العدد 2330 - الأربعاء 21 يناير 2009م الموافق 24 محرم 1430هـ

«ترميم الذاكرة»... إيقاظها

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

يذهب حسن مدن في كتابه «ترميم الذاكرة» الصادر عن «البحرين الثقافية»، إلى منحى تخيلي عماده المتح من ذاكرة لم يطلها النسيان. ذاكرة متوقدة قادرة على تذكُّر المهمل من التفاصيل التي بدت في العمق من تلك الذاكرة. كتاب يكشف عن طاقة خلاَّقة، لمشروع كاتب روائي بامتياز وإنْ تنكَّر لذلك. ذاكرة تستدرج كثيرين إلى حقب زمانية/ مكانية. حقب كانت في العمق من تاريخ هذه الجزيرة التي طالها من الخسف والقمع الشيء الكثير في نهاية الستينيات والسبعينيات والتسعينيات من القرن الماضي.

ذاكرة قادرة على فعل المعالجة. معالجة اللحظة التاريخية بعمق وحيادية؛ ما يؤدي بتلك المعالجة إلى وقوف عميق ومتلمِّس لتفاصيل الماضي وحتى ذلك الذي يظن أن شيئا ما تسرَّب منه. ذهاب إلى المستقبل الذي يراد له أن يكون حاضرا من دون تشويهات ومصادرات واستجوابات.

لم يكن الكتاب بالنسبة إليَّ، ترميما للذاكرة بقدر ما هو إيقاظ لها، واستفزاز لما يراد له أن يتوارى وينسى. هو مشروع تمثل وحضور لها. تمثل وحضور يرمي فيما يرمي، إلى استعادة اللحظات المغيَّبة. لحظات العذاب والمنفى والحدود والزجاج الذي يفصل بينه/ بيننا/ بينكم وبين وطن تختصره وتختزله في لحظة عاطفية في مطار قررت السلطات ألا تعانق نخيله ورطوبته وملحه وبيوته الطينية والرفاق وأصدقاء ما قبل المنفى وما بعده.

لم يكن الكتاب مشروع ترميم للذاكرة بقدر ما هو بناء لها: «في المساء عندما أخرجونا إلى الحمَّام، استطاع يوسف أن يدسَّ في غرفتي علبه مربَّى ونسخة من القرآن الكريم. كان يوسف قد أحضر من سجن جزيرة جِدَه إلى القلعة للمقابلة الشهرية مع عائلته، وقال لي في الليل، إنهم لن يتركوه هنا كثيرا. غدا سيعيدونه إلى جِدَه. كانت نسخة القرآن التي أهداني إياها هدية ثمينة. كنت قد تعلمت قراءة القرآن كشأن أقراني قبل الذهاب إلى المدرسة. نسمِّيها المعلمة. كنا عشرات من الأطفال، فتيانا وبناتٍ نتجمَّع في فناء بيت تلك المرأة التي تظللها شجرة (كنار) وارفة الظلال تتجمَّع عليها العصافير».

هل يدَّعي حسن مدن هنا أنه يرصد ذاكرته فحسب؟ أم أنه يعمد إلى رصد ذاكرة جيل وموقف؟ رصد ذاكرة مرحلة كانت له مشاهد ومواقف منها؛ لكنها تعبِّر في نهاية المطاف عن ذاكرة أمة. ذاكرة مرحلة لم تنته. هي ذاهبة... موغلة في المستقبل بشكل استثنائي لافت.

«ترميم الذاكرة» مشروع نموذجي وجدير بتمثل عمل روائي في الصميم من القيمة والمعنى والهدف واللغة في أسمى معانيها وصورها

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 2330 - الأربعاء 21 يناير 2009م الموافق 24 محرم 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً