العدد 2655 - السبت 12 ديسمبر 2009م الموافق 25 ذي الحجة 1430هـ

مخاوف المشاركة وهواجس المقاطعة (1)

عبيدلي العبيدلي Ubaydli.Alubaydli [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

في خطوة شبه متوقعة أعلن زعيم حزب «المجتمع الديمقراطي» (وهو حزب كردي في البرلمان التركي) أحمد ترك، عن مقاطعة الحزب للبرلمان، وعزمهم على عدم حضور جلساته. ويعتبر هذ الحزب من أكبر الأحزاب الكردية في تركيا، ويملك 21 مقعدا من أصل 550 عضوا في البرلمان.

جاءت ردة الفعل هذه مقابل قرار أصدرته المحكمة الدستورية في تركيا بحظر الحزب وأنشطته، إلى جانب «منع كبار قادته من ممارسة العمل السياسي بتهمة ارتباطه بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا».

وحدّد ترك سياسة الحزب القادمة من جلسات البرلمان قائلا «إن نوابنا خرجوا عمليا من البرلمان اعتبارا من اليوم ولن يشاركوا من الآن فصاعدا في جلساته».

لابد من التنويه هنا إلى أن مثل هذا الحظر كان قد مسّ أحزاب تركية أخرى بتهمة «علاقتها أيضا بحزب العمال الكردستاني المحظور في تركيا والذي وضعته كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على لائحة المنظمات الإرهابية».

ما يدعو لهذه المقدمة، هو مكالمتان هاتفيتان، الأولى تلقيتها من صديق نقل إليّ بعض ما دار في احتفالات ذكرى استشهاد محمد غلوم وسعيد العويناتي، ومطالبة البعض بمقاطعة جمعية حقوق الإنسان الوطنية التي تشكَّلت بمرسوم ملكي، والمزمع تعيين أعضائها في وقت قريب، أما الثانية، فقد كانت من صديق آخر لا يزال متمسكا بصحة المقاطعة البرلمانية وجدواها، ومُصِرّا على أن أيَّ شكل من أشكال المشاركة في مؤسسات مثل البرلمان، يعني «تجميل صورة النظام وإعطاءها صكوك الغفران».

وكما يبدو فقد تحوَّلت المشاركة لدى البعض إلى «بُعْبُع مخيف»، من شأن من يمارسها أن يشارك في حرف مسار نضال شعب البحرين من جهة، وتعزيز قبضة السلطة التنفيذية وإحكامها على الأمور من جهة ثانية.

وعلى نفس القدر أصبحت المقاطعة هاجسا سياسيا يؤرق بعض القوى السياسية الأخرى ويقضّ مضاجعها، نظرا لخشيتها من تحوُّل المشاركة إلى تهمة تُلصق بها، إذ وصل الأمر إلى الطعن في وطنية مَنْ تسمح له نفسه بالحديث عن ضرورة المشاركة وجدواها على حد سواء، دعْ عنك العمل من خلال المؤسسات السياسية المشكلة بمراسيم رسمية.

هذا يدفعنا إلى العودة إلى بديهيات ممارسة العمل السياسي، والاستشهاد بها.

فقبل مشروع الإصلاح السياسي الذي قاده جلالة الملك، وفي مرحلة سيادة «قانون أمن الدولة»، كان من المبرر أن تطرح مسألة المشاركة أو المقاطعة على بساط البحث. حينها كانت شرعية النظام ذاته لا تزال مثار تساؤل. أما اليوم، وبعد توقيع الأغلبية، بغض النظر عن صحة موقفها أو خطئه، فمن غير المبرر العودة إلى الخلف، ومن الخطأ الدخول في مثل هذه الحوارات، لكونها، هي في حقيقة الأمر، تستأثر بنسبة عالية من طاقات نضال الجماهير البحرينية، وتحول دون استفادة المواطن بما جاء به ذلك المشروع من مساحات من الحرية، والتي هي في جوهرها ثمرة طبيعية لنضالات تلك الجماهير. لذا وفي سياق العودة إلى بديهيات العمل السياسي لابد لنا من التأكيد على القضايا التالية:

1. إن مَنْ وقَّع على الميثاق، ومِنْ بعده الدستور، مطالب اليوم، ومن منطلقات جماهيرية، وليست رسمية، أن يتعامل مع كل المؤسسات المنبثقة من مواد ذلك الدستور وتفرُّعاته التشريعية والتنظيمية.

وبالتالي، وطالما أن العمل قائم بذلك الدستور، يَفقِد المنادون بمقاطعة المؤسسات التي ولدتها مواد ذلك الدستور أو تفرعاته أيَّ سند تشريعي يبرر مسلك المقاطعة.

هذا يضع على عاتقي الطرفين، المعارضة والسلطة التنفيذية على حد سواء، مسئولية التمسك بالدستور والدفاع عن حياضه.

السلطة التنفيذية عندما تكون صادقة مع نفسها ومنسجمة مع توجهات المشروع الإصلاحي، كي يتسنّى لها بناء مؤسسات الدولة، والمعارضة، كي تكون قادرة على الاستفادة من مساحات الحرية التي يتيحها لها المشروع الإصلاحي، في بناء منظمات المجتمع المدني وتعزيز الدور السياسي والاجتماعي الذي تمارسه.

2. إن تطور المجتمعات البشرية يثبت لنا بشكل قاطع أن ليس هناك مشروع سياسي مثالي، ومن ثم فليس هناك نظام سياسي، ونموذجي، باستثناء ذلك الذي بشر به إفلاطون، وبالتالي فليس المطلوب «تأليه» أي مشروع، بما في ذلك الذي تعيشه البحرين اليوم.

مقابل ذلك لا ينبغي اتخاذ موقف سلبي عند التعامل مع أي مشروع سياسي، بما فيه مشروع جلالة الملك، تحت مبررات كونه غير مكتمل، أو تعتريه بعض النواقص.

هذا يعني أن عملية الانطلاق مما هو متاح اليوم، والتمسك بحق نقده وتطويره، هو أقوى سلاح يمكن أن تتملكه المعارضة كي تفرض وجودها من جهة، وتصعب المهمة على من يريد شطبها من معادلة العمل السياسي البحريني من جهة ثانية.

3. إن المشروع الإصلاحي اليوم، بل ومنذ لحظة إطلاقه أصبح ملكا للبحرين، بما تعنيه مملكة البحرين، من سلطات ثلاث، ومؤسسات منبثقة عنها أو ذات علاقة بها. ومن ثم فقد باتت مهمة شعب البحرين، ومن خلال تلك السلطات، العمل على تطوير المشروع الإصلاحي وتشذيبه من الشوائب العالقة به، وإبراز المحاسن التي يحتضنها.

هذه المهمة ليست مهمة تجميلية، كما أنها بالقدر ذاته ليست مهمة يسيرة، ومن ثم فهي عملية تطوير مستمرة لا تتوقف.

على أرضية تلك القضايا، وربما هناك أخرى غيرها، ربما تكون أكثر أهمية، وأشدّ إلحاحا منها، يدعو المواطن البحريني قواه السياسية أن تراجع حساباتها، وأن تقوِّم عناصر الربح والخسارة عند اختيارها طريق العمل السياسي الذي بات طريقا تريد أن تسلكه، والذي أصبح اليوم مكتضّا بالكثير من مخاوف المشاركة وهواجس المقاطعة

إقرأ أيضا لـ "عبيدلي العبيدلي"

العدد 2655 - السبت 12 ديسمبر 2009م الموافق 25 ذي الحجة 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 7:07 ص

      اللي بيجرب مجرب عقله مخرب

      هذا مثل سوري وهو مثل صائب ولقد جربت بضم الباء هذه الحكومة في المقاطعة والمشاركة وأعطيت بضم الألف الثقة ولكن لا طائل من ذلك كله
      الحكومة لا تنوي تقديم شيء ملموس للناس يريح الناس ويرفع عنهم ولو القليل من المعاناة
      الحكومة كل ما تقوم به عمليات تجميل سطحية جدا لا تجدي نفعا حتى على المنظور القريب.
      ولو لا قدر الله لهذه الديرة أن تمر بمنحنة ولو بسيطة سوف ينكشف المستور

    • زائر 3 | 3:17 ص

      المقاطعة أهون الضررين

      المشاركة أثبتت عقم انتاجها, و لا يكاد يختلف اثنان على ان حجم انجازاتها هو صفر!! كما جاء على لسان المشاركين أنفسهم. أما المقاطعة فهي أيضاً "عقيمة" إلى حد ما بيد أن لديها -أي المقاطعة- من المرونة ما يؤهلها لتحقيق بعض الأهداف إن أحسنت التصرّف.

    • مواطن مستضعف | 11:36 م

      تابع .. ليس سوى الفشل!!

      أما فيما يتعلّق بجدلية المشاركة والمقاطعة, فأقول (كما قلتُ سابقاً): بأن خيار المشاركة هو خيار فاشل ,قد يكون خيارالمقاطعة أفشل منه, وما أفشلهما هو تعنّت الحكومة التي لا تألوا جهداً لاحباط أي محاولة للعيش الهانئ للمواطنين.
      مع خالص المودة

    • زائر 1 | 10:31 م

      التجرية خير برهان ..........

      من جرب هو صاحب الراي والى مزيد
      من الحوار اذا كان الجميع فعلا
      يحب الوطن واعني بالجميع الدولة
      والشعب

اقرأ ايضاً