العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ

حقٌ لأحمد أن يحفر اسمه على جبين الوطن بحروفٍ من ذهب

حول كتاب فوزية مطر«أحمد الشملان سيرة مناضل وتاريخ وطن» (3 - 3)

حسن مدن comments [at] alwasatnews.com

سادسا: ما أشبه الليلة بالبارحة

أود الوقوف أمام الطريقة التي أدار بها أحمد الشملان ورفاقه العلاقة بين التيار الديمقراطي والحركة الإسلامية فترة التسعينيات، فالشملان الذي خاض بعقلٍ وقلبٍ مفتوحين تجربة التعاون بين الطرفين في النضال من اجل إعادة الحياة البرلمانية وإطلاق الحريات الديمقراطية، وهو ما وحدَّ جميع قوى المعارضة، داخل وخارج البحرين، في تلك المرحلة، كان واضحا وصارما في ابداء رأيه المستقل، واعتراضه على كل ما يجدهُ خروجا على روح العمل المشترك. وسأبدأ بما أوردته المؤلفة على لسان أحمد الشملان حول الخلاف الذي نشب بين العناصر الوطنية في لجنة العريضة الشعبية من جهة وبين القادة الميدانيين للحركة الدينية.

تنقل المؤلفة عن الشملان التالي: «في اجتماع للجنة العريضة حضره الأستاذان عبدالوهاب حسين وحسن مشيمع ابديت وجهة نظر تُعارض بوضوح وبشدة الاتفاق الذي تم في المعتقل وما تمخض عنه من نتائج تمثلت في قيام ما سمي بلجنة المبادرة، وأبديت لهما تحفظي على نقل القيادة إلى ما سمي بلجنة المبادرة، وذلك عمليا يضعف ويجهض لجنة العريضة التي تكمل الوحدة الوطنية، كما طرحت النقاط ذاتها على الشيخ عبدالأمير الجمري ولأكثر من مرة».

ولم يكن الوطنيون الديمقراطيون من أعضاء لجنة العريضة وحدهم من الذين تحفظوا على الاتفاق الذي جرى داخل المعتقل، وهذا ما تُؤكده المؤلفة التي نقلت عن الأستاذ علي ربيعة قوله إنه حينما التقى الشيخ خليل سلطان مع ممثلي المعارضة اليسارية في دمشق أوضحوا له رفضهم لهذا المشروع الذي تمت ولادته في دهاليز وزارة الداخلية، وأن لا يقتصر الحوار على العناصر الدينية بل يجب أن تكون العناصر الوطنية من ضمن الوفد المفاوض».

سيذهب أحمد الشملان موقفا ابعد، اشد حزماَ من بقية أعضاء العريضة من الوطنيين والديمقراطيين، فهو حين قام وبقية رفاقه بأكثر من زيارة لأعضاء المبادرة الذين اعتصموا في بني جمرة اعتراضا على نكوص الدولة للوعود التي قطعتها أمامهم في السجن، فإنه قرّر تسجيل موقفٍ احتجاجي على انفراد لجنة المبادرة بالقرار، وذلك بعدم الذهاب للمهرجان الكبير الذي أقاموه في بني جمرة، وشرحوا فيه تفاصيل الاتفاق في المعتقل وكيف أخلت به السلطة.

تورد المؤلفة نقلا عمن الشملان قوله إن سبب قراره بعدم الذهاب هو انقطاع الاخوة أعضاء لجنة العريضة من أصحاب المبادرة عنا وتوقفهم عن التنسيق معنا في لجنة العريضة الشعبية. يقول الشملان: لقد أيدناهم في الاعتصام والإضراب كونه احتجاجا منهم على السلطة التي أخلت بالاتفاق معهم، لكن أن يوقفوا التحرك تحت مظلة لجنة العريضة وهي اللجنة الأساس في مسار الحركة المطلبية آنذاك، وأن لا يكون للجنة العريضة صوت أو كلمة في مهرجان خطابي جماهيري دُعيت إليه مثلها مثل أي مدعو عادي، ذلك عزز شعوري حينها بخطرٍ يُهدد الحراك الوطني العام الذي جمعنا في عمل نضالي موحد، بل شعرت بوجود مؤشرات مقلقة تشي بالانحراف عن الوحدة الوطنية والتقوقع في حدود طائفية ضيقة، لهذه الأسباب اتخذت قرارا بعدم الحضور كتعبير عن موقف رافض لما يجري. الكتاب من الصفحات (586 حتى594).

هذه المسألة وموقف أحمد الشملان منها جديرةٌ بالتوقف الطويل أمامها وإعادة التبصر فيها، والوقوف أمام دروسها الكثيرة التي أحب أن ألخصها في التالي:

- إدراك الشملان وبقية زملائه من العناصر الوطنية العلمانية في لجنة العريضة أهمية العمل الشعبي الموحد الذي يجمع تلاوين المجتمع السياسية والاجتماعية بصرف النظر عن تحدراتها الطائفية أو الأيديولوجية، في النضال الموحد من أجل الديمقراطية وحقوق الشعب، وهو أمر برهن الشملان على وعيه المبكر بأهميته منذ الستينيات، حين كان طرفا في التنسيق بين حركة القوميين العرب وجبهة التحرير في انتفاضة مارس/ آذار 1965، وفي هذا المجال فإن الشملان على استعداد للمضي في طريق التنسيق حتى أبعد مدى.

- الشملان وهو يفعل ذلك، يقف بما عُرف منه بعناد ومبدئية ضد أي شكلٍ للانفراد والاستئثار بالقرار من قبل أية قوة من قوى الائتلاف المعني، والنظر إلى الأمرِ من زاوية التابع والمتبوع، انه مع التحالف والتنسيق المتكافئ الذي لا يُملي فيه طرف رؤاه وقرارته على الأطراف الأخرى أو يضعها أمام الأمر الواقع كما حدث مع قصة لجنة المبادرة، التي انتقدها الشملان بقوة، وهو لم يكتفِ بالنقد، وإنما اتخذ خطوة عملية بالغة الدلالة حين رفض المشاركة في المهرجان المذكور لا خوفا أو جبنا وهو الذي تشهد البحرين كلها بشجاعتهِ، وإنما تمسكا بموقف مبدئي يتسق وقناعات وأطروحات الحركة الوطنية الديمقراطية في البلاد.

- ما حذر منه الشملان وعارضه في التسعينيات وكان شاهدا على نتائجه الوخيمة تكرر مرارا فيما بعد، وما زال يتكرر اليوم للأسف بتجلياتٍ مختلفة، فالتفاهم حول التصويت على ميثاق العمل الوطني تمّ بصورةٍ جانبية بين الحكم والرموز الدينية الشيعية، واستبعدت منه الشخصيات والقوى الوطنية، وحين دعونا من موقع الشعور العالي بالمسئولية الوطنية والحرص على مستقبل هذا الوطن وأمنه واستقراره إلى الحوار الوطني الشامل في مبادرتنا التي أطلقناها في فبراير/ شباط الماضي، وجدنا أن الدولة من جهةٍ وبعض القوى الاجتماعية من جهةٍ أخرى تُفضل التفاهمات الجانبية والجزئية التي لا تؤسس إلى توافقٍ وطني حقيقي، وحين يدور الحديث عن الاستحقاق الانتخابي الذي يتعين التعاطي معه بروح مشتركة نُجابه بقصة الدوائر المغلقة.

- علمنا احمد الشملان بسلوكه السياسي في التسعينيات درسا ثمينا هو أن تُبنى تحالفاتنا وتفاهماتنا على أسس مبدئية واضحة تحفظ للتيار الديمقراطي استقلاليته، وتضعه على مسافةٍ كافية من القوى الأخرى، تضمن له وضوح برنامجه الاجتماعي - السياسي - الفكري، الذي لا يمكن أن يتماهى مع برامج القوى الأخرى مهما كانت الذريعة.


سابعا: كتاب يجب أن يقرأه الجميع

هذا كتابٌ يجب أن يقرأهُ الجميع، يجب أن نقرأه نحن السياسيين المخضرمين بكامل العناية، لا لكي نعرف الدور القيادي المحوري لأحمد الشملان في تاريخ حركتنا السياسية وتيارنا الوطني الديمقراطي خاصة، وإنما أيضا لنعرف تفاصيل كثيرة مجهولة بالنسبة لنا من هذا التاريخ، ليس فقط لنقف على الصفحاتِ المجيدةِ فيه فحسبْ، وإنما لنتعرفَ أيضا على أخطائنا وعثراتنا ومكامن ضعفنا التي أثرت سلبيا على دور هذا التيار ومكانته.

وهو كتاب يجب أن يقرأه المسئولون في الدولة، ففيهِ الكثير من العظات التي يجب أن يتعلموا منها: هل كان كل هذا القمع الشرس على شعبنا ومناضليه مبررا، هل جعل هذا القمع البلد أكثر أمنا واستقرارا أم انه عمق فيها المآزق السياسية والمعيشية وأهدر فرص التنمية الجادة وأعاد البحرين إلى الوراء وهي التي كانت رائدة في الكثير من المجالات.

وهذا الدرس البليغ مهم للحاضر ومهم للمستقبل أيضا، فالمضي في طريق الشراكة السياسية وتقاسم الثروة والسلطة والنهوض بأوضاع الناس وتأمين حياة كريمة لائقة لهم وتوسيع الحريات العامة وتعزيزها هي طرق تحقيق التنمية والاستقرار والبناء. إن القمع وكبت الحريات طريق مسدود، مسدود، مسدود، هذا هو الدرس الذي تعلمنا إياه سيرة احمد الشملان، الذي قُدم للمحاكمة في التسعينيات بتهمةٍ مُلفقة فحواها «التورط في التحريض على جرائم الحرق والتخريب التي وقعت في البلاد» (الكتاب ص 627)، وحين أبلغته زوجته بعد أن تمكنت بعد عناء من مقابلته بحملة التحريض الرخيصة ضده في الصحافة، طلب من إدارة السجن ورقا وقلما، وكتبَ رسالة إلى سمو رئيس الوزراء رفض فيها التهم التي وُجهت ضده. وقال في الرسالة: لم اطرح يوما في تصريحاتي أو كتاباتي أو مرافعاتي ما يُحرض على العنف والتخريب أو يؤلب ضد نظام الحكم، وعلى العكس فقد كنتُ دوما أؤكد شرعية نظام الحكم» ( الكتاب ص 653).

كان أحمد الشملان بهذه الرسالة صوت الحركة الوطنية في البحرين التي لا تنشد سوى الإصلاح ولا تنهج سوى أسلوب العمل السلمي في النضال من اجل الديمقراطية، ولو أن الدولة أصغت إلى صوتنا الرشيد والعقلاني قبل عقودٍ من الآن لكانت بلادنا اليوم في حال أخرى تماما.

وأخيرا هذا كتاب يجب أن تقرأه الأجيال الجديدة من الشبان والشابات أولئك الذين فتحوا أعينهم على الحياة في ظروف خبا فيها صوت التيار الديمقراطي وتراجعت مكانته، تحت تأثير الضربات الموجعة والتحولات الكثيرة من حولنا وتحت تأثير ما وقعنا ونقع فيه من أخطاء، من أجل أن تدرك هذه الأجيال أن للنضال الوطني في البحرين تاريخا يمتد بعيدا، وأن جيل أحمد الشملان ومن أتوا بعده قد دفع أثمان باهظة من أجل أن تنعم البحرين بمقدار الحريات المتاحة اليوم.

في 24 فبراير 2001، بعد التصويت على ميثاق العمل الوطني وما تلاه من انفراجٍ سياسي كتبت فوزية مطر مقالا في جريدة «الأيام» بعنوان: «بعض أحلامك يا أحمد»، قالت فيه: أحمد... أراكَ اليومَ كما رأيتك دوما وكما رآك كل الوطنيين والشرفاء في هذا الوطن العظيم، جبلُ الدخان العتيد الراسخ في البحرين الصغيرة الشامخ الذي لا تخطئه ولا تُنكره العين ولا الفكر والوجدان... هذه بعض آمالك وأحلامك يا أحمد تتحققُ اليوم على أرض الواقع... هذه بعض من ثمار نضالك وتضحياتك مع غيرك من الطيبين والشرفاء على امتداد بحريننا العظيمة. بكل الصدق والإخلاص والنقاء ناضلت من اجل الحق الذي لم ترد به باطلا أبدا، متجردا من أي غرض أو مصلحة ذاتية»( الكتاب ص 876، 877).

صدقتِ يا أم خالد، ونحن معك نقول: حقٌ لأحمد الشملان وجيله أن يعرف أبناء اليوم مقدار ما قدموه من تضحياتٍ جليلة في الأزمان السود. حق لأحمد أن يُحفر اسمه على جبينِ هذا الوطن بحروفٍ من ذهبْ.

إقرأ أيضا لـ "حسن مدن"

العدد 2638 - الأربعاء 25 نوفمبر 2009م الموافق 08 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً