الى مكوناتها الأساسية وأوجدت جبالا من القمامة أكبر من جبل دخان و بعد فترة واجهتنا تحديات انخفاض الطلب العالمي وبالتالي القدرة على التصدير. فهل سيقبل الرأي العام زيادة عدد الجبال في المملكة؟ ولذلك نختتم هذه السلسلة من المقالات بتأييد اختيار الحرق مع إنتاج الطاقة كحل مناسب للتعامل مع أكداس المخلفات الصلبة المستقبلية في مملكة البحرين.

إقرأ أيضا لـ "مجيد جاسم"

العدد 2325 - الجمعة 16 يناير 2009م الموافق 19 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً