العدد 2328 - الإثنين 19 يناير 2009م الموافق 22 محرم 1430هـ

معوقات التكامل الاقتصادي العربي (2/2)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

بإمكان من يريد أن يبرز مقومات التكامل العربي أن يجد الكثير من العوامل الإيجابية التي تعزز من قوة وحضور الدعوات المنادية بمثل هذا التكامل، والتي بوسعنا أن نسوق البعض منها، مثل: تواؤم البعد الحضاري والديني، الملاءمة البيئية والإيكولوجية، تنوع الموارد الطبيعية، بما فيها النفط، قيام المؤسات الوحدوية العربية مثل جامعة الدول العربية.

لكن كل هذه العوامل الإيجابية يمكن دحضها بعوامل سلبية أخرى وشواهد ملموسة على أرض الواقع، تفسر عدم وصول «التكامل الاقتصادي العربي» إلى مستوى طموح ورغبات الجهات والقوى التي تنادي به وتدعو إلى قيامه.

فعلى المستوى الاقتصادي والمالي، باستثناء بعض الهياكل الباهتة المجردة من أية صلاحيات فعلية من نمط تلك المؤسسات المنبثقة من جامعة الدول العربية كاتفاق السوق العربية المشتركة أو المجلس الاقتصادي، يصعب الحديث عن مؤسسة اقتصادية عربية قائمة وذات صلاحيات قوية تستمدها من مقوماتها الذاتية، وقادرة بموجبها من فرض قراراتها التي تتخذها، على الأقطار العربية.

ويزداد الأمر سوءا عند الحديث عن المؤسسات السياسية العربية، ومن أهمها جامعة الدول العربية، التي لايزال أعضاؤها مجردين حتى من حق تغيير ميثاقها الذي صيغ في أربعينيات القرن الماضي، ولم يعد في وسعه مواكبة الظروف المستجدة. يزداد الحال سوءا عند رسم صورة للاصطفاف السياسي العربي، الذي يكشف عن عمق التناحرات العربية، مقارنة مع العلاقات الجيدة التي تنسجها الدول العربية مع بعض أعداء دول عربية أخرى، بما في ذلك دولة مثل «إسرائيل»، وكشفت الحرب الأهلية اللبنانية عن أمثلة كثيرة على هذا الصعيد. بل أن الحروب التي خاضتها العربية الداخلية خلال الخمسين سنة الماضية أشد شراسة من تلك الحروب التي خاضها العرب ضد عدو مشترك مثل «إسرائيل». والغزو العراقي للكويت لايزال راسخا في أذهان الأجيال العربية، بمن فيها أشخاص يصنعون القرارات السياسية في بلدانهم.

تؤكد هذه الحالة المتردية من مستوى «التكامل الاقتصادي العربي» أن هناك معوقات حقيقية راسخة تغرس جذورها عميقة في صلب مساعٍ أو محاولات تجسيد ذلك التكامل، ويمكن إيجاز أهمها على النحو الآتي:

1- المسلمات المسيطرة على العقلية العربية، من نمط «قيادة مصر لأي عمل عربي مشترك»، أو الدور «الريادي لعرب الشمال» في مثل تلك المشروعات. لقد أثبتت مصر، ومعها العديد من دول الشمال العربي، على امتداد العشرين السنة الماضية، من جراء أوضاعها الاقتصادية المتردية، وسياساتها التقليدية، أنها لم تعد قادرة على قيادة العمل العربي المشترك. إن القبول بالقيادة المصرية للعمل العربي المشترك يسجن العمل العربي في زنزانة مغلقة ضيقة، ويحرمه الحرية، ويمنع عنه الأوكسجين الذي هو في أمس الحاجة لها للإنطلاق والتحليق بجرأة وإرادة تمكنه من التأسيس لعمل عربي مشترك معاصر يقوم على أسس مختلفة تماما عن تلك المتحكمة فيه اليوم، والتي أثبتت فشلها.

2- مناهج التعليم، وليس المقصود هنا بمقررات التعليم العالي بمراحلة الأكاديمية المختلفة، بل ينصب الحديث على مواد المراحل الأولى بما فيها تلك المخصصة للحضانات ورياض الأطفال، والتي جميعها اليوم، ومن دون أي استثناء قائمة على القطرية الشديدة التي تصل إلى الذهنية الانفصالية. ففيما عدى دروس التربية الدينية، وبعضها يعاني من تلك النزعة، سنكتشف أن كتب «التاريخ» و»التربية الوطنية» المعمول بها في المدارس العربية، تذكي نار القطرية، بل يصل الأمر إلى أسوأ من ذلك، فهي في دول عربية معينة تروي الطائفية والانقسام الديني.

3- تضارب وتناقض القوانين والأنظمة، يكفي الحديث عن القوانين التجارية والمالية، والتي تعيق أي نوع من أنواع العربي المشترك. يكفين الإشارة إلى أن التجارة البينية العربية لاتتجاوز 10 في المئة من التجارة الخارجية لكل دولة من الدول العربية، بما فيها تلك التي تتشدق برفعها رايات العمل العربي المشترك. ولعل هذه النسبة تفسر أيضا هجرة الأموال العربية من بلدانها الأصلية، لكن ليس إلى بلدان عربية أخرى، بل إلى أسواق أخرى، مدفوعة بأسباب سياسية تفرضها العلاقة بين تلك الدولة المصدرة لرأس المال وسوق الدولة المستقبلة له.

4- ضعف القطاع الخاص، سواء على المستوى العربي الشامل، أو القطري في كل دولة عربية على حدة. هذا الضعف الذي يبلغ الهزال والذيلية للدولة، يجعل القطاع الخاص العربي تحت رحمة القرار السياسي للدولة التابع لها. هذه التبعية، بالإضافة إلى تجريدها القطاع الخاص من أدنى نزعات المبادرة للخروج من الدائرة الاقتصادية الضيقة لمشروعات الدولة المحكومة بإجراءاتها البيروقراطية، فهي تخضعه للعلاقات السياسية لدولته مع أية دولة عربية أخرى. وجميعنا على علم بتذبذب العلاقات السياسية العربية وعدم ثباتها وتأرجحها وفي فترات قصيرة نسبيا، من العلاقات الحميمية الدافئة، إلى الصدامات العسكرية المسلحة.

5- الذهنية العشوائية والعفوية والاندفاع العاطفي، إذ لايزال مصدر الكثير من مشروعات العمل العربي المشترك العقلية العشوائية المدفوعة بأحداث عرضية، لاتستمد قوتها من دراسات متانية لكل الجوانب المحيطة بها سلبية كانت أم إيجابية، الأمر الذي يحولها من مشروع تكاملي إستراتيجي طويل المدى، إلى عمل قزم آني لايحمل أية مقومات الاستمرار والتطور، بل أن بقاءه رهن بتلك الظروف الآنية المستجدة التي يتهاوى المشروع التكاملي، بتلاشٍ ذلك الظرف أو تراجع أهميتها.

بقي عامل واحد ربما يكون عنصرا مهما في تطوير العمل العربي المشترك الذي لعله ينهضه اليوم كبوته التي يعاني منها. فلربما تمارس الأزمة المالية التي اعترفت قمة الكويت بأنها التهمت ربع تريليون دولار في استنهاض العمل العربي المشترك. ولعل الخسائر المشتركة تنجح في القيام بما فشلت العوامل الإيجابية الأخرى من إنجازه.

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2328 - الإثنين 19 يناير 2009م الموافق 22 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً